داود أوغلو أمام امتحان «الشراكة والولاء»

صديق غل يتحول إلى شريك لإردوغان وشكوك حول قيامه بالحكم منفردا

داود أوغلو أمام امتحان «الشراكة والولاء»
TT

داود أوغلو أمام امتحان «الشراكة والولاء»

داود أوغلو أمام امتحان «الشراكة والولاء»

دخل أحمد داود أوغلو «المرحلة الثالثة» من حياته السياسية، بتوليه منصب رئيس حكومة تركيا بعد 12 سنة فقط من دخوله الحياة السياسية في البلاد، متخليا عن العمل الأكاديمي. وبدخوله إلى هذا الموقع، أصبح داود أوغلو مرة جديدة تحت مجهر الإعلام، وحسد السياسيين الطامحين لهذا المنصب. وهو موقف تكرر 3 مرات، أولا عندما عينه الرئيس عبد الله غل كبيرا لمستشاريه في عام 2002، وثانيا عندما عينه رجب طيب إردوغان وزيرا لخارجيته في عام 2008، وثالثا عندما اختاره رئيسا للحكومة، بدلا من كبار المرشحين لهذا المنصب، ومن بينهم الرئيس غل نفسه، الذي ذكره بطريقة غير مباشرة في آخر تصريحاته بأنه من احضره إلى الحياة السياسية.
وبتكليف داود أوغلو، يجد نفسه أمام عدة تحديات أساسية، أولها إثبات نفسه على أنه ليس «دمية بيد إردوغان» الذي يقال إنه منذ أن أصبح رئيسا للجمهورية يريد من يقود من خلاله البلاد بسبب الصلاحيات القليلة لرئاسة الجمهورية، والصلاحيات الكبيرة لرئاسة الحكومة. أما التحدي الثاني فهو إثبات نفسه كرئيس للحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ زمن طويل.
وداود أوغلو، قدم إلى السياسة من الحياة الأكاديمية، وهو رجل عصامي كون نفسه بنفسه، جراء ذكائه اللافت الذي خوله الانتقال من مرحلة إلى أخرى بسرعة قياسية، فخلال سنوات حياته تقلب من ابن الإسكافي، يتيم الأم، إلى معيد في الجامعة، ثم إلى مساعد لكبيرين في السياسة التركية، هما الرئيس عبد الله غل الذي أحضره إلى الحياة السياسية، والرئيس رجب طيب إردوغان الذي رفعه بين المناصب. وسرعان ما تحول «صديق» غل إلى شريك إردوغان.
ويرفض البروفسور برهان كور أغلو، المعيد في جامعة بهجة شهير - إسطنبول، وأحد المقربين جدا من داود أوغلو ما يقال عن حداثته في السياسة، مشددا على أن الأخير «ليس بالجديد على المسرح السياسي في تركيا فهو خاض العراك السياسي منذ عام 2001 عندما بدأ كمستشار لعبد الله غل ومن ثم أصبح المستشار الأول لإردوغان ومن ثم تربع على عرش وزارة الخارجية، إلى جانب ذلك فإن اختصاصه الأكاديمي هو السياسة والعلاقات الخارجية، ولهذا أقول إنه منذ 2002 إلى يومنا هذا يعني 12 عاما فعليا في السياسة». لكن كور أوغلو يشير إلى أنه في السنوات الثلاث الأخيرة «نزل داود أوغلو إلى الساحات مباشرة وبدأ بممارسة السياسة على أرض الواقع وبين الجماهير»، في إشارة إلى ترشحه للانتخابات النيابية في الانتخابات الماضية. ويقول كور أوغلو: «أعتقد حسب معرفتي بالسيد أحمد فإنه سيستخدم أسلوبا يختلف عن الأسلوب المتعارف عليه في تركيا في حكم البلاد، وعلى الرغم من أنه لم يأت من مؤسسات الحزب فإنه سيستخدم مهاراته وذكاءه في تسيير أمور الحكومة والحزب على أفضل وجه، ولهذا سيركز على الأسلوب الأكاديمي في الإدارة». ويضيف: «منذ ثلاث سنوات وهو ينزل إلى الساحات ويخاطب الجماهير مباشرة وأثبت جدارته في هذا المجال، السيد أحمد أيضا يختلف عن باقي السياسيين في أسلوب المخاطبة لأنه واثق من نفسه ولا يعد بشيء لا يمكن أن يحققه فجميع الوعود التي تعهد بها ينفذها حرفيا». ويشير إلى أنه «سيكون له أسلوب يختلف عن أسلوب أسلافه، لعدة أسباب منها أنه أتى من وسط أكاديمي وثانيا أنه صاحب مشروع إقليمي، ولهذا يتمتع بسمعة دولية حسنة، ولا يتردد في نقد الغرب كما يتمتع بعلاقات طيبة جدا مع المسؤولين في الدول الإسلامية وهو يتمتع بصفات القادة الذين يمكن أن يقودوا العالم الإسلامي إلى حقبة يفتخر بها الجميع». ويتابع: «تعيش المنطقة العربية مرحلة (الربيع العربي) منذ 4 سنوات، البعض يتهم داود أغلو شخصيا بأنه وراء فشل السياسة التركية في جميع المحطات، لكني أقول إنه لا يمكن أن نفصل تركيا عن محيطها الطبيعي فهي تتأثر بما يدور من حولها، وسلك أحمد داود أوغلو طريقا على أسس قوية وسليمة تجاه دول الربيع العربي، وما يعد فشلا حاليا هو في الأصل نجاح سنجني ثماره على المدى البعيد».
