الدولومايت... هناءة العيش بين سحر الطبيعة وعراقة التقاليد

ما بين جبال مهيبة... أبراج صخرية مسنّنة كالرماح... ووديان ومغاور عميقة ومروج خصبة

الدراجات الهوائية من وسائل اكتشاف جمال المنطقة
الدراجات الهوائية من وسائل اكتشاف جمال المنطقة
TT

الدولومايت... هناءة العيش بين سحر الطبيعة وعراقة التقاليد

الدراجات الهوائية من وسائل اكتشاف جمال المنطقة
الدراجات الهوائية من وسائل اكتشاف جمال المنطقة

يروى أن المهندس المعماري السويسري الشهير «لوكوربوزييه»، مؤسس المدرسة التناسقية التي شكّلت تصاميمها الرائدة منعطفاً أساسياً في تاريخ الفنون المعمارية، قال عندما وقع نظره للمرة الأولى على هذه المناظر الخلّابة: «إنها الهندسة الطبيعية الأكثر كمالاً في العالم».
«الدولومايت»، التي يُشتقّ اسمها من العالم الفرنسي الذي كان أول من كشف عن طبيعة تكوينها الجيولوجي، هي سلسلة من الجبال الشاهقة والمسنّنة التي تمتدّ على خمسة أقاليم في أقصى الشمال الإيطالي. تتجاوز 18 من قممها الثلاثة آلاف متر، تنداح عند سفوحها وديان خضراء تضجّ بمئات الأجناس من النباتات والحيوانات الفريدة وتنتثر بينها عشرات القرى الساحرة التي تكلّم سكّانها أربع لغات مختلفة.
هنا يحتار الزائر من أين يبدأ رحلته وعلى ماذا يركّز اهتمامه: الوهاد العذراء في منطقة «آديجي» العليا، أو الدساكر الجميلة في إقليم «فينيتو» أو الطبيعة الخلّابة حول «فريول جوليا». لكل من هذه المناطق الثلاث أسلوبها المعماري الخاص وتراثها المميّز في الطهو، وهي على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي لجمال طبيعتها ومواصفاتها الجيولوجية الفريدة.
مدينة «ترينتو» هي مستهلّ جولتنا في هذه الأقاليم التي تبدو طالعة من ديكور مسرحي أو سينمائي، وأول ما يستوقف الواصل إليها هو القصر المنيف المشرف عليها من هضبة عالية ويختزن بين جدرانه مجموعة نفيسة من الكنوز والروائع الفنيّة. جبال صخرية عالية تحيط بالمدينة كالسوار بالمعصم، وتضفي عليها مسحة خياليّة كأنها من خارج العالم. لكن رغم ذلك، لم تقع «ترينتو» كغيرها من المدن الإيطالية ضحية سحرها وجمالها، وهي نادراً ما تكون مكتظة بالسيّاح والزوّار، علما بأن تراثها التاريخي والفنّي يؤهلها لذلك. فهي كانت، على العهد الروماني، مركزاً عسكرياً مهماً بحكم موقعها الاستراتيجي كبوابة نحو جبال الألب، ثم أصبحت عاصمة الدوقيّة التي تحمل نفس الاسم وفيها عقدت الكنيسة الكاثوليكية مجمعها الشهير أواسط القرن السادس عشر، حيث وضعت أسس المواجهة مع الحركة الإصلاحية التي تعرف اليوم بالإنجيلية.
وما زالت ترينتو تحتفظ بعدد كبير من مبانيها الأصلية التي يعود بعضها إلى القرن الثاني عشر وتتمازج فيها أنماط معمارية متنوعة، تتوسطها ساحة محاطة بقناطر حجرية قديمة تنتشر تحتها المقاهي التي تدور فيها حركة لا تهدأ حتى ساعة متأخرة من الليل. وعند إحدى زوايا الساحة يقوم قصر الحاكم القديم وبرجه العالي من القرن الحادي عشر، تحيط به مجموعة من المباني الواطئة المرصوصة وراء جدران تتعاقب على حفافها تماثيل رخاميّة صغيرة تروي حكاية الحِرَف التي برع فيها سكّان المدينة عبر التاريخ وتوارثها أحفادهم إلى اليوم. لكن اللوحة الأجمل هي التي يراها الناظر من شرفة القصر المطل على المدينة، والذي كان نقطة المراقبة الرئيسية للطريق التي تربط ألمانيا بالشمال الإيطالي طوال قرون كثيرة.
