مصر: محاسبة الدراما بمعايير أخلاقية تصطدم بحرية الإبداع

«هوجان» الأعلى في المخالفات... و«حكايتي» الأقل

لقطة من مسلسل «حكايتي» للفنانة ياسمين صبري  -  بوستر مسلسل «هوجان» للفنان محمد عادل إمام
لقطة من مسلسل «حكايتي» للفنانة ياسمين صبري - بوستر مسلسل «هوجان» للفنان محمد عادل إمام
TT

مصر: محاسبة الدراما بمعايير أخلاقية تصطدم بحرية الإبداع

لقطة من مسلسل «حكايتي» للفنانة ياسمين صبري  -  بوستر مسلسل «هوجان» للفنان محمد عادل إمام
لقطة من مسلسل «حكايتي» للفنانة ياسمين صبري - بوستر مسلسل «هوجان» للفنان محمد عادل إمام

أثار التقرير الرسمي الأول للجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، جدلاً كبيراً في مصر، بعد رصده مئات المخالفات في 18 مسلسلاً، من بينها «ألفاظ سوقية»، و«إيحاءات جنسية»، و«تشويه صورة المرأة»، و«عدم احترام اللغة العربية»، و«عدم احترام للهوية المصرية والعربية»، ما اعتبره صناع الدراما والنقاد أمراً غريباً وغير منطقي، يصطدم بحرية الإبداع والفن.
وأصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بداية الأسبوع الجاري، تقرير لجنة الدراما الأول، الذي يتضمّن تقييماً للأعمال الدرامية التي عُرضت في الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، في عدد من القنوات الفضائية.
ووفقاً لتقرير لجنة الدراما، رُصدت 948 مخالفة في 18 مسلسلاً، وقد حصل مسلسلا «حكايتي» بطولة ياسمين صبري على قناة «دي إم سي»، و«طلقة حظ» بطولة مصطفى خاطر على «سي بي سي»، على أفضل عملين خاليين من أي مخالفات، بينما كان أكثر عمل حصولاً على المخالفات هو «هوجان» بطولة محمد عادل إمام على قناة «الحياة». وأفاد التقرير بأن «الألفاظ السوقية» و«الإيحاءات الجنسية»، و«مشاهد العنف»، هي أكثر المخالفات التي ارتُكبت.
وأثار تصنيف بعض المخالفات التي ذكرتها لجنة الدراما، انتقادات المتابعين والنقاد لاحتوائها على معانٍ ومفاهيم فضفاضة وغير دقيقة، ولا يوجد لها معايير أخلاقية محددة في القانون المصري أو التقاليد العامة.
الناقد الفني المصري، محمد عبد الرحمن، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «أحد أكبر المشكلات التي باتت تواجه الدراما في مصر هي تعدد الجهات التي تمارس الرقابة على الدراما، والتي لا يكون أعضاؤها في بعض الأحيان على دراية بما وصلت إليه الدراما من تطور». مضيفاً: «هناك فرق بين أن يحدث رفض مجتمعي لتجاوزات تشهدها مسلسلات معيّنة، وأن تُمسك الرقابة بسكين وتقف عند كل جملة في مسلسلات بعينها، باعتبار أنها يجب أن تخضع للمناقشة وللمراقبة. فقد اعتدنا أن تكون هناك رقابة مسبقة على الحلقات من جهات الرقابة، أمّا الآن فنرى تقارير من جهات مختلفة ومن لجنة الدراما».
ولفت عبد الرحمن، إلى أن «تلك اللجان لا تتحدث عن إيجابيات الدراما، وهذا يسبب إحباطاً وعزوفاً لدى صناعها، ويعطّل عملية الإنتاج، فيجب أن تكون هناك مبررات واضحة للانتقادات، وأن تكون في صلب الموضوع، وليس بطريقة التصيّد لمسلسلات بعينها وهذا أمر غير مفهوم. فصناعة الدراما بشكل عام، تواجه خطراً كبيراً، ونحن أمام جمهور يرى التجاوزات على شبكات أجنبية مثل (نتفليكس)، فيجب أن يكون مبرر الانتقادات لدى تلك اللجنة قوياً وليس بطريقة تصيُد الملاحظات السلبية بشكل مبالغ فيه».
وتصدر مسلسل «هوجان» بطولة محمد عادل إمام، المعروض على قناة «الحياة»، قائمة مخالفات لجنة الدراما، بواقع 166 مخالفة، تتوزّع بين ألفاظ سوقية، ومشاهد عنف، وإيحاءات جنسية، وتدخين، وشرب مخدرات، وعدم احترام القانون، ومخالفات لكود الطّفل، وعدم احترام اللغة العربية.
كما تضمّن مسلسل «الواد سيد الشّحات»، المعروض على قناة «دي إم سي»، بطولة أحمد فهمي 135 مخالفة، تلاه مسلسل «مملكة الغجر»، بطولة حورية فرغلي وفيفي عبده المعروض على قناة «النهار»، بواقع 105 مخالفات. وفق ما أعلنه المجلس الأعلى للإعلام في تقريره.
الكاتب والناقد الفني عبد الله غلوش، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قد تكون ملاحظات لجنة الدراما ذات أهمية إذا كانت تُطبّق على كل الأعمال الدرامية، لكنني أرى أنها موجهة لمسلسلات بعينها وتتجاهل أخرى، علاوة على أن المعايير التي تُطبّق غير ملائمة لطبيعة العصر الذي نعيشه، ربما كانت تصلح في الثمانينات، أو عندما كانت المسلسلات تُعرض على القناتين الأولى والثانية في التلفزيون المصري، ولكن الآن، ما قيمة حذف مشهد في قناة مصرية إذا كان المشاهد يستطيع أن يشاهده على قناة أخرى، أو حتى على (يوتيوب)، فالقيود على أي عمل فني ليست ذات جدوى، هناك معايير تحكمها عاداتنا وتقاليدنا من دون وصاية».
وأفاد تقرير لجنة الدراما أيضاً بأن مسلسل «قابيل» المعروض على قناة «إم بي سي» مصر، بطولة محمد ممدوح، فيه 89 مخالفة.
في المقابل، قال المخرج مجدي لاشين رئيس لجنة الدراما في المجلس الأعلى للإعلام، لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجنة لا تعمل ضد حرية التعيير والإبداع، بل تطالب به في إطار المسؤولية الاجتماعية». وأضاف: «المشاهد قبل المتخصص يعلم جيداً اللفظ السوقي، والإيحاء الجنسي، وعدم احترام التقاليد، وبالتالي فتوصيفات اللجنة ليست فضفاضة أو مطاطة ومعناها محدد ومركز، ومعروف للجميع، وما تعمل عليه اللجنة حالياً هو محاولة لضبط المشهد للارتقاء بالذوق العام».
وأوضح لاشين أن «توصيف المخالفات قد لا يعجب صناع الدراما أحياناً، لأنها ليست معادلة رياضية أو كيماوية نتيجتها محددة، بل كلّها وجهات نظر قد يتّفق ويختلف حولها الجميع». كما لفت إلى أن «الإبداع لا يعني نقل الواقع أو مصطلحات الشارع كما هي بشكل دقيق، لأن المسلسلات تتابعها جميع الأسر وجميع الفئات، وكثيرون منهم قد يتأذّون من سماع بعض الألفاظ السوقية والشتائم».
وتابع شاهين: «أمارس الإخراج منذ ما يزيد على 35 سنة، ودخلت في أزمات سابقة مع أجهزة الرقابة، كما أن رئيس المجلس مكرم محمد أحمد، معروف بتاريخه النضالي الكبير، وبالتالي لن نغامر بسمعتنا ونعمل ضد حرية الرأي والتعبير والإبداع، ما نقوله هو أنه يمكن التعبير عن الرأي والإبداع بألفاظ لائقة ترتقي بالذّوق العام».


