لمعت أسماؤهم في عالم الأزياء، وأصبحوا بين نخبة المشاهير يتهافت عليهم نجوم الفن والسينما والرياضة والأثرياء يتبرّجون بآخر مبتكراتهم ويفاخرون بها، ثم توسّعت دائرة نشاطهم التجاري لتشمل العطور ومستحضرات التجميل والمفروشات، إلى أن حطّوا رحال إبداعاتهم مؤخراً في قطاع الفنادق الفخمة التي تحمل علاماتهم المميّزة وتعبق بنفح أساليبهم الخاصة التي تخرج عن الشائع المتكرر برتابة مملّة في هذا القطاع، وتضفي عليه تفرّداً منعشاً يعيد إليه بعض البهاء الذي افتقده مع عولمة السياحة والسفر على مرّ السنين.
إنهم المصممون الكبار الذين لجأت إليهم بعض الشركات الفندقية الشهيرة لوضع لمساتهم على بعض مؤسساتها الراقية، أو قرّروا هم خوض هذا القطاع وتأسيس فنادق تحمل أسماءهم وبصماتهم، ويطلقون فيها العنان لمبتكراتهم في تصاميم حصريّة للمفروشات والأقمشة والثريّات ولوازم الحمّام وأطقم المائدة والمقاهي والمطاعم التي تبوح بأساليبهم الدّالة على هويّاتهم وإبداعاتهم.
دُبي هي المدينة التي اختارها الإيطالي جيورجيو أرماني ليقيم أوّل فندق من تصميمه في أسافل أعلى برج في العالم، برج خليفة، حيث تتمازج البساطة بالرقي والخطوط الناعمة بالألوان الخافتة والموّشحة التي يتميّز بها أسلوبه الشهير. يتوزع على 160 غرفة وخمسة مطاعم ومتاجر فخمة، إضافة إلى ناد للاستجمام والعناية التجميلية والراحة، تشكّل كلها واحة من الأجواء والخدمات الراقية والسكينة في قلب المدينة الصاخبة التي لا تنام. وبعد النجاح الذي أصاب مشروع أرماني الإماراتي، قرّر المصمم استنساخ تجربته في ميلانو التي انطلق منها إلى العالم وافتتح مؤسسته الفندقية الثانية التي ما لبثت أن أصبحت ملتقى المشاهير الذين يتوافدون على عاصمة الشمال الإيطالي التي تعتبر أحد الأقطاب العالمية للأزياء والتصميم.
المصمم الفرنسي كريستيان لاكروا اختار الحي اللاتيني العريق في باريس، الذي يعجّ بصالات العرض الفنّي الراقية والمقاهي والمطاعم والمكتبات التي يتسكّع فيها مشاهير الرسم والنحت والأدب، ليقيم فندقه الذي يضمّ 26 غرفة مصممة بانتقائية لافتة ومزّينة بأسلوب باروكي ومفروشات قديمة وتحف فنّية وأجواخ فاخرة تنقل النزلاء إلى عالم تفرّد لا كروا برسمه وصونه على مرّ السنين.
وفي العاصمة الألمانية برلين ترك لنا كارل لاغرفيلد، الذي غاب مؤخراً وهو في أوج تألّقه على رأس دار شانيل، تحفته الفندقية في حي «غرونيوالد» الذي يعتبر أرقى أحياء المدينة. قام بترميم وتجديد منزل باروكي قديم يعود للقرن السابع عشر، وأعاد توزيعه على 53 غرفة وجناحين كبيرين يطلّان على حديقة هادئة يتوسطها مقهى يبعد عشر دقائق عن الوسط التجاري.