من هناك ننطلق على خاصرة الجبل نحو «برينتا» ودروبها المتعرّجة التي تزنّر المرتفعات الصخرية الشاهقة، والتي كان يستخدمها الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية وأصبحت اليوم مساراً سياحياً للتمتّع بالمناظر الطبيعية الخلّابة التي يقصدها الرحّالة من كل الأنحاء. و«برينتا» هي العتبة التي يحسن الدخول منها إلى «بولزانو» الجميلة التي يقال إنها أقرب المطارح إلى الجنّة. منازل حجرية أنيقة وقصور من العصور الوسطى توارثها أبناء الأسر النبيلة وحافظوا على أصالتها ورونقها عبر العصور، وشوارع مرصوفة ونظيفة، ومرافق عامة راقية جعلت من هذه المدينة الأولى في إيطاليا من حيث مستوى الرفاه والخدمات الاجتماعية.
الوسط التاريخي في «بولزانو» يجمع بين أضلاعه الخمسة كل سحر منطقة «التيرول» التي كانت مصيف الأرستقراطيين إبّان حكم عائلة «هابسبورغ» على الإمبراطورية النمساوية المجرية، ويختزن مواقع أخّاذة مثل ساحة «والتر» التي كانت مسرحاً لتصوير أفلام عالمية، وشارع «بورتيتشي»، إضافة إلى تراث ثقافي فريد يبرز فيه متحف الآثار الذي يضمّ مومياء الثلج الشهيرة «أوتزي»، وقصر «فيرميانو» الذي يضمّ ستة متاحف متنوّعة ومجموعة نفيسة من الفن المعاصر.
أولئك الذين يبحثون عن سحر الطبيعة في أبهى تجلّياته سيجدونه على مقربة من «بولزانو» في وادي «فونيس» حيث أوّل ما يقع عليه نظر الهابط إليه من علياء المدينة هو كوخ خشبي في وسط مروج خضراء تبدو وكأنها تمتدّ بلا نهاية إلى أن تصل عند أقدام جبال «أودليه» الصخرية التي ترتفع شامخة في شكل عمودي نحو السماء. هنا، كما تذكّر لوحة عند سفح جبل «المجدليّة»، وُلِد وترعرع متسلّق الجبال الشهير راينهولد ميسنير الذي في عام 1978 وكان أوّل من تسلّق قمم الهملايا الأربع عشرة التي يزيد علّوها على 8 آلاف متر وصعد إلى قمّة إيفرست من غير أكسجين إضافي.
من المحطات الواجبة في تجوالنا على روائع «الدولومايت» الطبيعية معبر «غاردينا» الذي يطلّ من علو يتجاوز ألفي متر على جبال «أودليه» من جهة، ومن جهة ثانية على القمّة الصخرية الشهيرة المعروفة باسم «الأصابع الخمس» المشرفة على وادي «إيساكرو» الذي يضمّ عشرات الأجناس النباتيّة النادرة التي لا تنمو إلا في هذه المنطقة، لنقاء تربتها وصفاء مياهها. كل ما يحيط بنا في اجتيازنا هذا المعبر من منحدرات ومروج وغيوم، يبدو كأنه وُضِع خصيصاً بيد رسّام في لوحة طبيعية ساحرة.
بعد استراحة قصيرة في أي من الفنادق العائلية الصغيرة المنتشرة بين تلك الوهاد نتوجّه نحو «كورتينا دامبيزو» التي تشبه مسرحاً إغريقياً بديع الهندسة، تحيط به جدران عالية من الصخور الفضّية ترتفع وراءها هضاب متدرّجة تكسوها غابات خضر كثيفة تمتد في نهايتها بطاح عشبيّة تسرح فيها قطعان من الأبقار والأغنام الهانئة في هدأة طبيعة تبدو كأن الإنسان لم يطأها أبدا. ويخبرك المسنّون هنا أن هذه الأراضي كانت تابعة لجمهورية البندقيّة المهيبة حتى مطالع القرن السادس عشر، ثم خضعت للإمبراطورية النمساوية المجرية طوال ثلاثة قرون قبل أن تستعيدها إيطاليا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وكورتينا هي مقصد المتأنقين بين زوّار هذه المنطقة التي يستحوذ جمالها الطبيعي على المشاعر. هي قطعة من النمسا مزروعة في أعالي أحد أجمل المواقع الإيطالية، أرستقراطية في نمط حياتها وكوزموبوليّة في روّادها الذين يقصدونها بعشرات الآلاف خلال موسم التزلّج من كل أنحاء أوروبا، ويقصدها عشّاق الموسيقى البارّوكية لحضور مهرجانها العالمي الشهير أواسط الربيع من كل عام، ثم يعودون في الصيف لاستكشاف جمال طبيعتها المبهر.