مقالات ذات صلة

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يوميات الشرق هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

يراهن صناع مسلسل «إقامة جبرية» على جاذبية دراما الجريمة والغموض لتحقيق مشاهدات مرتفعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق خالد النبوي ويسرا اللوزي مع المخرج أحمد خالد خلال التصوير (الشركة المنتجة)

خالد النبوي يعوّل على غموض أحداث «سراب»

يؤدي خالد النبوي في مسلسل «سراب» شخصية «طارق حسيب» الذي يتمتّع بحاسّة تجعله يتوقع الأحداث قبل تحققها.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد زكي مجسداً شخصية عبد الحليم حافظ (يوتيوب)

دراما السيرة الذاتية للمشاهير حق عام أم خاص؟

تصبح المهمة أسهل حين تكتب شخصية مشهورة مذكراتها قبل وفاتها، وهذا ما حدث في فيلم «أيام السادات» الذي كتب السيناريو له من واقع مذكراته الكاتب الراحل أحمد بهجت.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق أحمد مكي يقدم شخصية «شمس الغاوي» في رمضان 2025 (حسابه بموقع فيسبوك)

«الغاوي» رهان أحمد مكي الجديد في الدراما الرمضانية

يراهن الفنان المصري أحمد مكي على خوض ماراثون «الدراما الرمضانية» المقبل بمسلسل «الغاوي» الذي يشهد ظهوره بشخصية مختلفة عما اعتاد تقديمه من قبل.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تخرج أمل بوشوشة من ذلك الصندوق الذي يصوّر الحياة بحجم أصغر (حسابها في «فيسبوك»)

أمل بوشوشة... «شوطٌ كبير» نحو الذات

تعلم أمل بوشوشة أنّ المهنة قد تبدو جاحدة أسوة بمجالات تتعدَّد؛ ولا تنتظر دائماً ما يُشبع الأعماق. أتاح «المهرّج» مساحة لعب أوسع. منحها إحساساً بالخروج من نفسها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».