رحلة نجيب محفوظ الوظيفية على مدار 37 عاماً

اتسمت بالانضباط وأمدته بنماذج بشرية أثرت في كتاباته

رحلة نجيب محفوظ الوظيفية على مدار 37 عاماً
TT

رحلة نجيب محفوظ الوظيفية على مدار 37 عاماً

رحلة نجيب محفوظ الوظيفية على مدار 37 عاماً

رغم رحلته الكبيرة وإنجازاته الرائدة في عالم الرواية التي توجته بأول أديب عربي يحصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988، تظل هناك جوانب كثيرة في رحلة نجيب محفوظ الأدبية لم يسلط عليها الضوء بشكل كاف، ويتيح اكتشافها مساحة أكبر من المعرفة لهذا الأديب الاستثنائي في تفاصيل رحلته الإنسانية التي أثرت في أدبه وتأثرت به.
عن هذه المساحة يجيء أحدث كتاب عنه «نجيب محفوظ بختم النسر»، الصادر ضمن إصدارات المركز القومي للسينما بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، ويرصد كاتبه طارق الطاهر رئيس تحرير صحيفة «أخبار الأدب» رحلة نجيب محفوظ الوظيفية التي شغلها على مدى 37 عاماً (من 1934 إلى 1971)، وتنقل فيها بين 3 أماكن، هي جامعة القاهرة التي تخرج منها، ووزارة الأوقاف التي بدت بعيدة عن تخصصه، ثم وزارة الإرشاد القومي التي تولى فيها عدة مناصب قيادية مهمة، منها مدير الرقابة، ثم مدير مؤسسة دعم السينما، ثم رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما.
وبالطبع، فإن أوراق محفوظ الوظيفية ليست مثل أي أوراق. وكما يذكر الكاتب، فقد حولها محفوظ إلى حياة تنطق بمسيرته، ونستطيع أن نرصد من خلالها مسيرته الاجتماعية، وأسفاره خارج مصر، بل تاريخ وطن بمؤسساته وشخصياته وتحولاته، وقد تضمن الكتاب كثيراً من الوثائق الخاصة بمحفوظ التي تعرض مجتمعة للمرة الأولى.
يتضمن الكتاب سبعة فصول عن رحلة أديب نوبل الوظيفية؛ يأتي الأول تحت عنوان «حياة في أوراق رسمية»، ليستعرض بداياته منذ مولده في 8 شارع بيت القاضي بمنطقة الجمالية بالقاهرة، في 11 ديسمبر (كانون الأول) 1911، لأب عمل موظفاً، هو عبد العزيز إبراهيم، وقد أطلق على مولوده اسم نجيب محفوظ اعترافاً بفضل طبيب النساء الشهير الذي يحمل الاسم نفسه، والذي استطاع إنقاذ المولود بعد عملية ولادة متعثرة. وقد عاش الطفل شبه وحيد؛ كان إخوته يكبرونه بسنوات، ومن هنا التصق بأمه. التحق محفوظ بمدرسة خليل أغا الابتدائية، وبعد انتقال أسرته للعباسية التحق بمدرسة الحسينية التي حصل منها على الشهادة الابتدائية عام 1925، ثم حصل بعدها بثلاث سنوات على شهادة التوجيهية، ولم يكتف بهذه الشهادة مثل أغلب زملائه بل واصل الدراسة عامين حتى حصل على شهادة البكالوريا في يونيو 1930. فقد كان الأب مهتماً بتعليم أبنائه حتى النهاية، وكانت غايته أن يلتحقوا بسلك القضاء أو الطب «لكن نجيب فضل كلية الآداب، وتحديداً قسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، ليحصل على الليسانس في يوليو 1934. وخلال دراسته للفلسفة، التحق بمعهد الموسيقى العربية، ليدرس الغناء والعزف على آلة القانون، لكنه لم يستمر في الدراسة سوى عام واحد، مفضلاً التفرغ للفلسفة.
لماذا تم فصله من الجامعة؟
بدأ محفوظ مشواره الوظيفي عام 1934، حينما سعى والده لتعيينه كاتباً بالجامعة المصرية، وتبدو السنوات الخمس التي قضاها موظفاً بالجامعة هادئة، فسجله الوظيفي يخلو من أي جزاءات، وتقاريره السرية تؤكد كفاءته، لكنها انتهت بفصله، وجاء قرار الفصل موقعاً من قبل السكرتير العام للجامعة، بتاريخ 13 فبراير (شباط) 1939، والسبب تعيينه مراجعاً بقسم الإدارة والمحفوظات بوزارة الأوقاف، وهي الوظيفة الثانية التي انتقل إليها كسكرتير برلماني للوزير، ومكث بها 17 عاماً، بعدما اختاره وزير الأوقاف حينذاك الشيخ مصطفى عبد القادر بنفسه. وخلال عمله في الأوقاف، كان على محفوظ أن يخفى هويته كمؤلف، بناء على نصيحة الكاتب كامل الكيلاني الذي سبقه للعمل بالوزارة، وأن يخفى انتماءاته السياسية الوفدية أيضاً.
ثم جاءت المحطة الثالثة في مشواره الوظيفي عام 1957، حينما انتقل للعمل بمصلحة الفنون بوزارة الإرشاد القومي (وزارة الثقافة)، التي تولى فيها عدة مناصب مهمة، منها مدير الرقابة. وكان قد اختاره للعمل معه الأديب يحيى حقي الذي عينه مديراً لمراقبة السينما والسيناريو. وفي الوقت نفسه، اتخذ محفوظ قراراً لافتاً بأن يتوقف عن كتابة السيناريو لأي من شركات السينما التي اعتادت أن يكتب لها قبل اختياره لهذا المنصب الجديد، حتى ينأى بنفسه عن أي شبهات.
وعن توليه هذا المنصب، وموقفه من الرقابة، قال محفوظ إن «الرقابة شر لا بد منه، وإن اختلاف درجات النضج بين الناس يستلزم الرقابة، بشرط أن تكون موجهة ناحية القيمة الفنية». وفي أول اجتماع له مع العاملين بجهاز الرقابة، أوضح لهم الأسلوب الجديد في تمرير الأعمال الفنية، مؤكداً أنها ليست قيداً على الفنان، وأن الأصل في الفن الإباحة، وأن المنع مثل الطلاق أبغض الحلال. وقد نجح محفوظ خلال رئاسته للرقابة في وقف كل أشكال الرشوة التي كانت سائدة قبله، ونجح في أن يقدم رؤية جديدة لمفهوم الرقابة، وانحاز بقوة شخصيته ونزاهته للفن الراقي، ولم يصدر قراراً إلا ما يرضى ضميره، وعبر للكاتب رجاء النقاش عن ذلك، قائلاً: كانت أسعد لحظات حياتي الوظيفية تلك الفترة التي قضيتها في الرقابة، رغم المضايقات الكثيرة التي تعرضت لها من هؤلاء الذين لا يؤمنون بأن الرقابة يمكن أن تكون نصيراً للفن، لقد اختلفت مع أصحاب هذه العقليات، وكانوا يتقدمون بالشكاوى ضدي إلى وزير الثقافة الذي كان يأمر بتشكيل لجنة لبحث الشكوى، كانت تنحاز في النهاية لوجهة نظري، وجاء إبعاده من الرقابة عقب نشر رواية «أولاد حارتنا» بصحيفة «الأهرام»، حيث شن د. حسن عباس، وزير الاقتصاد، حملة على د. ثروت عكاشة، قائلاً إنه أسند الرقابة لرجل متهم في عقيدته الدينية.
وجاءت رئاسة محفوظ لمؤسسة السينما بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت هي المحطة الأخيرة في مشواره الوظيفي التي قال عنها: «بقيت عامين في هذا المنصب لم أفتح كتاباً، ولم أكتب كلمة، وعشت في اكتئاب عام؛ كانت السينما مفلسة ولا توجد سيولة، وكان الممثلون يأتون إلى مكتبي ويهددون بإلقاء أنفسهم من النافذة بسبب البطالة، وكنا نعمل في أجواء من الاتهامات والتشكيك، وهي الفترة التي وقعت فيها هزيمة يونيو 67. وطلب محفوظ إبعاده، ليتم تعيينه مستشاراً لوزير الثقافة حتى خرج للمعاش عام 1971.
ورغم كل ذلك، فإن شهادة وزير الثقافة د. ثروت عكاشة عن فترة عمله بالوزارة جاءت منصفة تماماً لمحفوظ، إذ أكد أن «رفقة محفوظ كانت ممتعة مثمرة، بحكمته البالغة وإدراكه العميق للمشاكل، مما خفف عنى كثيراً من أعباء تلك الفترة المضنية». وعن خلاصة ما جناه من رحلته الوظيفية، قال محفوظ للروائي جمال الغيطاني: «أعطتني حياتي في الوظيفة مادة إنسانية عظيمة، وأمدتني بنماذج بشرية أثرت في كتاباتي، لكنها استحوذت على نصف يومي على مدى 37 عاماً، وفي هذا ظلم كبير، إذ من المستحيل أن يتفرغ الأديب لإبداعه في مصر. ولو كنا مثل أوروبا، وصدر لي كتاب متميز، لتغيرت حياتي وتفرغت للأدب، فإن كل أديب صادق يتمنى أن يتفرغ للكتابة. ورغم ذلك، فقد دفعتني الوظيفة لأستغل كل دقيقة في حياتي بطريقة منظمة، وهذا أثر إيجابي آخر أحفظه لها».