«الدولومايت» معزوفة من الجبال الشاهقة والمهيبة، والأبراج الصخرية المسنّنة كالرماح، أو المائلة كأجنحة ضخمة، تبرز بينها مجموعة تعرف بقمم «لافاريدو» الثلاث كأنها أصابع حجرية مصفوفة في شكل عمودي أصبح رمزاً لمتسلّقي الجبال الصعبة في العالم. آلاف من السياح والمتسلّقين يؤمّونها بانتظام كل عام، بعضهم لمحاولة الوصول إلى قمتها العليا في الوسط التي بلغها أوّل المتسلّقين في العام 1869، وآخرون للوقوف مشدوهين أمام جمالها المغناطيسي.
بعد هذه الوجبة من البدائع الطبيعية ننتقل إلى بلدة «فلتري» الأنيقة التي يزخر وسطها التاريخي بقصور منيفة من القرن السادس عشر، وبيوت أرستقراطية تشهد على رقي هذه البلدة التي تضمّ أيضا عددا من المتاحف الجميلة، أشهرها متحف الفن الحديث «كارلو ريتزاردا» المخصص لهذا الفنّان المحلّي من أواخر القرن التاسع عشر، والذي يعرض مجموعة رائعة من الأعمال الحديدية التي اشتهر بها. ومن العلامات الفارقة في هذه البلدة الرسوم الجدارية التي تزيّن الكثير من مبانيها القديمة وتضفي عليها طابعاً فنيّاً وتاريخيّاً.
وراء «فلتري» ترتفع باسقة سلسلة أخرى من الجبال وسط مشاهد طبيعية تحبس الأنفاس. أنها «دولومايت بلّونو» التي كانت كتلة ضخمة من الجليد منذ ملايين السنين، تحوّلت مع مرور الزمن إلى مرتفعات صخرية ومغاور عميقة ومروج خصبة توالى الإنسان على العيش فيها واستغلال خيراتها، وحيث تقوم اليوم حظائر تُربّى فيها أغنام تنتج أنواعاً فاخرة من الأجبان.
وعند طرف هذه السلسلة ترتفع «صخرة الحجر»، وهي قمّة مسنّنة يزيد علوّها على ثلاثة آلاف متر ويعتبرها المتسلّقون رمزاً لهم وتميمة يتباهون بالوصول إليها، نظراً لوعورتها وصعوبة مسالكها الحجرية التي تسببت في الكثير من الحوادث المميتة للمغامرين الذين كانوا يجازفون لتسلّقها.
طوال سنوات قاوم سكّان الأقاليم المحيطة بالدولومايت الكثير من المشاريع التي كانت تهدف إلى تنمية القطاع السياحي وإقامة بنى تحتية حديثة ومرافق ترفيهية وبناء فنادق ومنتجعات كبيرة، وحرصوا على عدم تشويه تراثهم الطبيعي والمعماري، وحافظوا على أصالة طرائق عيشهم بعيداً عن التأثيرات الخارجية التي كانت لها آثار مدمّرة في الكثير من المناطق والمدن السياحية الأخرى في إيطاليا. وساعد موقع هذه الأقاليم وطبيعتها الجغرافية على عدم تدفق السيّاح إليها بأعداد تخرج عن السيطرة والتحكّم بمؤثراتها على طابع الحياة المحلية، كما أن عدم وجود مطارات تجارية في محيطها كان له أثر كبير في عدم اكتظاظها.
ومنذ تسعينات القرن الماضي اعتمدت مدارس الأقاليم في مناهجها التعليمية برنامجاً إلزاميّاً لكل الطلاب يهدف إلى التوعية بأهمية التراث الطبيعي والتاريخي، وسبل صونه والتعريف به والحفاظ على ديمومته. كما استحدثت السلطات الإقليمية برنامجاً للجوائز السنوية، تُمنح للهيئات والأفراد الذين يتميّزون بالحفاظ على التراث ويقومون بمبادرات لحمايته من التأثيرات الخارجية. وتقوم وزارة السياحة الإيطالية حاليا، بالتعاون مع منظمة السياحة العالمية ومنظمة اليونيسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بإنشاء معهد عالمي لبحوث التراث الطبيعي في مدينة «ترونتو»، ينتظر أن يباشر نشاطه في العام الدراسي المقبل.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
TT

