مادورو يطلب انتخابات مبكرة للبرلمان نكاية بالمعارضة

غوايدو يصف الدعوة بـ«مسرحية هزلية جديدة تؤدي إلى تفاقم الأزمة»

تزامنت المبادرة مع الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية  التي فاز بها مادورو بعد أن رفضت غالبية أحزاب المعارضة المشاركة فيها لاعتبارها غير دستورية (أ.ف.ب)
تزامنت المبادرة مع الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية التي فاز بها مادورو بعد أن رفضت غالبية أحزاب المعارضة المشاركة فيها لاعتبارها غير دستورية (أ.ف.ب)
TT

مادورو يطلب انتخابات مبكرة للبرلمان نكاية بالمعارضة

تزامنت المبادرة مع الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية  التي فاز بها مادورو بعد أن رفضت غالبية أحزاب المعارضة المشاركة فيها لاعتبارها غير دستورية (أ.ف.ب)
تزامنت المبادرة مع الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية التي فاز بها مادورو بعد أن رفضت غالبية أحزاب المعارضة المشاركة فيها لاعتبارها غير دستورية (أ.ف.ب)

دعا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى إجراء انتخابات تشريعية عامة مبكرة قبل نهاية العام الحالي لتجديد عضوية الجمعية الوطنية التي تنتهي ولايتها أواخر العام المقبل، وهي المؤسسة الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة وسبق أن «جرّدتها» المحكمة العليا من معظم صلاحياتها بعد استحداث مؤسسة الجمعية التأسيسية التي تعتبر امتداداً للنظام؛ إذ تشكّلت في انتخابات لم تشارك فيها الأحزاب والقوى المعارضة. وتأتي خطوة مادورو في سياق الجهود التي يبذلها النظام منذ أشهر لخفض الضغوط الدولية التي يتعرّض لها، ولزعزعة الدعم الذي يحظى به زعيم المعارضة خوان غوايدو. كما تتزامن هذه المبادرة مع الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية التي فاز بها مادورو بعد أن رفضت غالبية أحزاب المعارضة المشاركة فيها لاعتبارها غير دستورية. واحتفل مادورو بذكرى إعادة انتخابه، وذلك على الرغم من الأزمة السياسية والاقتصادية. وكتب مادورو في تغريدة عقب مسيرة في العاصمة كراكاس: «أشكر الشعب الفنزويلي لصموده وولائه ودعمه الحاسم لحكومتي خلال هذا العام، الذي واجهنا خلاله اختبارات صعبة واعتداءات وحصاراً إمبريالياً».
ويواجه مادورو أزمة دفعت أكثر من ثلاثة ملايين مواطن فنزويلي إلى مغادرة البلاد في ظل ارتفاع معدلات التضخم ونقص السلع. واعترفت عشرات الدول، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، بغوايدو رئيساً مؤقتاً لفنزويلا منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وجدير بالذكر، أنه سبق للرئيس الفنزويلي أكثر من مرة أن عرض هذا الاقتراح، في محاولة لكسب الوقت وتخفيف الضغط الشعبي القوي الذي يتعرّض له نظامه منذ مطلع هذا العام. وقال مادورو «أدعو المعارضة إلى المشاركة في انتخابات مسبقة لتجديد الجمعية الوطنية، ولكي نضفي شرعية على المؤسسة الوحيدة التي لم تكتسب الشرعية في السنوات الخمس المنصرمة»، مضيفاً: «لإظهار من يحظى بدعم الشعب». ورد غوايدو قائلاً: «في 20 مايو (أيار) 2018 أظهرنا أننا لا نؤمن بالمسرحيات. العالم واضح: اغتصاب السلطة هو نظير للتدمير، ونحن نرفض سرقة السيادة الشعبية». وأضاف: «مسرحية هزلية جديدة لن تؤدي سوى إلى تفاقم الأزمة».
