تونس: هيئة مكافحة الفساد «تفضح» أحزاباً لم تصرح بمداخيل قيادييها

قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية

TT

تونس: هيئة مكافحة الفساد «تفضح» أحزاباً لم تصرح بمداخيل قيادييها

أكد شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الفساد (هيئة عمومية مستقلة)، أمس أن أكثر من 70 في المائة من الأحزاب السياسية التي راسلتها الهيئة على العناوين الرسمية المودعة لدى مصالح رئاسة الحكومة، بغرض الإدلاء بمكاسب قياداتها ومسيريها، لم تعد في نفس العناوين وأضحت مقراتها «غير معلومة»، وهو ما يطرح فرضيتين: إما أن هذه الأحزاب توقفت عن نشاطها السياسي، وهو ما يفرض إلغاء تصريحها القانوني، بحجة عدم وجود مقرات أو ممارسة أي أنشطة سياسية أو اجتماعية، أو أنها غيرت عناوينها للتهرب من التصريح بمكاسب مسيريها وأعضاء مكاتبها السياسية والتنفيذية، وهو ما يفرض في هذه الحالة تنفيذ القانون ضدهم، على حد قوله.
وانتقد الطبيب في جلسة رمضانية، نظمتها الهيئة المذكورة بمقر نقابة الصحافيين التونسيين، أمس، قيادات الأحزاب السياسية التونسية ومسيريها، وقال إنهم مطالبون وفق قانون التصريح بالمكاسب ومكافحة الإثراء غير المشروع بالإدلاء بمكاسبهم، لكن جلهم لا يحترم هذا القانون، مشيرا في هذا السياق إلى أن 120 مسيرا حزبيا فقط هم الذين امتثلوا للقانون من إجمالي المئات، اعتبارا إلى أن العدد الإجمالي للأحزاب السياسية لا يقل عن 218 حزبا.
وكشف المصدر ذاته عن توجيه نحو 5 آلاف تنبيه لأفراد معنيين قانونا بواجب التصريح بمكاسبهم ومصالحهم إلى الهيئة. غير أنهم لم يصرحوا بمكاسبهم ومصالحهم، وهذا ما سيدفع الهيئة بعد شهر واحد من توجيه تنبيه إلى المخالفين إلى تفعيل العقوبات، والتحقق من التصاريح المغلوطة، على حد تعبيره.
في نفس السياق، أوضح الطبيب أن رجال الإعلام والصحافيين هم أكثر الفئات التي لم تصرح بمكاسبها، مشيرا إلى أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أحالت ما بين سنتي 2016 و2018 على الجهات القضائية نحو 544 ملف فساد، لكن لم تصدر أحكام قضائية إلا في 21 ملفا، فيما ما تزال بقية الملفات في انتظار الحسم.
وكانت الحكومة، التي يترأسها يوسف الشاهد، قد شنت بدورها حربا على المهربين والمتهمين في قضايا فساد، وألزمت بعضهم بالإقامة الإجبارية، فيما أودعت البقية السجن، من بينهم قيادات في الجمارك، ورجال أعمال خالفوا القوانين المحلية، وحصلوا على مكاسب غير مشروعة.
يذكر أن البرلمان صادق خلال شهر يوليو (تموز) 2017 على قانون التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح في القطاع العام. وقد دخل هذا القانون حيز التنفيذ في شهر أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2018. وتضم قائمة المجبرين على التصريح بمكاسبهم عدد كبير من الشخصيات السياسية، وفي مقدمتهم الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان)، ورؤساء الهيئات الدستورية المستقلة، ورؤساء البلديات والقضاة والإعلاميين.
على صعيد آخر، شارك أمس عدد كبير من النقابيين، المنتمين إلى الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) في وقفة احتجاجية نظمتها حملات المقاطعة التونسية لإسرائيل أمام إحدى وكالات الأسفار التونسية بالعاصمة التونسية، وذلك بعد الكشف عن تنظيمها رحلات سياحية إلى إسرائيل عبر الأردن والقدس المحتلة، بالتنسيق مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأكدت قيادات نقابية أن اتحاد الشغل اطلع على البرمجة السياحية المتعلقة برحلاتها المقبلة إلى الأردن وفلسطين المحتلة للفترة ما بين 27 مايو (أيار) الحالي و3 يونيو (حزيران) المقبل، وهي تتضمن زيارات إلى مسجد حسن بك، الواقع في يافا بأحواز «تلّ أبيب»، وزيارة مدينة طبريّا عاصمة الجليل في شمال فلسطين المحتلّة، والميناء القديم، وهي مناطق واقعة كلها تحت سيطرة سلطات الاحتلال، وهو ما يؤكد على وجود نوايا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، على حد تعبيرها.
ورفع اتحاد الشغل شعارات ولافتات تدين الأنشطة «المشبوهة»، وطالب بفتح تحقيق قضائي وأمني حولها، وسحب رخصة الشغل من وكالة الأسفار المعنية بالرحلات السابقة، ومن كل وكالات الأسفار التي يثبت تورّطها وتطبيعها مع إسرائيل.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.