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد»، إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست»، يحتوي متحف بريطاني يعرض حيثيات أشهر الجرائم الأكثر إثارة للرعب على بعض من أكثر القطع الأثرية إزعاجاً والتي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتشعرك بأحلك اللحظات في التاريخ.

ويعتبر «متحف الجريمة» (المتحف الأسود سابقاً) عبارة عن مجموعة من التذكارات المناطة بالجرائم المحفوظة في (نيو سكوتلاند يارد)، المقر الرئيسي لشرطة العاصمة في لندن، بإنجلترا.

مقتنيات استحوذ عليها المتحف من المزادات والتبرعات (متحف الجريمة)

وكان المتحف معروفاً باسم «المتحف الأسود» حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، وقد ظهر المتحف إلى حيز الوجود في سكوتلاند يارد في عام 1874. نتيجة لحفظ ممتلكات السجناء التي تم جمعها بعد إقرار قانون المصادرة لعام 1870 وكان المقصود منه مساعدة عناصر الشرطة في دراستهم للجريمة والمجرمين. كما كان المتحف في البداية غير رسمي، لكنه أصبح متحفاً رسمياً خاصاً بحلول عام 1875. لم يكن مفتوحاً أمام الزوار والعموم، واقتصر استخدامه كأداة تعليمية لمجندي الشرطة، ولم يكن متاحاً الوصول إليه إلا من قبل المشاركين في المسائل القانونية وأفراد العائلة المالكة وغيرهم من كبار الشخصيات، حسب موقع المتحف.

جانب من القاعة التي تعرض فيها أدوات القتل الحقيقية (متحف الجريمة)

ويعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة معروضة، كل منها في درجة حرارة ثابتة تبلغ 17 درجة مئوية. وتشمل هذه المجموعات التاريخية والمصنوعات اليدوية الحديثة، بما في ذلك مجموعة كبيرة من الأسلحة (بعضها علني، وبعضها مخفي، وجميعها استخدمت في جرائم القتل أو الاعتداءات الخطيرة في لندن)، وبنادق على شكل مظلات والعديد من السيوف والعصي.

مبنى سكوتلاند يارد في لندن (متحف الجريمة)

يحتوي المتحف أيضاً على مجموعة مختارة من المشانق بما في ذلك تلك المستخدمة لتنفيذ آخر عملية إعدام على الإطلاق في المملكة المتحدة، وأقنعة الموت المصنوعة للمجرمين الذين تم إعدامهم في سجن «نيوغيت» وتم الحصول عليها في عام 1902 عند إغلاق السجن.

وهناك أيضاً معروضات من الحالات الشهيرة التي تتضمن متعلقات تشارلي بيس ورسائل يُزعم أن جاك السفاح كتبها، رغم أن رسالة من الجحيم سيئة السمعة ليست جزءاً من المجموعة. وفي الداخل، يمكن للزوار رؤية الحمام الذي استخدمه القاتل المأجور جون تشايلدز لتمزيق أوصال ضحاياه، وجمجمة القاتل والمغتصب «لويس ليفيفر»، والحبل الذي استخدم لشنق المجرمين. وقال جويل غريغز مدير المتحف لـ«الشرق الأوسط» إن المتحف هو بمثابة واقع وجزء من التاريخ، مضيفاً: «لا أعتقد أنه يمكنك التغاضي عن الأمر والتظاهر بأن مثل هذه الأشياء لا تحدث. هناك أشخاص سيئون للغاية».

