أكثر من 400 مليون ناخب أوروبي في 28 دولة يمارسون هذه الأيام حقهم الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية، التي بدأت الخميس في بريطانيا وهولندا وانتقلت في اليوم الثاني إلى آيرلندا وجمهورية التشيك، في واحدة من أكبر التجارب الديمقراطية في العالم، والتي ستؤدي إلى تغيير متوقع في قادة المؤسسات العليا بالتكتل. والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان المجلس التشريعي للاتحاد الأوروبي، الذي سيطر عليه لفترة طويلة ائتلاف كبير من أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط، يمكن أن يصاب بالشلل بسبب زيادة التيار الشعبوي الذي ترك أثرا في دول مثل إيطاليا وفرنسا والمجر وألمانيا. وسيكون للبرلمان الجديد دور فعال في تعيين الأعضاء المقبلين في المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، قبل الشروع في العمل المنتظم لفحص المبادرات الجديدة والميزانية المستقبلية للتكتل. وتقوم الأحزاب الشعبوية عبر التكتل بحملة لإعادة بناء صورة الاتحاد الأوروبي وفق توجهاتها، وقد تزداد أعدادها بعد التصويت في نهاية هذا الأسبوع.
اعتبر الأميركي ستيف بانون أحد المهندسين الرئيسيين للمعسكر الشعبوي في مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان» أن الانتخابات في فرنسا ستكون «الأكثر أهمية» للأوروبيين، مضيفا «أنها استفتاء عليه (الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون) وعلى رؤيته لأوروبا». وبدورها، تدرج مارين لوبن المرشحة الخاسرة في انتخابات 2017 الرئاسية، هذه المعركة في الإطار المذكور، علما بأنها اختارت على رأس قائمتها مرشحا أصغر سنا من ماكرون هو جوردان بارديلا (23 عاما). وطالبت الناخبين بعدم «منح (الرئيس) شيكا على بياض» فيما تسعى الأحزاب الأخرى إلى إسماع صوتها في ظل هذا الانقسام العمودي. ويرى سيباستيان مايار مدير معهد جاك دولور أن «خسارة شخص ما مؤيد لأوروبا الانتخابات الأوروبية في عقر داره تشكل مساسا بصدقيته».
وبعد عامين من انتخابه، يخوض الرئيس ماكرون الأحد الانتخابات الأوروبية كمدافع عن الديمقراطيات الليبرالية في مواجهة الشعبويين، رغم تراجع شعبيته في بلاده متأثرا باحتجاجات أصحاب «السترات الصفراء» خلال الستة شهور الماضية.
وضع ماكرون نفسه رأس حربة في الحملة، ما يعني أن أي خسارة له في مواجهة اليمين المتطرف قد تجبره على تغيير فريقه الحكومي وإعادة النظر في وتيرة إصلاحاته.
بعدما أظهرت استطلاعات الرأي لوقت طويل تقأربا كبيرا بين «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبن وحزب «الجمهورية إلى الأمام» الرئاسي، باتت قائمة اليمين المتطرف تتقدم بما يراوح بين 0.5 نقطة ونقطتين، وذلك في نهاية حملة اتخذت شكل صراع بين المعسكرين.
وأعلن الرئيس الفرنسي الثلاثاء العنوان العريض للانتخابات، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يهدده «خطر وجودي» قد يفضي إلى «تفككه» تحت وطأة الموجة الشعبوية. وأعرب عن أمله في «بناء ائتلاف كبير من التقدميين» في مواجهة «من يريدون تدمير أوروبا عبر القومية».
وفي هذا السياق، لن يكون الرئيس الفرنسي مجبرا على اتخاذ خطوات في فرنسا فحسب، عبر تغيير حكومته على الأرجح، بل سيكون لهذا الأمر تأثير طويل المدى في أوروبا.
