من حبي للسفر كنت أتردد على المطار لرؤية إقلاع الطائرات

رحلة مع الملحن وعازف العود المغربي الحاج يونس:

الحاج يونس في فيتنام
الحاج يونس في فيتنام
TT

من حبي للسفر كنت أتردد على المطار لرؤية إقلاع الطائرات

الحاج يونس في فيتنام
الحاج يونس في فيتنام

يحظى الفنان الحاج يونس بشهرة واسعة في المغرب، كملحن وعازف ممتاز على العود، ورئيس للتعاضدية الوطنية للفنانين؛ يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه عاشق كبير للسفر، جال في كثير من بلدان العالم، غالباً لتقديم عروض موسيقية في مسارحها. رحلته الأخيرة أخذته إلى ست دول أوروبية على مدى شهر كامل، استمتع فيها بطبيعة سكانها ومتاحفها ومسارحها. يقول لـ«الشرق الأوسط»:
- أنا مدمن على السفر، ولا أتصور الحياة من دونه. المسألة لم تبدأ معي أخيراً بل منذ سنوات بعيدة حيث كنت أتردد على مطار محمد الخامس الدولي بين الفينة والأخرى فقط لتناول فنجان قهوة، ورؤية الطائرات وهي تحلق عالياً، ثم أعود إلى مسكني في مدينة الدار البيضاء في آخر النهار وأنا سعيد.
- علاقتي بالسفر بدأت في عام 1975 حين أديت مناسك الحج. كانت تجربة روحانية لا توصف، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحن لتلك الربوع التي أحسب فيها بالراحة وسلام مع الذات. بعد ذلك أخذتني أعمالي إلى عدة بلدان في دول آسيا. زرت مثلا الهند وكمبوديا وتايلاند وفيتنام ونيبال في مناسبات كثيرة، واكتشفت أن هناك شيئاً ما عصي عن التفسير يجذبني إليها وإلى ناسها ومناخها وطبيعتها ومتاحفها وقلاعها، إلى حد أنني لا أملّ من تكرار التجربة مرات ومرات. أذكر أنني في المرة الأولى التي زرتها فيها، بكيت هناك تأثراً، إزاء مخلفات الاستعمار وآثار الحروب الدموية. عندما أزورها فأنا من النوع الذي يميل إلى سياحة المغامرات وزيارة حدائق الحيوانات، المفترسة تحديداً، لأن لدي عشقاً كبيراً لهذه الحيوانات منذ الصغر، خصوصاً النمور. فأنا لا أراها تهاجم أحداً إلا إذا كانت جائعة، وهذا شيء طبيعي لسد رمقها والبقاء.
- هذا على المستوى الإنساني أما على المستوى الإبداعي فكما أنا مدين للسفر بتوسيع آفاقي واطلاعي على ثقافات الغير، أدين لعودي بالمثل. فهو يفتح أمامي الكثير من الأبواب المغلقة. أذكر مرة أنني كنت واقفاً في طابور طويل في مطار جون كيندي بنيويورك، أنتظر دوري لختم جواز السفر. كنت أحمل عودي فوق كتفي، وإذا بشرطي أميركي ينادي علي، ويساعدني على إنهاء المعاملة في أسرع وقت، في لمسة تعبر عن مدى التقدير لمكانة الفنان لدى الغرب، بغض النظر عن جنسيته.
- منذ الصغر وأنا أتعامل مع السفر كضرورة للاطلاع على ثقافات وحضارات العالم، وطبعاً التمتع بتضاريسها والانغماس في طبيعتها، إلى جانب المشاركة في تظاهراتها الثقافية ومهرجاناتها الفنية.
- من المواقف الطريفة التي اعترضتني في السفر وأعتبرها من أجمل ذكرياتي، أنني كنت مرة أرتشف قهوة في مقهى بشارع الشانزلزيه بباريس، وإذا بأفراد من الجالية المغربية يتعرفون علي وبدأوا في التجمع لالتقاط صوراً تذكارية معي. بعد فترة قصيرة، أُفاجأ بالممثل المصري عادل إمام ينزل من الطابق العلوي للمقهى، حيث كان جالساً، بعد أن عرف من أحد مرافقيه من أكون، وبادرني قائلاً بتواضعه وروحه المرحة، ولهجته المصرية المحببة: «أنا كمان عايز آخد معاك صورة». لا أنسى هذا الموقف، لأنه ترك في نفسي أثراً عميقاً لا يُنسى أبداً، وزاد من محبتي لهذا الفنان الكبير.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».