من السبّاقين في هذا المضمار دار فيرساتشي الإيطالية التي كانت بين دور الأزياء الأولى في خوض عالم الهندسة الداخلية والمفروشات وأدوات الزينة المنزلية، وأقامت فندقها الأول على الساحل الذهبي في أستراليا الذي أصبح أحد معالم السياحة الراقية في تلك البلاد. ويضمّ «قصر» فيرساتشي الأسترالي 200 غرفة صُممت مفروشاتها خصيصاً لها، واستخدمت فيها أقمشة من الحرائر النفيسة ورخام من مقالع كارارا الإيطالية التي خرجت منها روائع مايكل أنجلو وبرنيني، إضافة إلى الفسيفساء البرازيلية وأدوات حصرية للمائدة... وثريّا نفيسة كانت من المقتنيات العزيزة على قلب جياني مؤسس الدار وعلامتها المميزة.
لكن لؤلؤة فنادق دار فيرساتشي هو «البالاتزو» الذي يحاذي شاطئ خور في دبي ويجمع بين المعمار الكلاسيكي الإيطالي والهندسة العربية في قرية الثقافة التي تحفل بالفعاليات الثقافية والفنية على مدار السنة. على مدخله الشاهق يستقبلك شعار قنديل البحر الذي يشكّل علامة الدار الشهيرة والخطوط الإغريقية التي تتميّز بها، وتحيط به حدائق هندسية على الطراز الإيطالي تتوسطها نوافير رخاميّة بيضاء، وحولها مسابح لولبيّة فُرش قاعها بالفسيفساء التي تزيّن متاجر فيرساتشي حول العالم وترتفع على جوانبها أشجار النخيل الباسقة بانتظام هندسي متناغم. ويضمّ الفندق، إضافة إلى غرفه وأجنحته المفروشة بأثاث حصرية وأقمشة الدار الفاخرة، عدداً من المقاهي والمطاعم الراقية والقاعات الفسيحة التي تستضيف أشهر حفلات الزفاف والفعاليات الاجتماعية.
ومن الرائدين أيضاً في هذا المجال المصمم الفرنسي كريستيان ديور الذي زرع قطعة من باريس في قلب مانهاتن عندما أشرف على تجديد فندق سانت ريجيس التاريخي الذي بناه جون جاكوب آستور عام 1904 في نيويورك. كل ما في المبنى العريق الذي يضمّ اليوم 182 غرفة و74 جناحاً، يذكّر بعاصمة النور التي كانت قبلة الأثرياء الأميركيين ومحطّ رحالهم الأول في أوروبا: أجواء مشغل ديور في باريس، الألوان الرمادية والبيضاء والبنفسجية التي أدمن عليها في كل مراحل تألقه، ثريّات الكريستال واللوحات المائية التي كان يقتني نخبة من أنفسها، إضافة إلى الأقمشة المطرّزة والجلد الفاخر والستائر الحريرية التي تزيّن الجناح الرئيسي الذي تبلغ مساحته 170 متراً مربّعاً في الطابق الثاني عشر ويطلّ على حديقة سنترال بارك الرئة الكبرى لعاصمة ناطحات السحاب.
فندق «كريّون» الفرنسي العريق الذي كان يرتاده الملك لويس الخامس عشر وماري انطوانيت، لجأ هو أيضاً إلى كارل لاغرفيلد عندما أنفق 250 مليون دولار لتجديد غرفه وتجهيزاته، وعهد إليه ديكور «الأجنحة الكبرى» التي استحضر فيها المصمم الكبير أناقة باريس الكلاسيكية وأجواء العاصمة الفرنسية قبل اندلاع الثورة.
عائلة «فيراغامو» الإيطالية التي بنت مجد علامتها الشهيرة على مصنع الأحذية الحرفيّة الذي افتتحه الجد المؤسس في فلورانس عام 1928 وكان بين زبائنه عدد كبير من نجوم هوليوود والعائلات المالكة في أوروبا، افتتحت مؤخراً فندقين في روما وفلورانس تحت اسم لونغارنو تيمّناً بالنهر الذي يعبر عاصمة توسكانا بالقرب من المقرّ الرئيسي للدار. وقد حذت حذوها دار «فندي» الراقية التي دشّنت في العام الماضي مجموعة من الأجنحة الفخمة في أحد المباني العريقة بالقرب من مقرّها الرئيسي في الوسط التاريخي للعاصمة الإيطالية، وكلّفت كبير مصمميها الإشراف على الديكور الفاخر الذي يحمل دمغة العلامة الشهيرة.