مقالات ذات صلة

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)
ثقافة وفنون «حجر النرد»... حاكماً على التاريخ في الرواية

«حجر النرد»... حاكماً على التاريخ في الرواية

قد يفاجأ القارئ الاعتيادي الذي يقرأ هذا النص السردي الموسوم بـ«وجوه من حجر النرد»، الصادر عام 2024، كونه لا يمت بصلة لفن الرواية الحديثة

فاضل ثامر
ثقافة وفنون أبطال في قبضة واقع مأساوي وأحلام كابوسية

أبطال في قبضة واقع مأساوي وأحلام كابوسية

في مجموعته القصصية «العاقرات يُنجبن أحياناً»، يُجري الكاتب المصري أحمد إيمان زكريا مفاوضات ضمنية بين المُمكن والمستحيل بما يُشبه لعبة الشدّ والجذب

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون «ذهب أجسادهن»... قصائد ترصد العالم من منظور أنثوي شفيف

«ذهب أجسادهن»... قصائد ترصد العالم من منظور أنثوي شفيف

في ديوانها الرابع «ذهبُ أجسادهن» الصادر عن دار «كتب» ببيروت، تسعى الشاعرة المغربية عائشة بلحاج إلى رصد العالم من منظور أنثوي شفيف

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أجمل ما يحدُث هو غير المُتوقَّع (مواقع التواصل)

من «لم أَبِع كتاباً» إلى «الأكثر مبيعاً»

أكّدت كاتبة بريطانية طموحة أنّ رؤية روايتها تُصبح من أكثر الكتب مبيعاً بعدما انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان ذلك أمراً «مثيراً جداً».

«الشرق الأوسط» (لندن)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.