وانطلاقا من هذه المعطيات، يؤكد كور أوغلو أن «داود أوغلو سيستمر في هذا الطريق بعد تربعه على عرش رئاسة الوزراء وفي السياسة التي يتبعها سواء حيال سوريا أو العراق»، متوقعا أن «تشهد الدولة التركية عهدا من السياسة الخارجية الفعالة لم تعشه من قبل. وعلى الرغم من أنه سيعطي الدبلوماسية الداخلية حقها فإنه سيركز على أن يكون عصره العصر الذهبي للدبلوماسية التركية في المنطقة والعالم، والسبب بسيط، وهو أن داود أوغلو خبير في الشؤون والدبلوماسية الدولية». ويشير إلى أن داود أوغلو لن يقف مكتوفا حيال ما يجري في العراق والتغيرات على الساحة الميدانية والسياسية فيه وسيقوم بمبادرات تتماشى مع آخر التطورات في العراق، كما يمكن أن يبدأ المفاوضات مع مصر لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقا، وهذا لا يعني بأنه سيتخلى عن أسلوب الدبلوماسية القديم ولكن التغيرات على أرض الواقع ستجعله يستغل الفرص لصالح تركيا، كما سيركز على التعاون المشترك بين تركيا والمملكة العربية السعودية للعمل المشترك لحل المعضلات سواء في العراق أو ليبيا، كما ستعود تركيا لكي تكون وسيطا لحل النزاعات بين الإخوة المتناحرين ليس في المنطقة فحسب بل في العالم وخاصة في الجمهوريات «الناطقة» بالتركية ودول شرق أوروبا وعلى رأسها المعضلة في أوكرانيا.
أما عن العلاقة بين إردوغان وداود أوغلو، فيقول كور أوغلو: «يوجد بين الشخصين علاقات حميمة وطيبة جدا لأنهما يعملان منذ 12 عاما جنبا إلى جنب. وهذه العلاقات كانت مبنية على الاحترام من الطرفين، وأعتقد أن إردوغان سيقوم بمتابعة جميع أعمال وفعاليات هذه الحكومة عن كثب، أي كما قالها إردوغان من قبل بأنه لن يكون مثل رؤساء الجمهورية السابقين كاتب عدل للتوقيع على قرارات البرلمان والحكومة. لكن كور أوغلو يؤكد أن هذا لا يعني بأنه سيكون هناك صدام بينهما بل سيعملان في توافق تام، يعني سيكون هناك أسلوب جديد من الحكم سيجربه الطرفان في تركيا، وهذا لا يعني بأنه لن تكون هناك عقبات ولكن سيتخطيانها بأسرع ما يمكن.. ويختصر كور أوغلو المشهد بالمقبل بأن إردوغان وداود أوغلو سوف «يديران أمور البلاد بالشراكة».