لكن الاقتراح الذي تقدّم به خليفة هوغو تشافيز يأتي في سياق مفارقات والتناقضات التي تحول دون تفعيله في الظروف الراهنة. فهو يرمي إلى تجديد المؤسسة الوحيدة التي تقف بوجه النظام وتطالب بتنحّي مادورو، فضلاً عن أن المحكمة العليا، الخاضعة لسيطرة النظام، سبق وقررت منذ عامين إبطال الصلاحيات الاشتراعية للبرلمان وإلغاء القرارات الصادرة عنه والتي تتناقض كليّاً مع قرارات الحكومة، واعتبار أعضائه في حالة تمرّد رغم أنهم ما زالوا يجتمعون في مقرّ البرلمان أسبوعياً. ويذكر أن مادورو كان قد دعا في عام 2017 إلى انتخاب جمعية تأسيسية، ردّاً على فوز المعارضة بالأغلبية الساحقة بمقاعد الجمعية الوطنية.
يضاف إلى ذلك أن هذا الاقتراح الأخير يندرج في سياق الاتصالات الدولية المكثّفة التي جرت في الأسابيع الأخيرة بحثاً عن مخرج للوضع المتفجّر الذي بلغته الأزمة الفنزويلية. وكان مندوبون عن النظام والمعارضة قد عقدوا سلسلة من الاجتماعات في العاصمة النرويجية لبحث إمكانية التجاوب مع العرض الذي تقدّمت به النرويج لإطلاق عملية تفاوضية بين طرفي النزاع واستضافتها في أوسلو. ووصف مادورو في خطابه المفاوضات الاستكشافية بين ممثلي حكومته والمعارضة بوساطة النرويج «بالإيجابية للغاية». وأضاف: «أؤمن بالحوار وسيلةً للتغلب على اختلافاتنا، لكني أقوم بإعداد شعبي للدفاع عن وطننا».
كما أن مجموعة الاتصال التي شكّلها الاتحاد الأوروبي للتوسّط من أجل السعي لحل الأزمة الفنزويلية قد اوفدت بعثة إلى كراكاس الأسبوع الماضي، حيث اجتمعت بممثلين عن النظام والمعارضة وتركّزت مباحثاتها معهم حول تهيئة ظروف مقبولة من الطرفين لإجراء انتخابات تكون مدخلاً لحل الأزمة. وكان وزير الدولة الإسباني المكلّف شؤون التعاون الدولي وأميركا اللاتينية خوان بابلو لاايغليزيا الذي رأس بعثة مجموعة الاتصال إلى فنزويلا قد صرّح في أعقاب المحادثات قائلاً: «لمسنا استعداداً واضحاً لدى كل الأطراف للمشاركة في حوار بنّاء من أجل التوصّل إلى حل شامل للأزمة عن طريق الانتخابات». وقال مصدر أوروبي شارك في المحادثات: إن العملية الانتخابية المطروحة في الوقت الحاضر تقتصر على تجديد عضوية الجمعية الوطنية، وإن المعارضة تشترط للقبول بإجرائها حل الجمعية التأسيسية وإلغاء قرار إنشائها. ويذكر أن غوايدو، الذي يعتبر ولاية مادورو الرئاسية غير شرعية، يطالب منذ انتخابه رئيساً للبرلمان وإعلانه تولّي رئاسة البلاد بالوكالة في العاشر من يناير الماضي بحل الأزمة في حزمة شروط على ثلاث مراحل: إنهاء اغتصاب السلطة بتنحّي مادورو، تشكيل حكومة انتقالية ثم إجراء انتخابات رئاسية يشارك فيها تيّار تشافيز، لكن ممثلاً بشخص غير مادورو، مع ضمانات ومراقبة دولية للتأكد من شفافيتها ونزاهتها.
وكان ممثل خوان غوايدو في واشنطن كارلوس فكيو قد عقد اجتماعا مطولا أول من أمس (الاثنين) مع مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية، تناول البحث خلاله في «كل جوانب الأزمة الفنزويلية وجميع الخيارات المطروحة لحلها» على حد قوله. ومن العاصمة الأميركية أعلن اليخاندرو غريسانتي، مدير شركة النفط الفنزويلية الذي عيّنه خوان غوايدو مؤخراً، إن فنزويلا تحتاج إلى اثنتي عشرة سنة كي تعود إلى مستواها الاقتصادي قبل مادورو، وإنها «ستكون بحراً من الفرص عندما تنتهي حالة اغتصاب السلطة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.