إيران و40 عاماً من دعم الإرهاب

شنت هجمات ضد كل من يخالف مصالحها

عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)
عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)
TT

إيران و40 عاماً من دعم الإرهاب

عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)
عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)

يظهر جلياً تصعيد إيران وحرسها الثوري التهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط من خلال تجييش ميليشيات الحوثيين في اليمن ودفعها لشن هجمات استهدفت السعودية من خلال إطلاق صواريخ باليستية والهجوم بطائرات مفخخة دون طيارين. وكذلك تعرض أربع سفن تجارية لعمليات تخريبية في ميناء الفجيرة الإماراتي، وتخريب ناقلات نفط جهة السواحل الإماراتية والهجوم على محطتي ضخ تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية.
ما يؤكد التورط الإيراني أن كل ذلك حدث في ظل احتدام التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران واحتمال حدوث مواجهة عسكرية، أيضاً من إعادة انتشار القوات الأميركية في مياه الخليج العربي من أجل ردع إيران عن أي تهديد محتمل في المنطقة. هذا يؤكد ممارسة إيران الضغط على الميليشيات المتطرفة من أجل شن هجمات ضد من يخالف مصالحها، والتوقيت وحده يدل على رسالة واضحة من إيران على قدرتها على التحكم في ميليشيا الحوثي. إنه لا يدل إلا على الإرهاب الذي تمارسه إيران في المنطقة.

على الرغم من عدم وجود تعريف متعارف عليه عالمياً يوضح معنى «إرهاب الدولة»، فإنه غالباً ما يتصف بالاستخدام المنتظم للعنف لخلق مناخ عام من الخوف لدى السكان من أجل تحقيق هدف سياسي معين. كذلك هو توظيف دولة للإرهاب أو دعم التنظيمات الإرهابية كجزء من سياستها الدولية ضد دول أو جماعات أخرى، سواء كان ذلك من خلال هجمات بشكل مباشر أو عبر الجماعات الإرهابية حيث يتم دعمها بالأسلحة، والدعم المادي واللوجيستي مثل التدريب أو حتى الإيواء.
ويشكل إرهاب إيران تهديداً فعلياً سواء للأمن القومي أو الإقليمي، وهو ما يتجلى في الإرهاب الذي تمارسه إيران في المنطقة، لا سيما في ظل دعمها للقلاقل والاضطرابات من خلال مدّ التنظيمات والميليشيات المتطرفة بالدعم اللوجيستي والاستراتيجي سواء كان عبر الأسلحة أو التدريب أو حتى إيواء المتطرفين. والاعتراف الدولي بذلك ليس بالأمر الجديد، حيث إن الولايات المتحدة قد وضعت إيران ضمن الدول الداعمة للإرهاب منذ عام 1984.

إيران والحوثيون
لقد قدم الحرس الثوري الدعم المالي والمادي والتدريب ونقل التكنولوجيا والأسلحة والصواريخ إلى عدد من التنظيمات الإرهابية من ضمنها الميليشيات الحوثية ما مكّنها من إطلاق ما يزيد على 225 صاروخاً باليستياً وما يزيد على 145 طائرة مسيّرة على منشآت حكومية سعودية استهدفت عدة مدن من ضمنها العاصمة الرياض بل وبعضها كان موجهاً إلى العاصمة المقدسة مكة المكرمة. وأشار المتحدث باسم التحالف العربي العقيد الركن تركي المالكي، إلى أن فحص بقايا الطائرات المسيّرة يثبت تزويد الحرس الثوري الإيراني للحوثيين بهذه القدرات. كما أكد السفير الأميركي جوناثان كوهين، في مجلس الأمن، أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أنه منذ أن بدأت الحرب في اليمن وفرض مجلس الأمن حظراً على توريد السلاح فإن الحوثيين استخدموا أسلحة أكثر تقدماً لتهديد جيران اليمن».
كما أكد السفير كوهين: «لم يطور الحوثيون صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة بأنفسهم». من جهته، أشار السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر، إلى أن إيران تستخدم ميليشيا الحوثي كـ«دمية لا تملك من أمرها شيئاً»، كما وصف مماطلة الانقلابيين في تنفيذ اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة والأسرى بأنها جاءت نتيجة لتوجيهات من إيران وعناصر الحرس الثوري و«حزب الله» المتحكمين بميليشياتهم.
40 عاماً من الإرهاب