وفي المقابل، يقول المحلل السياسي في جريدة «حرييت» علي أورنيك إنه من المؤكد أن إردوغان سيملي وداود أوغلو سينفذ. ويقول: «في الماضي كان إردوغان هو الذي يفكر ويدير البلاد وهو الذي كان يتصدى للهجمات من المعارضة، اليوم يضع داود أوغلو في الواجهة، ولهذا يجمع الخبراء في تركيا بأن داود أوغلو هو رئيس وزراء فقط بالوكالة، فالكلمة الأولى والأخيرة ستكون لإردوغان دون منازع». ويرى أورنيك أنه «لا أحد يمكن أن يخفي إحباطات وفشل هذا الرجل، فبسبب السياسة التي اتبعها حول محيط البلاد إلى بحيرة من الدماء في سوريا ثم العراق، وحوّل نظرة الغرب الإيجابية حيال تركيا إلي دولة تدعم الإرهاب والإرهابيين من القاعدة إلى النصرة وكان آخرها داعش». ويقول: «بهذه العقلية والأسلوب السياسي من الصعب قيام هذا الرجل بدور رئيس الوزراء لتركيا. والجميع يعرف أن السبب وراء اختيار إردوغان لداود أوغلو ليس النجاحات لأنه في الأصل لا يوجد له أي نجاحات بل السبب الحقيقي هو الولاء والطاعة العمياء التي يكنها داود أوغلو لإردوغان»، معطيا مثلا على «هذا الولاء الأعمى» وهو «وقوف داود أوغلو بجانب إردوغان قلبا وقالبا أثناء الحرب التي تجري الآن مع جماعة فتح الله كولن، ولهذا السبب قامت الجماعة بنشر شريط تسجيل صوتي لداود أوغلو ومستشار المخابرات هكان فيدان وهما يخططان لكيفية إرسال الأسلحة للمعارضة السورية. وهذا التسجيل يشكل الإثبات الأكبر لتورط تركيا في الحرب والإرهاب في سوريا، ولكن وعلى الرغم من هذا بقي داود أوغلو في مكانه كوزير للخارجية». ويشير أورنيك إلى أن «الجميع يعرف أن إردوغان لا يحبذ أن يكون رئيس جمهورية تقليديا للبلاد، هو يريد أن يكون رئيسا يمتلك بيده جميع السلطات، ولهذا لا يمكن أن يحقق آماله إلا من خلال داود أوغلو»
أما لفنت جولتكين، وهو كاتب من صحيفة «ستار» الموالية للحكومة، فيشكك بقدرة داود أوغلو على إدارة الحكومة. ويعد أن «الحقيقة التي يعرفها الداني والقاصي في تركيا هي أن السبب وراء اختيار إردوغان لدواد أوغلو هو قبول الثاني أن يكون الأول الشريك الفعال والقوي في رئاسة الحكومة، أو بمعنى آخر كان إردوغان يبحث عن شخص يقبل أن يكون رئيسا بالوكالة وينفذ ما يطلب منه دون أي نقاش».
وعما إذا كانت تركيا ستعيش عصر تورغت أوزال الذي كان يدير البلاد من خلال رئيس الوزراء يلدرم اك بولوط مرة أخرى، يقول: «ليس تماما لأن اك بولوط تمرد في آخر المطاف على أوزال» من دون أن يستبعد تمردا لاحقا من قبل داود أوغلو. ويرى جولتكين أن جميع هذه الخصائص التي يتمتع بها داود أوغلو تعد إيجابيات لصالح إردوغان، ولكن هذا الوضع سيترتب عليه سلبيات للحزب، كما أن عدم استطاعة داود أوغلو نسج علاقات مع أرضية وكوادر الحزب ستكون من أكبر العوائق التي ستواجهه في الأشهر الستة المقبلة، ولكن إذا استطاع داود أوغلو أن يحقق نجاحا كبيرا في الانتخابات البرلمانية فعندئذ سيتمرد على إردوغان وسيقول له أنا الذي حققت هذا النجاح وليس أنت. وأنا الآن أستحق منصب رئاسة الوزراء لوحدي دون شريك».
لكن جولتكين يؤكد أن الاستطلاع الذي أجري بين كوادر وقيادات الحزب حول من هو الشخص الذي يرغبون أن يكون زعيما لهم بعد اعتلاء إردوغان سدة رئاسة الجمهورية، كانت نتيجته أن نسبة 70 إلى 80 في المائة أرادوا أن يكون عبد الله غل زعيما لهم ورئيسا للوزراء. الاعتراض الآن في الحزب هو أن من حق إردوغان ألا يرشح غل، ولكن يوجد البديل الثاني والثالث والرابع، إردوغان تركهم جميعا وذهب لترشيح البديل الأضعف والأخير في القائمة، وهذا ترشيح غير طبيعي، ولهذا سيترتب على هذا الترشيح غير المنطقي أن الكوادر في الحزب والناس العاديين سيكتشفون أخطاء داود أوغلو أولا بأول، وسيمتعض الجميع من كل قرار يتخذه.
