تعديلات قانون الانتخاب اللبناني على نار هادئة مع الاحتفاظ بـ«النسبية»

TT

تعديلات قانون الانتخاب اللبناني على نار هادئة مع الاحتفاظ بـ«النسبية»

وضعت تعديلات قانون الانتخابات في لبنان على نار هادئة، من خلال اقتراح القانون الجديد الذي أعدته كتلة «التحرير والتنمية» برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وتتجه لمناقشته مع الكتل النيابية الأخرى، علما بأنها المرّة الأولى التي يجري فيها تسويق قانون جديد للانتخابات في السنة الأولى من ولاية البرلمان، بخلاف المرّات السابقة، حيث كانت مشاريع واقتراحات القوانين تقدّم في الأشهر الأخيرة من عمر المجلس النيابي، وهو ما يؤدي غالباً إلى ولادة قوانين هجينة، أو تأجيل الاستحقاق الانتخابي.
ويشمل الاقتراح الجديد، «سدّ الثغرات التي تعتري قانون النسبية الحالي»، الذي أجريت على أساسه الانتخابات في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، لكنه يرتكز على قاعدة أساسية، لاقت في السابق اعتراض كتل نيابية أخرى، وهي اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة. ورأى عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب أيوب حميّد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أهمية هذا الاقتراح أنه يقدّم في وقت مبكر وليس في نهاية ولاية المجلس». وقال: «لقد أعددنا هذا الاقتراح بعد ظهور شوائب كبيرة شوّهت القانون الحالي، الذي يكاد يخلو من الإيجابية باستثناء اعتماده النظام النسبي». وأشار إلى أن القانون الحالي «تشوبه عيوب كثيرة، أهمها الصوت التفضيلي وعدم اعتماد معيار المساواة بين الدوائر الانتخابية».
وأثار وفد من كتلة «التحرير والتنمية» (حركة أمل) هذا الاقتراح مع رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل، خلال زيارته في وزارة الخارجية، لكنّ هذا الأمر لم يطرحه باسيل للبحث أمام كتلته، واعتبر عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن التكتل «مصمم على إصلاح الثغرات التي يتضمنها القانون الحالي، مع التمسّك بالنسبية التي أحدثت تغييراً على مستوى التمثيل المسيحي». وأكد أنه «لولا القانون النسبي لما تمكنّا من خرق أحادية (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي) وليد جنبلاط في دائرة الشوف (جبل لبنان)».
ويتضمّن الاقتراح الجديد إصلاحات مهمّة وفق تقدير النائب أيوب حميّد، الذي أوضح أنه «يركز على النسبية الكاملة مع اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وفق لوائح مقفلة أو شبه مقفلة، وأن تجري الانتخابات في يوم واحد»، مشيراً إلى أن «أهم الإيجابيات في مشروع القانون، أنه يبعد التطرّف وخطاب العصبية والمناطقية، ويصبح اللبنانيون بحاجة إلى بعضهم البعض»، مؤكداً أن «اعتماد لبنان دائرة واحدة لا يلغي أحدا، وكلّ لائحة تصل إلى العتبة الانتخابية، أو الحاصل الانتخابي تتمثل بحسب حجمها، بما يسمح بمشاركة القوى السياسية والحزبية وإن بنسب متفاوتة».
لكنّ الثغرات اللوجيستية والتقنية تشكل أولوية يفترض معالجتها برأي التيار الوطني الحرّ، وأوضح النائب ماريو عون أن «أهم الثغرات التي يطالب التكتل بمعالجتها، هي اعتماد البطاقة الممغنطة، بحيث ينتخب المواطن إلكترونياً ومن مكان إقامته». أما عن طرح نواب «أمل» باعتماد لبنان دائرة واحدة، فردّ عون: «هذا كان طرحنا في السابق، ولا مانع من اعتماد لبنان دائرة واحدة، لكن الأمر يحتاج إلى نقاش وحوار مع الكتل الأخرى، ونحن منفتحون على كلّ الطروحات».
ويولي اقتراح «التحرير والتنمية» أهمية لهيئة الإشراف على الانتخابات، ولفت النائب حميّد إلى أن اقتراح كتلته «يعطي صلاحية واسعة للهيئة، بحيث تتمتع باستقلالية تامة، وتكون كل الإدارات بتصرّفها». وتحدث عن تواصل مع كل الكتل النيابية التي تثني على إطلاق المبادرة في هذا الوقت. وتوقّع أن «يكون للقوى السياسية بعض الملاحظات على الاقتراح، وكلّ الأفكار ستناقش من أجل الوصول إلى قانون انتخابي عادل».
واعتبر وزير الداخلية الأسبق مروان شربل، أن «القانون الحالي كلّه عيوب ويجب تغييره بشكل جذري». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «القانون الجديد يجب أن يبدأ بإعطاء هيئة الإشراف على الانتخابات الصلاحية الكاملة لإدارتها والإشراف عليها بدل وزارة الداخلية، وباعتماد المساواة بعدد الناخبين والنواب في كلّ الدوائر الانتخابية». ودعا إلى «اعتماد صوتين تفضيليين للناخب بدل الصوت الواحد في اللائحة، وأن يفرض اللائحة الكاملة».
ولاحظ شربل خللاً كبيراً في الفرز الطائفي ببعض الدوائر، ورأى أنه «من غير الجائز أن تقتصر دوائر مثل الأشرفية (بيروت) والكورة وزغرتا (الشمال) على مرشحين مسيحيين فقط، بحيث إن هذه الدوائر فيها آلاف الناخبين السنة، ما يؤدي إلى انكفاء الناخب السنّي عن الانتخابات». وسلّط الضوء على الإنفاق الانتخابي المرتفع. وعبر شربل عن أسفه أنه «من لا يملك الأموال الطائلة لا يترشّح للانتخابات»، لافتاً إلى أن «من ينفق 100 ألف دولار، لا يستطيع أن ينافس متموّلاً ينفق ملايين الدولارات في حملته الانتخابية»، داعياً إلى أن «يحظر القانون الجديد ترشّح أي وزير في الحكومة للسباق الانتخابي».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.