بغداد تبدأ بحث فرص الوساطة بين طهران وواشنطن

رئيس الوزراء العراقي يزور الكويت

TT

بغداد تبدأ بحث فرص الوساطة بين طهران وواشنطن

بدأ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أمس الأربعاء، زيارة لدولة الكويت بهدف بحث الملفات المشتركة بين البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية والاستثمارية. وتأتي زيارة عبد المهدي بعد نحو أسبوع من اجتماع اللجنة العليا العراقية ـ الكويتية المشتركة في العاصمة الكويت.
وخيّمت التطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً التصعيد العسكري غير المسبوق بين الولايات المتحدة وإيران، على زيارة عبد المهدي إلى الكويت، التي سبُقت بالتحذير من النتائج الوخيمة التي قد تخلفها أي حرب في المنطقة.
والتقى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، رئيس الوزراء العراقي، مساء أمس، بحضور ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح. وكان عبد المهدي قد ذكر، أول من أمس، أن بغداد تسعى للحد من التصعيد في المواجهة الحالية بين واشنطن وطهران. وأعلن أن العراق «سيرسل قريباً جداً وفوداً إلى طهران وواشنطن من أجل دفع الأمور للتهدئة لما فيه مصلحة العراق وشعبه أولاً والمنطقة بشكل عام».
بدوره حذر أمير الكويت، أول من أمس، من الأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة، وقال بعد زيارته مقر وزارة الخارجية: «إنّنا نعيش في ظروف بالغة الدقة والخطورة، ونرجو أن يعود الهدوء إلى المنطقة وأن تسود الحكمة والعقل في التعامل مع الأحداث من حولنا». وكان مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) قد أعلن، أول من أمس (الثلاثاء)، دعمه لأمير البلاد في مواقفه التي تعتمد ما سماه «الحياد الإيجابي» في الأزمة الخليجية الراهنة بين الولايات المتحدة وإيران.
وبينما تبدو زيارة عبد المهدي مقررة إلى الكويت في إطار جولة تشمل دولا خليجية أخرى فإنها تأتي في ضوء مخرجات اللقاء السياسي الأخير الذي عقده الرئيس العراقي برهم صالح مع رئيسي الوزراء عادل عبد المهدي والبرلمان محمد الحلبوسي وكبرى القيادات الشيعية في العراق من أجل الخروج برؤية وطنية موحدة حيال التصعيد الأميركي ـ الإيراني في المنطقة.
ودعت الورقة التي خرج بها الاجتماع الرئاسي إلى إمكانية لعب العراق دور الوساطة بين واشنطن وطهران على أن يترجم بإرسال وفود إلى كلا الطرفين. غير أنه في الوقت الذي أكد فيه مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الوساطة التي تقوم بها بعض الدول في إشارة إلى كل من العراق وسلطنة عمان «لا تعني التفاوض مع أميركا»، فإن القائم بالأعمال الأميركي في العراق نفى علمه بوجود مثل هذه الوساطة.
وكان محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني أكد في بيان له تعليقا على عرض بغداد الوساطة في النزاع مع الولايات المتحدة أنه «لا معنى للتفاوض مع أميركا ما دامت تمارس الضغط علينا». وكان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قد أكد أول من أمس الثلاثاء، أن العراق يلعب دورا في محاولة حل الأزمة بين طهران وواشنطن، فيما أوضح أننا لسنا في وساطة لكننا نحاول نزع فتيل الأزمة والوصول إلى التهدئة التي تعطي الفرصة للأطراف للوصول إلى توافقات، والعراق صديق للجميع.
في المقابل، أكد القائم بالأعمال الأميركي في العراق جوي هود عدم علمه بوجود وساطة عراقية لتقريب وجهات النظر بين بلاده وإيران. وقال هود في مؤتمر صحافي في بغداد أمس إنه «يرحب بالفرصة بالتشاور مع الحكومة العراقية وتبادل وجهات النظر في ظل الاحتقان الموجود حاليا في المنطقة». وأضاف هود أنه «يمكن التواصل مع إيران بشكل مباشر». ونفى المسؤول الأميركي الأنباء التي تحدثت عن إمكانية زيادة القوات الأميركية حاليا في العراق. وأوضح أن «الهدف الآن هو الضغط الكبير لردع إيران وجلبها إلى طاولة المفاوضات وأن ذلك سيتم عبر وسائل دبلوماسية واقتصادية».
وفي هذا السياق رأى الأكاديمي العراقي الدكتور إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الصاروخ الذي أصاب المنطقة الخضراء أثناء الاجتماع الذي عقدته الرئاسات والقوى العراقية الرئيسية من أجل بحث فرص حل الأزمة بين واشنطن وطهران أو تخفيف حدة التوتر، كان مقلقا للجميع لكن الاجتماع ناقش مختلف مجريات الأزمة ووضع آليات وضوابط لكيفية التحرك، وبالتالي كانت مخرجاته السياسية إيجابية بشكل عام».
وأضاف أن «هناك ضغوطاً مورست على القوى العراقية القريبة من إيران من أجل إمكانية أن يتحرك العراق بطريقة سليمة مع أن استهداف السفارة في ظل عملية بحث عن فرص السلام شكلت نقطة تحول حيث إن هذا الصاروخ كان في الواقع أول احتكاك مع المصالح الأميركية في العراق وبرغم أن الفصائل أكدت أنها غير مسؤولة عنه لكن الأمر بالنسبة للولايات المتحدة سيكون مختلفاً وستكون له تداعيات كبيرة على مساعي البحث عن فرص السلام حيث يمكن أن يفاقم من عملية التوتر بين الطرفين».
إلى ذلك استمرت القيادات السياسية العراقية في إجراء مشاورات مكثفة في سبيل بلورة رؤية عراقية موحدة حيال الأزمة. وفي هذا السياق أكد زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم لدى لقائه وفدا من التيار الصدري أن «من الأهمية التأكيد على أن يمارس العراق جهدا نوعيا للمساهمة في التخفيف من حدة التصعيد الأميركي الإيراني الأخير». ورأى الجانبان أن العراق سيكون «أول وأكثر المتضررين من بين دول المنطقة فيما لو تطورت الأزمة ووصلت إلى الحرب». وطالب المجتمعون «جميع القوى السياسية بالعمل الجاد على منع نشوب الحرب واتخاذ الخطوات اللازمة لتجنيب العراق مضاعفات هذا التصعيد».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.