ألمانية تروي رحلة الرعب مع «داعش» حين فكرت في الهروب

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن عناصر التنظيم هددوها بقطع رأسها إن غادرتهم

TT

ألمانية تروي رحلة الرعب مع «داعش» حين فكرت في الهروب

لم يكن الوصول إلى مخيم الهول للنازحين في الحسكة، شمال شرقي سوريا، بالأمر السهل. إذ بعد رحلة شاقة من الحدود التركية والتنقل من سيارة لأخرى، كان الوصول إلى المخيم الذي لجأت إليه أشهر نساء «داعش» وأطفالهن.
لا يحتاج الصحافي لإذن دخول من «قوات سوريا الديمقراطية» كي تتجول في المخيم؛ بل يجب أن يعرف عشرات اللغات واللهجات، وربما أكثر من ذلك، في حال أراد الزائر التحدث مع قاطنيه الهاربين من «داعش».
ولكن هذه المرة جرى بالإنجليزية، على الرغم من أنها ليست اللغة الأم لجنيفير (24 عاماً) التي جاءت من ألمانيا لتركيا ومنها لسوريا قبل 4 سنوات، وانضمت لتنظيم «داعش».
القصة مع جنيفير بدأت برغبة منها في جمع التبرعات للسوريين المتضررين من حرب بلادهم. بحثت على «فيسبوك»، وهناك وجدت صفحة من أجل ذلك، ولم تكتف بجمع الأموال؛ بل سافرت إلى الحدود السورية – التركية، وعملت مع منظمة «الصليب الأحمر» في مجال المساعدات الإنسانية.
كان ذلك قبل 4 سنوات، عندما سمعت بتنظيم «داعش». تقول جنيفير لـ«الشرق الأوسط»: «قالوا لي: في هذه المناطق مسلمون فقط، وهناك يهود ومسيحيون؛ لكنهم يعيشون بسلام».
كان الأمر مغرياً بالنسبة لها ويستحق المغامرة، والتعرف من الداخل على مناطق «داعش». وهذا ما حصل!
بينما كان الفضول يعتري جنيفير بانتظار سيارة كي تصطحبها للرقة، جاءتها امرأة من «داعش» قدمت لها خماراً بنفسجياً، وقالت لها: «النساء العربيات لا يخرجن بشعورهن مكشوفة». وبالفعل ارتدت جنيفير الخمار وغطت شعرها ووجهها.
وهنا بدأت تتسارع الأحداث، وضعوها في «منزل النساء»، أخذوا منها كل ما تملكه من أشياء خاصة. وبعد 4 أيام نقلوها للرقة عاصمة التنظيم حينها، وهنا بدأت تشعر بالرعب من المجهول الذي تذهب إليه. حاولت العودة والهرب؛ لكن «كل من حولي حذروني، سيقولون إنك جاسوسة! ويقيمون عليك الحد».
كانت تلك العبارات كفيلة ببث الرعب بقلب جنيفير التي لم يكن يظهر لنا غير عينيها الغاضبتين، وهي تروي لنا تفاصيل قصتها. توضح: «قالوا لي إنني سأعمل في المجال الإغاثي براتب 70 دولاراً شهرياً، وكل ذلك مجرد وعود. هددوا بوضعي في مركز السبايا، وهنا استطعت التواصل مع صديقي الألماني، الذي لحقني لسوريا وانضم للتنظيم وتزوجني».
ومر عام ونصف، قضتها مع زوجها، وأنجبت طفلتها في منزل لا تعرف من كان يقطنه قبلها؛ لكن الصور المعلقة على جدرانه تقول إنها كانت عائلة سعيدة تعيش بأمان.
كل شيء في هذا المنزل شبه المدمر كان بدائياً، فقد تعلمت الطبخ على نيران الخشب المحترق، والاستحمام بأوانٍ بلاستيكية، والنوم على إسفنج مهترئ، وتحويل ملابس قديمة لأخرى جديدة لطفلتها. بينما كان زوجها يقاتل مع التنظيم، ينتظران اللحظة المناسبة للهروب.
كانت لديها حياة طبيعية في ألمانيا، تعمل وتملك سيارة، تخرج من المنزل وقتما تشاء، كل ذلك اختصرته في منزل صغير لا تستطيع الخروج منه.
تقول: «كلما ذكرت ذلك لزوجي كان يجن جنونه؛ لأنها تعني العقاب لدى التنظيم». وهذا ما حصل، فقد تسرب الخبر للتنظيم، فقاموا بسجنها، ووصل لزوجها خبر يقول إنهم سيقيمون الحد عليها. وهنا قام زوجها بتهريبها من الرقة إلى مدينة الشدادي جنوب الحسكة، والتي تبعد نحو 200 كيلومتر عن الرقة.
مرت ستة شهور وهي تتنقل من منزل سوري لآخر مختبئة من «داعش». وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2017، لملم «داعش» بقاياه وهرب من الرقة بعد سنوات من سيطرته عليها وإعلانها عاصمة لمناطقه، الخبر الذي جعل جنيفير تتنفس الصعداء.
توالت الأحداث، ولاحقت التنظيم الخسائر تلو الأخرى، بينما كانت جنيفير تبحث عن مأوى آمن لها، حتى وصلت لمخيم الهول الذي يضم نحو 3400 شخص من زوجات وأطفال «داعش». تقول: «ما يرعبني أنني محسوبة على التنظيم، ولا أحد يصدقني، ولا ألوم (قوات سوريا الديمقراطية) ولا غيرها إن لم يصدقوني... معهم كل الحق للخوف من التنظيم».
حياتها اليوم اختصرتها داخل خيمة مهترئة، تنام على الأرض، تتقاسم الطعام مع نساء «داعش»، كلهن متشابهات، بلباسهن الأسود، وعيونهن متربصة لخيط يوصلهن لبلادهن التي ترفض استقبالهن.
وعندما سئلت: هل كل النساء هنا في مثل وضعك؟ قالت: «أرفض الكلام عنهن. كل واحدة تعرف نفسها، وماذا اقترفت مع التنظيم، وماذا تخبئ».
الاكتئاب وصل بها إلى درجة تمنيها الانتحار. تقول: «لو كنت مع محاصري الباغوز قبل هروب التنظيم، لعرضت جسدي لرصاص القناص لأموت. لم أعد أحتمل هذا الوضع».
وفي مارس (آذار)، وصل جنيفير خبر سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» على الباغوز، آخر معقل لتنظيم «داعش» شرق نهر الفرات بمحافظة دير الزور السورية، ولم تصلها أي معلومة عن مصير زوجها. تقول: «أنا مجرد امرأة أوروبية جاءت لسوريا». تتنهد وتختم: «أشتاق لحياتي السابقة!».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».