ويكرر أن داود أوغلو «لا يوجد له لا شعبية ولا أرضية داخل الحزب، فهو إنسان محيطه أكاديمي ينظر إلى الناس بنظرة فوقية يمتلك وقفا يديره بنفسه، أدخل جميع تلاميذه الذين يعتمد ويثق بهم إلى أروقة الحزب وفي أماكن حساسة، وهم أيضا جميعا لا يوجد لهم علاقة بالفكر المللي (الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان) ولا لهم علاقة بالمحيط الإسلامي المحافظ الذي يمتد الحزب قوته منه، وهذه الطغمة لا يتناسب نسيجها مع نسيج الحزب»، معربا عن اعتقاده أن «القادة في الحزب (الحاكم) لن يفعلوا ما فعل البعض في حزب الشعب الجمهوري المعارض بالوقوف متفرجين، فهؤلاء، سيقومون بتسجيل أخطائه وهذا سيترتب عليه استنزاف قوته بسرعة وسيتناقص الدعم له كل يوم مما سيجبره على التخلي أو التمرد».
ويشير جولتكين إلى أن «داود أوغلو رجل أكاديمي لم يدخل في ملفات الفساد والرشى التي يتهم بها الكثير من وزراء الحزب، فإردوغان أقام مع المقربين له دائرة من العلاقات التجارية ويريد شخصا نظيفا لا يوجد له علاقة بالفساد أن يدير هذه الحلقة». ويضيف: «داود أوغلو يمكن أن يقبل بعض التعليمات من إردوغان بإعطاء بعض المناقصات الهامة لهذه الشركة أو تلك المجموعة، ولكن أعتقد بعد حين سيرفض هذه الإملاءات، ولكن لن يرفض أي طلب إلى الانتخابات التي ستجري في عام 2015، وأعتقد أن العلاقات ستكون بينهما كما كانت من قبل علاقة رئيس بمستشاره وليس كرئيس للوزراء».
العلاقة مع الحزب:
تشكيك وحسد من البعض
تبدو العلاقة بين داود أوغلو والحزب الحاكم من أكثر العوائق التي تقف في وجه طموحه السياسي، فهو الآتي حديثا إلى الحزب، يواجه نظرة تشكيك من قدمائه، وأحيانا نظرة حسد لصعوده السريع والكبير.
لكن كور أوغلو يقول إنه «قبل أن يعلن اسم داود أوغلو كان هناك استفتاء بين جميع كوادر الحزب أعضاء البرلمان والوزراء على من يريدون رؤيته على رأس الحزب والحكومة، الأغلبية العظمى أعلنت بأنها تريد داود أوغلو، وليس كما يحلو للبعض قوله بأن اختيار داود أوغلو كان فقط من قبل إردوغان، كما أن النظام الداخلي للحزب الذي ينص على مدة ثلاث دورات كحد أقصى لأعضاء الحزب يجعل من داود أوغلو الأكثر حظا في الترشيح، كما أن نجاحاته المحلية والدولية والكاريزما التي يتمتع بها أيضا لعبت دورا مهما في ترشيحه»، معربا عن «اعتقاده أنه لن يكون هناك أي صعوبات في تقبل كوادر الحزب لأنهم هم الذين اختاروه قبل أن يعلن إردوغان اسمه»، عادا أن هذه الفترة ستكون بالنسبة له «امتحانا عسيرا ولكنه سيخرج منه ووجهه أبيض».
وفي المقابل، يشير المحلل السياسي في جريدة «حرييت» علي أورنيك إلى أن داود أوغلو هو من الذين دخلوا إلى الحزب لاحقا، وهو الوحيد الذي لا يمتلك أرضية أو مجموعة من الكوادر الحزبية التي تدعمه، وليس مثل القادة الآخرين حيث لكل واحد منهم مجموعاته الحزبية والإقليمية، ولهذا يقع بين الفينة والأخرى صدام فيما بينهم. ويعد أورنيك أن «داود أوغلو لا يتمتع بأرضية صلبة في الحزب يمكن استخدامها كوسيلة لرفض أي طلب من إردوغان، وإردوغان يعي هذا جيدا ولهذا اختار أضعف الحلقات في الحزب لترؤس الحكومة والحزب وبهذا يبقى مواليا ومطيعا دون سؤال».