عانت دول المنطقة من تعنت النظام الإيراني في أعقاب الثورة الخمينية عام 1979، وبدأ آنذاك تصعيد التوتر ما بين النظام الإيراني والولايات المتحدة من خلال احتجاز الرهائن الأميركيين، كذلك بدأت سياسة تصدير الثورة ودعم الإرهاب سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مثل ما حدث من هجوم على السفارة الأميركية في بيروت عام 1983 من خلال «حزب الله»، وقد ظهر تورط إيران بدعم ذلك، واقتحام سفارة السعودية في طهران عام 1987، والهجوم على السفارة السعودية في طهران عام 2016، أيضاً تورطت إيران في عمليات إرهابية مثل ما حدث من استغلال لموسمي الحج لعامي 1986 و1987 بإرسال متفجرات مع الحجاج وتحريض حجاجها على القيام بأعمال شغب في موسم الحج، وحادثة تفجير أبراج الخبر عام 1996 وتفجيرات الرياض في عام 2003.
وقد وضعت إيران نفسها في عزلة دفعتها إلى شيطنة العالم من حولها، إذ تم وصفها في عام 2002 من قِبل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ضمن محور الشر الشهير آنذاك، أضف إلى ذلك التوتر مع دول أوروبا وأميركا فيما يخص الملف النووي الإيراني بعد كشف «مجاهدي خلق» عن وجود برنامج نووي إيراني سرّي في عام 2002. شيطنة العالم دفعت بمجلس الأمن الأعلى في إيران لأن يصنف القوات الأميركية «منظمة إرهابية» رداً على تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ليس بأمر مستغرب، حيث إن الحرس الثوري تزايد تدخله في شؤون الدول الأخرى من خلال حرب الوكالات ودعم الميليشيات المتطرفة.
طهران ملاذ آمن لقيادات «القاعدة»
على الرغم من مبدأ تصدير إيران للثورة ودعمها للتنظيمات الشيعية فإنه يُظهر ميل إيران إلى البراغماتية والبحث عما يخدم مصالحها من خلال اتفاقها الضمني مع تنظيم «القاعدة» على الرغم من التباين الجليّ في التوجهات ووجود فروقات آيديولوجية كبيرة. هذا دفع بإيران إلى إيواء عدد من قياديي تنظيم «القاعدة»، ومن جهته يظهر أن التنظيم قد حذر من الهجوم على إيران.
وقد كشفت الوثائق التي أفصحت عنها وكالة الاستخبارات الأميركية في مدينة أبوت آباد بباكستان في عام 2011 عن مراسلات ما بين أسامة بن لادن و«الأخ توفيق»، حث فيها ابن لادن على عدم فتح جبهة ضد إيران وحماية المراقد الشيعية في العراق وعدم استهدافها. أيضاً تضمنت الرسائل وصف ابن لادن لإيران بأنها ممر «آمن للرسائل والأموال والأسرى». وفي رسالة أخرى من زعيم «القاعدة» السابق ابن لادن إلى «الشيخ سعيد»، وهو مصطفى أبو اليزيد قائد «القاعدة» في أفغانستان آنذاك، أكد في الرسالة أن «المصلحة في هذه المرحلة تقتضي ألا ندخل في حرب عسكرية مع إيران لما في ذلك من تشتيت للجهد الوحيد الموجه إلى رأس الكفر أميركا». كما بيّنت رسائل أسامة بن لادن لزوجته السيدة خيرية صابر تحذيره فيها رفاقه وأنصاره من الهجوم على إيران وقد وصفها بأنها «الشريان الرئيسي للأموال والموظفين والاتصالات». من جانبه حذر أيمن الظواهري أبا مصعب الزرقاوي في رسالة تعود لعام 2005 من مواجهة إيران والشيعة في العراق، وأشار إلى ضرورة تجنب ذلك.
لقد قدمت إيران لتنظيم «القاعدة» مساعدات تتضح من خلال هروب وإقامة عدد من أعضاء تنظيم «القاعدة» في إيران وإيوائها لهم، أبرزهم سيف العدل وهو ثالث شخص قيادي في التنظيم أسهم في تفجيرات سفارتَي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، وأقام معسكرات تدريب في كلٍّ من السودان وأفغانستان في التسعينات. مكث سيف العدل في إيران ما يتجاوز تسعة أعوام، ويُعتقد أنه فر إلى إيران في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، وقد أقر وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي بأنه تم إيواء العدل في إيران. كما تم إيواء عدد من أبناء وبنات ابن لادن من ضمنهم سعد وحمزة بن لادن مع والدتهما وعدد من أفراد أسرته، ممن مكثوا في ضواحي طهران تحت قبضة الحرس الثوري في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلى جانب زوج ابنة ابن لادن الكويتي سليمان أبو غيث المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم «القاعدة» المحتجز حالياً في الولايات المتحدة، وقد تجول قبل اعتقاله في تركيا بجواز إيراني باسم «مصلح فليحان». وقامت إيران بإيواء أحمد المغسل أحد أهم المطلوبين أمنياً في السعودية لمدة 20 عاماً، قبل أن يتم القبض عليه، كونه منفذ هجمات الخبر عام 1996 التي أسفرت عن مقتل 19 جندياً أميركياً و372 شخصاً آخرين. كذلك، ظهر تورط عدد من المتهمين تمت محاكمتهم بالتواصل مع أحمد المغسل، وتلقي تدريبات عسكرية من الحرس الثوري من أجل إحياء «حزب الله الحجاز» بهدف القيام بأعمال إرهابية وتفجيرات واغتيال شخصيات دينية سُنية. الأمر الذي يُظهر مساعي إيران لتأسيس خلايا إرهابية في المنطقة وزعزعة الأمن من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