مدارس مصر.. حاضنة الاستفتاءات والانتخابات

أكثر من 11 ألفا منها تستقبل المقترعين

جنديان يضعان تحصينات أمام إحدى المدارس في وسط القاهرة أمس  قبيل ساعات من بدء عملية الاستفتاء على الدستور (أ.ب)
جنديان يضعان تحصينات أمام إحدى المدارس في وسط القاهرة أمس قبيل ساعات من بدء عملية الاستفتاء على الدستور (أ.ب)
TT

مدارس مصر.. حاضنة الاستفتاءات والانتخابات

جنديان يضعان تحصينات أمام إحدى المدارس في وسط القاهرة أمس  قبيل ساعات من بدء عملية الاستفتاء على الدستور (أ.ب)
جنديان يضعان تحصينات أمام إحدى المدارس في وسط القاهرة أمس قبيل ساعات من بدء عملية الاستفتاء على الدستور (أ.ب)

لم تكد مدارس مصر تنفض عن كاهلها أعباء امتحانات نصف العام الدراسي، حتى دخلت في امتحان جديد، عبر 11 ألفا و180 مدرسة، تستقبل صباح اليوم وغدا آلاف المصريين للاقتراع على الدستور الجديد للبلاد في استفتاء شعبي، باتت هذه المدارس ومنذ عقود الراعي الرسمي له مكانيا، في العاصمة القاهرة والأقاليم.
وتحفظ ذاكرة هذه المدارس مشاهد وفصولا من حياة مصر السياسية في العصر الحديث، فقد كانت شاهد عيان على دستور 1964 المؤقت، ثم دستور 1971، واستفتاء 19 مارس (آذار) 2011، وهو أول استحقاق دستوري بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وتضمن تعديلا على دستور 1971، والذي ألغي بعد ذلك، وحل مكانه إعلان 30 مارس.
كما شهدت أخيرا دستور 2012، الذي وضع إبان حكم الإخوان، وجرى تعطيله بموجب خارطة الطريق التي أطاحت بحكم الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي. ويستفتي المصريون اليوم على نسخة جديدة معدلة من هذا الدستور، بعد إلغاء الكثير من مواده وإضافة الكثير من المواد الجديدة التي تحقق التوافق الوطني بين قوى المجتمع.
ولا يقتصر تحويل المدارس إلى لجان انتخابية على عملية الاستفتاء على الدستور، بل تلعب الدور نفسه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي غالبا ما تتسم بحدة المنافسة بين المرشحين، وتجرى على مدار أكثر من جولة انتخابية، وهو ما يرهق المدارس، ويجعلها تدخل في فترة نقاهة، حتى تواصل دورها التعليمي والتربوي.
اللواء رفعت قمصان، المدير السابق للإدارة العامة للانتخابات، يوضح كيفية اختيار المدارس كمراكز اقتراع قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «يبلغ عدد المدارس التي جرى اختيارها لجانا للاقتراع في الاستفتاء على الدستور الجديد 11 ألفا و180 مدرسة في أنحاء الجمهورية، ويجري ذلك من خلال لجنة أمنية منتدبة من اللجنة العليا للانتخابات وممثلة في رئيس المحكمة في كل محافظة بجانب ممثلين من القوات المسلحة وجهاز الشرطة ووزارة التنمية المحلية». ويضيف «الاختيار يقع دائما على المدارس نظرا لتعدد الغرف بداخلها مما يمنع التكدس، ووجود فناء كبير بها يسمح بحرية حركة الناخبين، وخلوها من النشاط التعليمي أيام الإجازات، بعكس المؤسسات الحكومية الأخرى، بجانب معرفة أغلب الأهالي بتلك المدارس لكون أبنائهم يتلقون العلم بها، وهو ما يسهل معرفتهم بمكان اللجنة للتصويت علي الاستفتاء».
وفي ذاكرة المدارس مع الانتخابات تلفت أنظار الناخبين مدارس بعينها نالت شهرة تاريخية، حيث كان يصوت بها كبار رجال الدولة، والرئيس وعائلته. يقول شريف سامي (30 عاما)، وهو من سكان حي مصر الجديدة «أتذكر جيدا تلك الفترة خاصة مع كل عملية انتخابية كان الرئيس الأسبق يذهب إلى مدرسة مصر الجديدة الثانوية بنات للإدلاء بصوته هو والعائلة. لكن حارس عقار مجاور للمدرسة يقول «مبارك كان يدلي بصوته الانتخابي في مدرسة مصر الجديدة النموذجية، لكنه عندما أجرى عملية الغضروف أصبح صعود السلم صعبا عليه ومن وقتها أصبح يدلي بصوته في مدرسة مصر الجديدة الثانوية، وكانت المدرسة تشهد في هذا اليوم تحصينات أمنية مكثفة».
وعلى غرار مبارك اختار الرئيس المعزول محمد مرسي مدرسة مصر الجديدة الإعدادية بنين، لتكون موطنة الانتخابي. يقول أحمد شريف (28 عاما)، من سكان المنطقة ذاتها «في أيام الرئيس المعزول كان من الصعب أن يدلي المواطنون العاديون بأصواتهم في هذه المدرسة، لكنها ستفتح أبوابها لاستقبال الناخبين أول أيام الاستفتاء على الدستور الجديد، وأنا وعدد من أصدقائي سنصوت فيها، وهذا يمثل تجربة فريدة حقا، لكنه أبسط شيء نؤديه لبلدنا مصر».
وتسلمت قوات من الجيش والشرطة المدارس التي بها لجان استفتاء على الدستور، لتأمينها؛ استعدادًا لاستقبال المواطنين، كما أكد الدكتور محمود أبو النصر، وزير التربية والتعليم، أن الوزارة بالتنسيق مع المحافظين والمديريات التعليمية في 27 محافظة، عملت على تجهيز وإعداد المدارس التي ستتحول إلى لجان اقتراع للاستفتاء على الدستور اليوم وغدا «14 و15» يناير الحالي، مشيرًا إلى أنه جرى تسليم المدارس للجنة العليا للانتخابات منذ أمس «الاثنين»، لتجهيزها كلجان اقتراع، وسوف نتسلمها مرة أخرى من اللجنة يوم الخميس 16 يناير الحالي لاستكمال العام الدراسي وامتحانات نصف العام التي لم تجر في عدد من المدارس.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.