ويشير إلى أن (المرشح السابق لرئاسة الحكومة والحزب) بن علي يلدرم ليس الوحيد الغاضب من ترؤس داود أوغلو الحكومة، ولكن الأغلبية العظمى من المؤسسين وعلى رأسهم بولانت ارنج، الذي سيحال للتقاعد من البرلمان حسب النظام الداخلي للحزب غاضبة. لكنه يشدد على أنه «لن نرى أي صدامات تذكر إلى حين الانتخابات البرلمانية العام المقبل، أي يوجد أمام داود أوغلو مدة 6 أشهر لن يواجه بها إلا المعارضة الخارجية من الأحزاب الأخرى، والداخلية ستكون بعد الانتخابات مباشرة».
أما لفنت جولتكين، فيقول إن داود أوغلو «هو الشخص الوحيد في الوسط الإسلامي الحالي الذي لم يأت من منابر السياسة، فهو رجل يتمتع بخلفية ثقافية عالية، كما أنه رجل أكاديمي، ولهذا لا يوجد له أي علاقات حميمة مع القاعدة الحزبية للعدالة والتنمية، ولهذا السبب يوجد فتور بينة وبين القادة والإداريين في الحزب، فلو سألتني كخبير في الأحزاب ومقرب من مراكز القرار في حزب العدالة والتنمية، فأنني أقول لك بأن داود أوغلو سيأتي في مؤخرة القائمة التي يمكن أن يرشحها كوادر الحزب لرئاستهم، ولكن هذه الأسباب هي التي شجعت إردوغان لترشيح داود أوغلو، وهذا ليس استنتاجا أو تحليلا مني ولكن هذا ما أجابني به أصحاب القرار في الحزب، لأنه من خلال أحمد داود أوغلو سيتمكن إردوغان من التحكم والسيطرة وإدارة الحزب من بعيد»، ويرى أنه في حال حصول أي مشكلة «سيذهب الوزراء وأعضاء البرلمان ورؤساء التشكيلات ورؤساء البلديات إلى إردوغان مباشرة لحل معضلاتهم، لأنهم يؤمنون بأن داود أوغلو لا يمتلك الصلاحية ولا السلطة لحل المعضلات التي ستواجه الحزب، والسبب الأهم هو أنه آت من وسط أكاديمي وينظر إلى جميع كوادر الحزب بما فيهم القادة بنظرة فوقية، ويعد نفسه أنه أفضل منهم جميعا».
ويقول جولتكين إن داود أوغلو «رجل لا يوجد له أي علاقة بالقاعدة الحزبية لا من قريب ولا من بعيد، ولكنه يتمتع بقوة كبيرة وهذا نموذج جديد من السياسة يجرب الآن في تركيا، رجل له طموحات إقليمية ويوجد من حوله طاقم قوي يتحكم بالخارجية، ومحيطه يختلف عن محيط الحزب وعن الوسط الإسلامي المحافظ». ويضيف: «أنا أعرف السيد أحمد عن كثب منذ أن دخل كمستشار في الحزب، لم يحاول في يوم من الأيام التقرب من كوادر الحزب وتعمد بكل قوة أن يكون له محيط خاص به، لا يحتك أبدا بالآخرين في الحزب، والسبب في هذا أنه كان ينظر إلى الأغلبية العظمى من المسؤولين في الحزب وعلى رأسهم إردوغان بأنهم لا يستحقون أن يكونوا في تلك المناصب التي يشغلونها، وكان يكرر أكثر من مرة (لا يمكن الاستمرار مع هؤلاء الجهلة)»، لأنهم من وجهه نظرة «ينظرون إلى الأحداث بنظرة سطحية بما فيهم الوزراء». ويذكر جولتكين أنه بعد انتخابات 2007 وعندما انتخب غل رئيسا للجمهورية، استقال داود أوغلو من منصبة كمستشار وجمع حقائبه ورجع إلى إسطنبول، وعندما سئل عن السبب قال بالحرف الواحد «إن جميع قيادات الحزب وكوادره الإدارية جهلة ولا يفقهون شيئا ومستواهم التعليمي بسيط وأغلبهم من عامة الشعب، ولا يمكن الاستمرار معهم في نفس الطريق». ولكن بعد 45 يوما اتصل به إردوغان وسأله أين أنت فقال إنه رجع إلى إسطنبول، فقال له بأن مكانك هنا بجانبي، عد إلى أنقرة، فعاد. ويضيف: «داود أوغلو إلى هذا اليوم لم يغير وجهه نظرة حيال قيادات الحزب ويعدهم جهلة لا يفقهون شيئا، ولهذا أعتقد أن عمر حكومته ورئاسته للحزب لن يكون طويلا».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.