رحيل «والي بيروت»... نموذج التوأمة الناجحة بين العسكر والسياسة

اللواء سامي الخطيب شارك في إحباط محاولة سوفياتية لسرقة طائرة «ميراج»

سامي الخطيب
سامي الخطيب
TT

رحيل «والي بيروت»... نموذج التوأمة الناجحة بين العسكر والسياسة

سامي الخطيب
سامي الخطيب

طوى النائب والوزير السابق اللواء سامي الخطيب، أمس، تجربة عسكرية وسياسية عن 86 عاماً، فرضت عليه الظروف خلالها أن يكون جزءاً من المتغيرات، لكنه في الوقت نفسه كان صانعاً لبعضها، ما أهّله لشغل حيز مهم في الشأن العام، بدءاً من وجوده في المخابرات العسكرية، وانتهاء برئاسة لجنة الدفاع والأمن النيابية، مروراً بدور في إحباط محاولة المخابرات السوفياتية الاستحواذ على طائرة «ميراج» من لبنان.
والضابط الشهابي الهوى، وحامل الإرث الشهابي المؤسساتي، الذي أعلن عن وفاته في بيروت أمس، وجد نفسه مرات عدة بمواجهة السلطة، أو طرفاً في انقساماتها. بقي الضابط الذي يصفه عارفوه بـ«الصلب»، حاملاً لهذا الإرث المؤسساتي طوال فترة عمله العسكري، وجسده في عام 1992 حين كان مهندس أول انتخابات نيابية بعد الحرب اللبنانية بعد انقطاع دام 20 عاماً، حين كان وزيراً للداخلية.
وإذ سُجل تسريحه من الجيش، إلى جانب بعض الضباط، لأسباب سياسية في عهد الرئيس سليمان فرنجية، ما اضطره للجوء إلى سوريا، فإنه لم يكن بتاتاً خارج «السيستم» العسكري بعد هذه الواقعة، رغم الانقسامات والهوات العميقة بين متصارعين أنتجت انقساماتهم حكومتين، وقيادتين للجيش، كان الخطيب قائداً لإحداهما بالتكليف قبيل انتهاء الحرب اللبنانية بأشهر في مطلع التسعينات.
ونعى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الوزير والنائب السابق سامي الخطيب، مشيداً بمسيرته الطويلة الناجحة وحنكته وحكمته. وقال في البيان الصادر عنه: «لا يُكتب اسم اللواء سامي الخطيب إلا وتُكتب إلى جانبه صفحات من تاريخ لبنان الأمني والسياسي، كان له فيها حضوره المميز، ضابطاً من أركان المكتب الثاني في العهد الشهابي، وقائداً لقوات الردع العربية، ثم قائداً للجيش في المرحلة الانتقالية التي واكبت البدء باتفاق الطائف ووزيراً للداخلية ونائباً عن البقاع الغربي لدورات عدة».
وقال الحريري: «سامي الخطيب نموذج ناجح للتوأمة بين الحياة العسكرية والحياة السياسية، وقد تفوق بطيبته وحنكته وحكمته وكرمه وصلابته في المجالين».
والخطيب، المولود في عام 1933، دخل المدرسة الحربية في عام 1953 وتخرج منها برتبة ملازم في قوى البر، قبل أن يتم تشكيله في عام 1955 إلى أركان قيادة الجيش - الشعبة الثانية، في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1960. وكان لسنوات كثيرة رئيساً لفرع الأمن القومي (الداخلي) في هذه الشعبة. وهو من أبرز أركان الحقبة الشهابية، ومن ألمع المقربين من باني المؤسسات، الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب.
أمسك بزمام الأمن في بيروت حتى أطلق عليه لقب «والي بيروت»، وبعد هذه المهمة كرئيس للمخابرات في العاصمة، تم تشكيله بوزارة الدفاع وبات رئيساً لجهاز الأمن المشترك الذي يضم في صفوفه عناصر من قوى الأمن إلى جانب العسكريين.
