مخاوف من تضخم الأسعار بعد فرض الحكومة ضرائب على البضائع المستوردة

المراجع المعنية أكدت أن الهدف حماية الصناعات المحلية

طلاب الجامعة اللبنانية يشاركون أساتذتهم في التظاهر للمطالبة بزيادة مستحقة في رواتبهم (إ.ب.أ)
طلاب الجامعة اللبنانية يشاركون أساتذتهم في التظاهر للمطالبة بزيادة مستحقة في رواتبهم (إ.ب.أ)
TT

مخاوف من تضخم الأسعار بعد فرض الحكومة ضرائب على البضائع المستوردة

طلاب الجامعة اللبنانية يشاركون أساتذتهم في التظاهر للمطالبة بزيادة مستحقة في رواتبهم (إ.ب.أ)
طلاب الجامعة اللبنانية يشاركون أساتذتهم في التظاهر للمطالبة بزيادة مستحقة في رواتبهم (إ.ب.أ)

لاقت معظم القوى السياسية والصناعية، بإيجابية، قرار الحكومة الأخير وضع رسوم مقطوعة بنسبة 2 في المائة على كل المستوردات، بحجة حماية الصناعات المحلية والإنتاج في لبنان. إلا أن فرض ضرائب بشكل يعتبره بعض الخبراء «عشوائياً» بغياب الخطة الاقتصادية الواضحة، يهدد بعدم الوصول إلى الأهداف المنشودة، وبتحول الإجراءات الجديدة إلى مجرد محاولات «التفافية» لرفع الأسعار على المواطنين لخفض العجز، وهو ما نبه منه مستوردو المواد الغذائية الذين رفعوا الصوت للمطالبة بإعادة النظر بالقرار.
ونبه قيمون على مؤسسات تعمل في مجال استيراد المواد الغذائية من أن الإجراءات الجديدة ستزيد الأعباء عليهم، الكبيرة أصلاً، ما قد يؤدي إلى إقفال الكثير من الشركات الخاصة.
واستثنت الحكومة، التي أدرجت قرارها هذا في موازنة عام 2019، الأدوية والسيارات الصديقة للبيئة، وكل ما يُستخدم من آلات وماكينات في الاقتصاد والإنتاج. وأعلن وزير الاقتصاد منصور بطيش، أنه تقرر أيضاً إعطاء 20 منتجاً لبنانياً حوافز جديدة من خلال دعمها بزيادة رسم على مثيلاتها المستوردة: «من دون أن يؤثر ذلك على المستهلك اللبناني، وبما يؤمن إيرادات للخزينة، ويساعد الإنتاج الوطني في أن يكون أكثر فعالية».
ويعتبر خبراء أن هذه التدابير خطوة أولى باتجاه انتقال لبنان من الاقتصاد الريعي، الذي يقوم على دعم السياحة والمصارف والعقارات، وهي السياسة المتبعة منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى الاقتصاد الإنتاجي الذي يقوم بشكل أساسي على دعم القطاعات الإنتاجية، خصوصاً الصناعة والزراعة.
ويوضح وزير الاقتصاد السابق رائد خوري، أن لوضع رسم 2 في المائة على المستوردات عدة أهداف، أولاً، حماية الإنتاج الوطني، خصوصاً في حالة وجود منتجات وصناعات محلية تنافسها أخرى مستوردة، ثانياً، التخفيف من الاستيراد بما يؤدي إلى خفض العجز بميزان المدفوعات، كما بالميزان التجاري، وثالثاً، إدخال أموال إلى خزينة الدولة من خلال الضرائب المفروضة.
ويشير خوري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن إيجابيات هذا التدبير تفوق بكثير سلبياته، بحيث تبلغ نسبة الأولى 90 في المائة مقابل 10 في المائة فقط من السلبيات التي تنحصر بارتفاع بعض الأسعار، ليس فقط المرتبطة بالمنتجات غير المصنعة في لبنان، التي سيكون اللبناني مضطراً لشرائها، إنما ببعض المنتجات المستوردة التي تستخدم في صناعات محلية. ويضيف: «المشكلة أن العمل يتم بالمفرق، وليس وفق خطة اقتصادية واضحة تحدد الصناعات المفترض أن يتم التركيز على النهوض بها، والعمل على تصديرها، كما الآلية لذلك. أضف أن الموازنة التقشفية التي يتم العمل عليها يتوجب أن تقترن بالعمل على تكبير الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات، وإلا أدى التقشف إلى مزيد من الانكماش».
ووضعت شركة «ماكينزي» الاستشارية العالمية، العام الماضي، خطة للنهوض بالاقتصاد اللبناني تسعى بشكل أساسي لخلق بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية، ولتفعيل قطاعات إنتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الأداء الاقتصادي، وخلق فرص عمل، بعدما تراجعت حصة الصناعة والزراعة من الناتج المحلي من 30 في المائة في عام 1974 إلى 16 في المائة في السنوات القليلة الماضية.
وينظر رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي الجميل، بإيجابية إلى القرار الحكومي الأخير برفع الرسوم الموضوعة على المستوردات، لافتاً إلى أن الجمعية كانت قد طرحت على مجلس الوزراء تخصيص صندوق لمعالجة أكلاف الإنتاج المرتفعة، بما يحقق نقلة نوعية بالموازنة، ويجعلها تقشفية وتحفيزية في آن، «لكن إذا كانت الحكومة غير قادرة على ذلك، فإن وضع رسم الـ2 في المائة، يساهم لا شك في حماية الصناعات الوطنية من دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار، لأن الرسم أصلاً بسيط، كما يمكن حسمه من الأرباح التجارية».
ويضيف الجميل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الإنجاز الذي تحقق في الموازنة هو معالجة الإغراق الحاصل من خلال فرض رسوم وقائية، على أمل أن يتم في خطوات لاحقة معالجة أكلاف النقل والطاقة، لأن الصناعة اللبنانية المتنوعة بقطاعاتها قادرة على المساهمة بنهوض الاقتصاد».
ويُطالب الصناعيون، كما المزارعون، بتخفيض تكلفة الطاقة للنهوض بقطاعاتهم، ومنحهم المزيد من التسهيلات المصرفية وتخفيض الضرائب، كما بمكافحة الاقتصاد الموازي ووقف عمليات التهريب عبر المعابر البرية والبحرية، ومنع الإغراق، وتطبيق الاتفاقيات التجارية بشكل عادل ومتوازن على قاعدة المعاملة بالمثل.



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.