ويقول بريس تانتورييه المدير العام لمعهد ايبسوس لاستطلاعات الرأي إن «قدرته على أن يكون أحد أبرز القادة في أوروبا مستغلا قرب انتهاء المسيرة السياسية لأنجيلا ميركل وانقسامات في أماكن أخرى، سيلحق بها ضرر كبير في حال تعرض لخسارة قوية الأحد» وخصوصا أن الرئيس الفرنسي يواجه مرحلة حساسة مع المستشارة الألمانية، حليفته الأولى على المسرح الأوروبي والتي تناهض بدورها الحركات الشعبوية التي يجسدها الإيطالي ماتيو سالفيني والمجري فيكتور أوربان وحتى لوبن. والخلافات كثيرة، وبينها كيفية توزيع المناصب داخل المؤسسات الأوروبية. ويلاحظ مايار عدم ارتياح فرنسي إلى موقف ألمانيا التي لا تجاري ماكرون في نيته المضي قدما في تنفيذ أفكاره ومشاريعه على صعيد أوروبا. وعلى صعيد السياسة الداخلية، سيكون الرئيس الفرنسي مجبرا على الأرجح على تغيير حكومته وإعادة النظر في خطته الإصلاحية، علما بأنه يرغب في تطبيق «الفصل الثاني» من تلك الإصلاحات بعدما نفذ جزءا منها في مستهل ولايته، وأبرز عناوين هذا الفصل ما يتصل بقانون العمل.
ويقول وزير لم يشأ كشف هويته، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية، «إذا تقدمت الجبهة الوطنية بشكل كبير فلا بد من تغيير حكومي. كيف يمكن للمرء أن يخسر الانتخابات» ولا يغير رئيس الوزراء مثلا. ويبدو أن ماكرون فاتح وزراءه بهذا الأمر في الكواليس، وتحديدا في 30 أبريل (نيسان)، حين لمح إلى تغييرات في الفريق الحكومي في حال هزيمته في الانتخابات الأوروبية.
- الاقتراع في أرقام
> دعي ناخبو الدول الأعضاء الـ28 في الاتحاد الأوروبي للإدلاء بأصواتهم للمرة التاسعة في التاريخ لانتخاب ممثلين لهم في البرلمان الأوروبي.
>يبلغ عدد الناخبين في سن المشاركة في عملية الاقتراع 427 مليونا.
>تحتلّ الانتخابات الأوروبية المرتبة الثانية في حجمها في العالم بعد الانتخابات التشريعية في الهند.
> ويُمنح حق الانتخاب إلى المواطنين الذي تتجاوز أعمارهم 18 سنة في غالبية الدول الأوروبية الأعضاء. إلا أن اليونان سمحت لناخبيها بالتصويت اعتباراً من عمر 17 سنة فيما يصوّت في النمسا ومالطا كل من هم فوق 16 سنة.
> بلغت نسبة المشاركة 42.6 في المائة في العام 2014 وهي الأدنى في التاريخ بالنسبة لانتخابات أوروبية.
> خلال عملية الاقتراع هذه، يتمّ انتخاب 751 نائباً. يتمّ توزيع المقاعد بناء على عدد السكان. وستشغل ألمانيا 96 مقعداً، وفرنسا 74، وكل من إيطاليا وبريطانيا 73. أما مالطا وقبرص ولوكسمبورغ فلن تشغل إلا ستة مقاعد.
> بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سيصبح عدد المقاعد في البرلمان الأوروبي 705 نواب، إذ سيتمّ إلغاء جزء من المقاعد البريطانية على أن يُوزّع الجزء الآخر. وسيصبح لدى فرنسا وإيطاليا خمسة مقاعد إضافية وإيطاليا وهولندا ثلاثة.
ورغم الشكوك التي تلفّ موعد خروج بريطانيا من الاتحاد، ينبغي على الدول التي سيزيد عدد مقاعدها بعد بريكست انتخاب النواب الإضافيين الذين لن يحضروا جلسات البرلمان الأوروبي إلا بعد الانفصال بين لندن والاتحاد الأوروبي.