في هذه الفترة، وقع حدث أمني في بيروت، حيث كشف الضابط الطيار محمود مطر في عام 1969 عن محاولة سوفياتية لسرقة طائرة «ميراج» من لبنان، فضحها مطر بالتنسيق مع المخابرات العسكرية اللبنانية. وليلة التسليم، كلّف سامي الخطيب ورئيس فرع الاستعلام الخارجي عباس حمدان بقيادة القوة الأمنية اللبنانية التي أوقفت العميلين السوفياتيين.
بعد هذه الحادثة، بات سامي الخطيب صديقاً للضابط مطر الذي بات فيما بعد رئيساً لسلاح الجو اللبناني، وتقاعد منه في أواخر عام 1996. ويقول العميد المتقاعد محمود مطر لـ«الشرق الأوسط» إن علاقته بالخطيب بنيت منذ تلك الواقعة حين كلّفه الخطيب بكتابة تقرير عن واقعة طائرة الميراج في مكتبه، وأهدى الخطيب مسدسه للعميد مطر، وباتا صديقين.
بعد إحباط محاولة سرقة «الميراج»، مُنح الخطيب، وضباط آخرون، أقدمية سنة، لكن ذلك لم يعد استثناء في تجربة الخطيب العسكرية الذي تدرج بالرتب العسكرية أكثر من مرة في صورة استثنائية، حتى رتبة لواء.
في عام 1971، جرت عملية إقصاء للضباط المحسوبين على شهاب، بعد وصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. وبما أن الخطيب كان محسوباً على عهد شارل حلو، بحكم قربه من غابي لحود، تعرض لعملية الإقصاء، حيث عُيّن ملحقاً عسكرياً في سفارة لبنان في باكستان في عام 1971. وفي عام 1973، استدعي مع ضباط آخرين للمحاكمة ضمن حملة تضييق فرنجية على إرث شهاب والشعبة الثانية، فهرب إلى سوريا بعد تسريحه من الجيش ثم أعيد إلى الجيش في عام 1976 مع كامل رتبه وحقوقه المادية والعسكرية، وذلك بعد انتخاب إلياس سركيس رئيساً للجمهورية.
عاصر العهود وتناقضاتها، لكنه كان جزءاً من عهد مؤسساتي خطه شهاب، وإرثه. تماهى الخطيب فيما بعد مع التحول اللبناني الرسمي بداية باتجاه الانفتاح على سوريا، وبعدها بقي جزءاً من اللبنانيين المنفتحين على سوريا في حقبة وجودها العسكري في لبنان. تولى قيادة قوات الردع العربية في 11 - 04 - 1977 وبقي في قيادتها حتى 31 - 03 - 1983. وبعدها تم تكليفه قائداً للجيش اللبناني في نوفمبر (تشرين الثاني) 1988 ولغاية نوفمبر 1989. وقدم استقالته لأول حكومة شرعية في عهد الرئيس إلياس الهراوي، حيث تم تعيين العماد إميل لحود قائداً للجيش.
لم تكن تلك التجربة نهاية رحلته في الشأن العام، رغم خلعه البزة العسكرية، بعد فشل المبادرات لتعيينه مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. ففي حكومة الرئيس عمر كرامي، في ديسمبر (كانون الأول) 1990، عُين وزيراً للداخلية، وعين في الموقع نفسه أيضاً في حكومة الرئيس رشيد الصلح في مايو (أيار) 1992. وسجل لوزارة الداخلية آنذاك إجراء أول انتخابات نيابية بعد انقطاع دام 20 سنة بسبب الحرب الأهلية.
ومن وزارة الداخلية دخل العمل البرلماني، حيث انتخب نائباً عن البقاع الغربي وراشيا، في 3 دورات انتخابية متتالية في 1992 و1996 و2000. وانتخب رئيساً للجنة الدفاع الوطني والأمن البرلمانية لمدة 9 سنوات متتالية كان آخرها في عام 2005.
أصدر في عام 2008 كتاباً باسم «سامي الخطيب في عين الحدث - 45 عاماً لأجل لبنان»، ضمّنه تجربته ومعاناته في السنوات الخمس والأربعين من حياته الوظيفية والنيابية والوزارية، ثم أعد الجزء الثاني من الكتاب حول المرحلة اللاحقة من عمله في سبيل وطنه لبنان وهو قيد الإنجاز.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.