وقال جويل إنه لا يريد الاستخفاف بالرعب، وقال إنهم حاولوا تقديم المعروضات بطريقة لطيفة، وأضاف: «عندما أنظر إلى مجلات الجريمة في المحلات التجارية، فإنها تبدو مثل مجلات المسلسلات ومجلات المشاهير، لذلك يُنظر إليها على أنها نوع من الترفيه بطريقة مماثلة».

وتُعرض البراميل الحمضية الأسيدية المستخدمة من قبل جون جورج هاي، والمعروف باسم قاتل الحمامات الحمضية، في كهف خافت الإضاءة. وهو قاتل إنجليزي أدين بقتل 6 أشخاص، رغم أنه ادعى أنه قتل 9. وفي مكان آخر، يمكن للزوار مشاهدة رسائل حب كان قد أرسلها القاتل الأميركي ريتشارد راميريز إلى مؤلفة بريطانية تدعى ريكي توماس، وكان يعرف راميريز باسم «المطارد الليلي»، لسكان كاليفورنيا بين عامي 1984 و1985 وأدين بـ13 جريمة قتل وسلسلة من اقتحام المنازل والتشويه والاغتصاب. وكشفت ريكي، التي كتبت عدداً من الكتب الأكثر مبيعاً عن القتلة المحترفين، أنها اتصلت بالقاتل في مرحلة صعبة من حياتها وشعرت بجاذبية جسدية قوية ناحيته. ووصفت رسالتها الأولى إلى راميريز بأنها «لحظة جنون». وقالت في حديثها إلى صحيفة «سوسكس بريس» المحلية: «كان رجلاً جيد المظهر، لكنني لم أشعر قط بأنني واحدة من معجباته». وقررت المؤلفة التبرع بالرسائل للمتحف عام 2017 لإعطاء فكرة عن عقلية الوحش.

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يعرض متحف الجريمة أيضاً السراويل البيضاء التي كانت ترتديها القاتلة روز ويست، والتي تم شراؤها بمبلغ 2500 جنيه إسترليني في المزاد. وحصل على تلك السراويل ضابط سجن سابق كان يعمل في برونزفيلد، حيث سجنت ويست لمدة 4 سنوات حتى عام 2008. وقامت روزماري ويست وزوجها فريد بتعذيب وقتل ما لا يقل عن 10 فتيات بريطانيات بين عامي 1967 و1987 في غلوسترشير. واتهم فريد بارتكاب 12 جريمة قتل، لكنه انتحر في السجن عام 1995 عن عمر 53 عاماً قبل محاكمته. وقد أدينت روز بارتكاب 10 جرائم قتل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 وهي تقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة.

يعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة (متحف الجريمة)

تم التبرع بمعظم القطع الأثرية للمتحف، وقام أيضاً جويل بشراء الكثير منها في مزادات علنية.

في مكان آخر في المتحف المخيف يمكن للزوار رؤية السرير الحقيقي للموت بالحقنة القاتلة والقراءة عن الضحايا والمشتبه بهم الذين لهم صلة بجاك السفاح بين عامي 1878 إلى 1898.

الأسلحة التي استخدمت في الجريمة (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يضم المتحف قفازات الملاكمة التي تحمل توقيع رونالد وريجينالد كراي، والمعروفين أيضاً باسم «التوأم كراي». كان روني وريجي المخيفان يديران الجريمة المنظمة في منطقة إيست إند في لندن خلال الخمسينات والستينات قبل أن يسجن كل منهما على حدة في عام 1969 ثم انتقل كلاهما إلى سجن باركهرست شديد الحراسة في أوائل السبعينات. وتوفي روني في نهاية المطاف في برودمور عام 1995، عن عمر 62 عاماً. في أغسطس (آب) 2000. تم تشخيص ريجي بسرطان المثانة غير القابل للجراحة، وتوفي عن 66 عاماً بعد وقت قصير من الإفراج عنه من السجن لأسباب إنسانية.