> بلغ متوسط عمر النواب أثناء انتخابات العام 2014.53 عاماً، وفق حسابات البرلمان الأوروبي. وفي أكثر من نصف عدد الدول الأعضاء، يمكن الترشح للانتخابات الأوروبية اعتباراً من عمر 18 سنة. لكن بعض الدول لديها قواعد أكثر صرامة: ففي إيطاليا واليونان، السنّ الأدنى للترشح هو 25 عاماً وفي رومانيا 23 عاماً.
> بلغت نسبة النساء المنتخبات في البرلمان الأوروبي في العام 2014، 36.9 في المائة وهي النسبة الأعلى في التاريخ. ولا يحترم التوازن في المقاعد بين الرجال والنساء، إلا في خمس دول أعضاء هي فنلندا وإيرلندا (6 من أصل 11) وكرواتيا (6 من أصل 11) ومالطا (3 من أصل 6) والسويد (10 من أصل 20). أما قبرص (1 من أصل 6) وبلغاريا (3 من أصل 17) وليتوانيا (2 من أصل 11) فهي الدول الأقلّ احتراماً لهذا التوازن.
- الاتحاد «أكبر منطقة تجارية في العالم»
> يعتبر الاتحاد وارثا للمجموعة الاقتصادية الأوروبية التي ضمت ستة بلدان وتأسست في 1958. وانبثق من معاهدة ماستريخت (1993) ليضم 28 عضوا. وتنوي المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي وتم تمديد موعد نهائي لذلك في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
> حدث أكبر توسيع في 2004 لدى دخول عشرة بلدان: ثمانية من البلدان الشيوعية السابقة، بما فيها الجمهورية التشيكية والمجر وبولندا، وكذلك جزيرتا قبرص ومالطا في البحر المتوسط.
> يستخدم 19 من أعضائه اليورو الذي طرح للتداول في 1999. واختارت المملكة المتحدة والدنمارك والسويد الاحتفاظ بعملاتها الوطنية، بينما تستعد بلدان أخرى لتبني العملة الموحدة.
> يشكل أعضاء الاتحاد الأوروبي مجتمعين سوقا موحدة تتحرك فيها البضائع والأفراد ورؤوس الأموال والخدمات بحرية من دون عوائق على الحدود الداخلية. وتجعل هذه السوق الموحدة التي تأسست في 1993، من الاتحاد «أكبر منطقة تجارية في العالم» للسلع والخدمات المصنعة. ولا يزال إجمالي ناتجها المحلي الذي بلغ 17.200 مليار دولار (15.200 مليار يورو) في 2017، أقل من إجمالي ناتج الولايات المتحدة (19.300 مليار دولار)، لكنه يفوق الناتج المحلي للصين (12.200 مليار دولار)، كما يقول البنك الدولي.
> عبر عدد سكانه الذي يبلغ 513 مليون نسمة، يعد الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر منطقة من حيث عدد السكان في العالم، متقدما على الولايات المتحدة، وبعد الصين والهند اللتين يفوق عدد سكان كل منهما مليار نسمة. وألمانيا هي الدولة العضو الأكبر من حيث عدد السكان (82 مليونا) في حين أن مالطا هي الأصغر (468 ألفا). وألغيت عمليات المراقبة المنهجية على الحدود بين اثنين وعشرين من بلدان الاتحاد الأوروبي، بصفتها أعضاء في منطقة شينغن.
> تعد لغاته الرسمية الـ24 بين اللغات الأكثر استخداما في العالم مثل الإنجليزية والفرنسية، والأقل استخداما مثل الآيرلندية والفنلندية والبلغارية.
> تساهم دوله الأعضاء بنسبة 1 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وتستفيد من مساعدات للزراعة وتأمين فرص عمل للمناطق المحرومة والتنمية الريفية وصيد السمك.