دار «ميسوني» من جهتها تحالفت للدخول في هذا القطاع مع شركة «ساس» التي تعتبر من كبريات الشركات الفندقية العالمية، وافتتحت ثلاثة فنادق كان أولّها في الكويت ضمن مجمّع «سيمفوني» المعروف المطلّ على الخلية العربي، ويضمّ 200 غرفة وعدداً من المطاعم والمقاهي التي تحمل طابع وأسلوب الدار الإيطالية المعروفة. كما افتتحت فندقاً في ادنبرة، وآخر في دبي على طرف جزيرة النخلة يذكّر بقرية متوسطية وبأجواء الفيلا التي تملكها عائلة ميسوني في جزيرة سردينيا.
أما مجوهرات «بولغاري» التي حققت نجاحاً تجارياً كبيراً في العقدين الماضيين بدخولها عالم العطور أولاً، ثم عالم الكماليات النسائية والرجالية ثانياً، فقد كان دخولها القطاع الفندقي سريعاً وواسعاً إذ أصبح لها خمسة فنادق منتشرة في ميلانو ولندن وبكين وبالي ودبي، ومطعمان في أوساكا وطوكيو. وقد أتيحت لي منذ فترة وجيزة زيارة هذا الأخير في العاصمة اليابانية، والتمتّع بالمطبخ الإيطالي الأصيل في بلاد الشمس الطالعة، والتعرّف على مجموعة الشوكولا الفاخرة التي قررت الدار إطلاقها عالميّاً. ولا يزال فندق «بولغاري» في جزيرة بالي حالة مميّزة في دنيا المنتجعات الساحرة، يجمع بين جمال الطبيعة الخلّابة والهندسة البيئية التي تستلهم خطوطها من الموروث المحلّي العريق، والأسلوب المميّز للدار العالمية.
ولعل النجاح الذي حققته فنادق كبار المصممين هو الذي دفع علامات تجارية شهيرة في عالم صناعة الكريستال مثل «باكارا» و«لاليك» إلى خوض هذا الغمار، فكان للأولى فندق يعتبره كثيرون الأفضل حالياً في نيويورك يزخر بمصنوعات الكريستال الفاخر واللون القرمزي الذي اشتهرت به العلامة، وللثانية فندق صغير من 6 غرف في المنزل الذي سكنه مؤسس الدار رينيه لاليك في إقليم آلزاس الفرنسي بالقرب من الحدود الألمانية، حافظ على مفروشات العائلة وبعض تحفها التي تزيّن المطعم الحائز على نجمتين ميشلان.
جولتنا على هذا العالم الذي يتفرّد بأسلوبه وتصاميمه وجودة خدماته في عالم الفنادق، كان لا بد أن تنتهي عند الرائدة الأولى: كوكو شانيل والجناح الذي أمضت فيه آخر سنوات حياتها في فندق ريتز الأسطوري بالعاصمة الفرنسية. فقد أحبّت سيّدة الأناقة الباريسية هذا الفندق إلى درجة أنها قررت أن تجعل فيه منزلها، وبادلتها إدارة الفندق العرفان بأن عرضت عليها أن تتولّى بنفسها الإشراف على ديكور جناحها الذي ما زال إلى اليوم يحمل لونيها المفضّلين: الأسود والأبيض، ومرايا الكريستال والأخشاب اليابانية، ومجموعة من الكتب التي تواظب على مطالعتها. لكن الراغب بالنزول في جناح شانيل الذي قررت الإدارة عدم الكشف عن سعره للجمهور العام بعد التحديثات والتجهيزات الأخيرة التي خضع لها الفندق، عليه أن يتحلّى بالصبر لأن لائحة الانتظار تزيد على السنة.
فنادق الموضة... تعكس أسلوب مصمميها
من {أرماني} و{فيرساتشي} إلى {بولغاري} و{ميسوني}
فنادق الموضة... تعكس أسلوب مصمميها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة