إيران و40 عاماً من دعم الإرهاب

شنت هجمات ضد كل من يخالف مصالحها

عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)
عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)
TT

إيران و40 عاماً من دعم الإرهاب

عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)
عناصر من القوات الأميركية يبحثون عن ناجين بين الركام بعد عملية تفجير مقرهم في بيروت عام 1983 (غيتي)

يظهر جلياً تصعيد إيران وحرسها الثوري التهديدات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط من خلال تجييش ميليشيات الحوثيين في اليمن ودفعها لشن هجمات استهدفت السعودية من خلال إطلاق صواريخ باليستية والهجوم بطائرات مفخخة دون طيارين. وكذلك تعرض أربع سفن تجارية لعمليات تخريبية في ميناء الفجيرة الإماراتي، وتخريب ناقلات نفط جهة السواحل الإماراتية والهجوم على محطتي ضخ تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية.
ما يؤكد التورط الإيراني أن كل ذلك حدث في ظل احتدام التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران واحتمال حدوث مواجهة عسكرية، أيضاً من إعادة انتشار القوات الأميركية في مياه الخليج العربي من أجل ردع إيران عن أي تهديد محتمل في المنطقة. هذا يؤكد ممارسة إيران الضغط على الميليشيات المتطرفة من أجل شن هجمات ضد من يخالف مصالحها، والتوقيت وحده يدل على رسالة واضحة من إيران على قدرتها على التحكم في ميليشيا الحوثي. إنه لا يدل إلا على الإرهاب الذي تمارسه إيران في المنطقة.

على الرغم من عدم وجود تعريف متعارف عليه عالمياً يوضح معنى «إرهاب الدولة»، فإنه غالباً ما يتصف بالاستخدام المنتظم للعنف لخلق مناخ عام من الخوف لدى السكان من أجل تحقيق هدف سياسي معين. كذلك هو توظيف دولة للإرهاب أو دعم التنظيمات الإرهابية كجزء من سياستها الدولية ضد دول أو جماعات أخرى، سواء كان ذلك من خلال هجمات بشكل مباشر أو عبر الجماعات الإرهابية حيث يتم دعمها بالأسلحة، والدعم المادي واللوجيستي مثل التدريب أو حتى الإيواء.
ويشكل إرهاب إيران تهديداً فعلياً سواء للأمن القومي أو الإقليمي، وهو ما يتجلى في الإرهاب الذي تمارسه إيران في المنطقة، لا سيما في ظل دعمها للقلاقل والاضطرابات من خلال مدّ التنظيمات والميليشيات المتطرفة بالدعم اللوجيستي والاستراتيجي سواء كان عبر الأسلحة أو التدريب أو حتى إيواء المتطرفين. والاعتراف الدولي بذلك ليس بالأمر الجديد، حيث إن الولايات المتحدة قد وضعت إيران ضمن الدول الداعمة للإرهاب منذ عام 1984.

إيران والحوثيون
لقد قدم الحرس الثوري الدعم المالي والمادي والتدريب ونقل التكنولوجيا والأسلحة والصواريخ إلى عدد من التنظيمات الإرهابية من ضمنها الميليشيات الحوثية ما مكّنها من إطلاق ما يزيد على 225 صاروخاً باليستياً وما يزيد على 145 طائرة مسيّرة على منشآت حكومية سعودية استهدفت عدة مدن من ضمنها العاصمة الرياض بل وبعضها كان موجهاً إلى العاصمة المقدسة مكة المكرمة. وأشار المتحدث باسم التحالف العربي العقيد الركن تركي المالكي، إلى أن فحص بقايا الطائرات المسيّرة يثبت تزويد الحرس الثوري الإيراني للحوثيين بهذه القدرات. كما أكد السفير الأميركي جوناثان كوهين، في مجلس الأمن، أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أنه منذ أن بدأت الحرب في اليمن وفرض مجلس الأمن حظراً على توريد السلاح فإن الحوثيين استخدموا أسلحة أكثر تقدماً لتهديد جيران اليمن».
كما أكد السفير كوهين: «لم يطور الحوثيون صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة بأنفسهم». من جهته، أشار السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر، إلى أن إيران تستخدم ميليشيا الحوثي كـ«دمية لا تملك من أمرها شيئاً»، كما وصف مماطلة الانقلابيين في تنفيذ اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة والأسرى بأنها جاءت نتيجة لتوجيهات من إيران وعناصر الحرس الثوري و«حزب الله» المتحكمين بميليشياتهم.
40 عاماً من الإرهاب

عانت دول المنطقة من تعنت النظام الإيراني في أعقاب الثورة الخمينية عام 1979، وبدأ آنذاك تصعيد التوتر ما بين النظام الإيراني والولايات المتحدة من خلال احتجاز الرهائن الأميركيين، كذلك بدأت سياسة تصدير الثورة ودعم الإرهاب سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مثل ما حدث من هجوم على السفارة الأميركية في بيروت عام 1983 من خلال «حزب الله»، وقد ظهر تورط إيران بدعم ذلك، واقتحام سفارة السعودية في طهران عام 1987، والهجوم على السفارة السعودية في طهران عام 2016، أيضاً تورطت إيران في عمليات إرهابية مثل ما حدث من استغلال لموسمي الحج لعامي 1986 و1987 بإرسال متفجرات مع الحجاج وتحريض حجاجها على القيام بأعمال شغب في موسم الحج، وحادثة تفجير أبراج الخبر عام 1996 وتفجيرات الرياض في عام 2003.
وقد وضعت إيران نفسها في عزلة دفعتها إلى شيطنة العالم من حولها، إذ تم وصفها في عام 2002 من قِبل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ضمن محور الشر الشهير آنذاك، أضف إلى ذلك التوتر مع دول أوروبا وأميركا فيما يخص الملف النووي الإيراني بعد كشف «مجاهدي خلق» عن وجود برنامج نووي إيراني سرّي في عام 2002. شيطنة العالم دفعت بمجلس الأمن الأعلى في إيران لأن يصنف القوات الأميركية «منظمة إرهابية» رداً على تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ليس بأمر مستغرب، حيث إن الحرس الثوري تزايد تدخله في شؤون الدول الأخرى من خلال حرب الوكالات ودعم الميليشيات المتطرفة.
طهران ملاذ آمن لقيادات «القاعدة»
على الرغم من مبدأ تصدير إيران للثورة ودعمها للتنظيمات الشيعية فإنه يُظهر ميل إيران إلى البراغماتية والبحث عما يخدم مصالحها من خلال اتفاقها الضمني مع تنظيم «القاعدة» على الرغم من التباين الجليّ في التوجهات ووجود فروقات آيديولوجية كبيرة. هذا دفع بإيران إلى إيواء عدد من قياديي تنظيم «القاعدة»، ومن جهته يظهر أن التنظيم قد حذر من الهجوم على إيران.
وقد كشفت الوثائق التي أفصحت عنها وكالة الاستخبارات الأميركية في مدينة أبوت آباد بباكستان في عام 2011 عن مراسلات ما بين أسامة بن لادن و«الأخ توفيق»، حث فيها ابن لادن على عدم فتح جبهة ضد إيران وحماية المراقد الشيعية في العراق وعدم استهدافها. أيضاً تضمنت الرسائل وصف ابن لادن لإيران بأنها ممر «آمن للرسائل والأموال والأسرى». وفي رسالة أخرى من زعيم «القاعدة» السابق ابن لادن إلى «الشيخ سعيد»، وهو مصطفى أبو اليزيد قائد «القاعدة» في أفغانستان آنذاك، أكد في الرسالة أن «المصلحة في هذه المرحلة تقتضي ألا ندخل في حرب عسكرية مع إيران لما في ذلك من تشتيت للجهد الوحيد الموجه إلى رأس الكفر أميركا». كما بيّنت رسائل أسامة بن لادن لزوجته السيدة خيرية صابر تحذيره فيها رفاقه وأنصاره من الهجوم على إيران وقد وصفها بأنها «الشريان الرئيسي للأموال والموظفين والاتصالات». من جانبه حذر أيمن الظواهري أبا مصعب الزرقاوي في رسالة تعود لعام 2005 من مواجهة إيران والشيعة في العراق، وأشار إلى ضرورة تجنب ذلك.
لقد قدمت إيران لتنظيم «القاعدة» مساعدات تتضح من خلال هروب وإقامة عدد من أعضاء تنظيم «القاعدة» في إيران وإيوائها لهم، أبرزهم سيف العدل وهو ثالث شخص قيادي في التنظيم أسهم في تفجيرات سفارتَي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، وأقام معسكرات تدريب في كلٍّ من السودان وأفغانستان في التسعينات. مكث سيف العدل في إيران ما يتجاوز تسعة أعوام، ويُعتقد أنه فر إلى إيران في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، وقد أقر وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي بأنه تم إيواء العدل في إيران. كما تم إيواء عدد من أبناء وبنات ابن لادن من ضمنهم سعد وحمزة بن لادن مع والدتهما وعدد من أفراد أسرته، ممن مكثوا في ضواحي طهران تحت قبضة الحرس الثوري في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلى جانب زوج ابنة ابن لادن الكويتي سليمان أبو غيث المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم «القاعدة» المحتجز حالياً في الولايات المتحدة، وقد تجول قبل اعتقاله في تركيا بجواز إيراني باسم «مصلح فليحان». وقامت إيران بإيواء أحمد المغسل أحد أهم المطلوبين أمنياً في السعودية لمدة 20 عاماً، قبل أن يتم القبض عليه، كونه منفذ هجمات الخبر عام 1996 التي أسفرت عن مقتل 19 جندياً أميركياً و372 شخصاً آخرين. كذلك، ظهر تورط عدد من المتهمين تمت محاكمتهم بالتواصل مع أحمد المغسل، وتلقي تدريبات عسكرية من الحرس الثوري من أجل إحياء «حزب الله الحجاز» بهدف القيام بأعمال إرهابية وتفجيرات واغتيال شخصيات دينية سُنية. الأمر الذي يُظهر مساعي إيران لتأسيس خلايا إرهابية في المنطقة وزعزعة الأمن من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».