باريس تربط بين وقف النار الليبي وبقاء القوات المتقاتلة في مواقعها

TT

باريس تربط بين وقف النار الليبي وبقاء القوات المتقاتلة في مواقعها

لم يصدر عن قصر الإليزيه حتى مساء أمس، أي تاريخ محدد لمجيء المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، إلى العاصمة الفرنسية هذا الأسبوع، وفق ما كانت قد أعلنته مصادر الرئاسة يوم الخميس الماضي، وما أكده وزير الخارجية جان إيف لودريان أمام النواب في اليوم نفسه. وجاءت مبادرة دعوة حفتر إلى باريس من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي استقبل في الـ8 من الشهر الحالي فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الذي انتقد أكثر من مرة «انحياز» باريس إلى جانب خليفة حفتر، لا بل إن السراج اعتبر، في حديث لصحيفة «لوموند»، أن موقف باريس قد «شجع» قائد الجيش الوطني الليبي على القيام بمغامرته والسعي للسيطرة على العاصمة طرابلس بالقوة. وما انفكت باريس في الأسابيع الأخيرة التي تلت انطلاق حملة حفتر العسكرية ضد طرابلس على نفي تحيزها إلى جانب الأخير. ولكن باريس، بعكس أكثرية الدول الأوروبية، لا تضع اليوم المسؤولية في الوضع الذي وصلت إليه ليبيا على حفتر وحده، بل تحمل المسؤولية للسراج أيضاً. وجاء أفضل تعبير عن ذلك على لسان لودريان الذي رأى أن الوضع في ليبيا «مقلق جداً لأن خريطة الطريق التي قدمتها الأمم المتحدة، والتي كادت تصل إلى خواتيمها السعيدة في أبوظبي (نهاية فبراير/ شباط)، أفشلت بسبب خطوة أقدم عليها المشير حفتر، (أي الهجوم على طرابلس)، وبسبب خطوة أو بالأحرى غياب خطوة من قبل رئيس الحكومة فائز السراج».
وتقول مصادر واسعة الاطلاع في باريس إن «التحول» في مواقف فرنسا وسعيها الحالي لإعادة إمساك العصا من وسطها يعودان بشكل رئيسي إلى «مراوحة الوضع العسكري مكانه» وإلى «الصعوبات» التي يواجهها حفتر في تحقيق طموحاته العسكرية والسياسية. وإذا كانت باريس لا تنفي أنها ساعدت سابقاً حفتر في الحرب على التنظيمات الإرهابية وقدمت له المعلومات الاستخبارية والمشورة العسكرية والدعم السياسي، فإنها تنفي تشجيعه على القيام بـ«مغامرة طرابلس». وما تسعى إليه باريس اليوم وما يشكل الأساس لتحركها السياسي والدبلوماسي أمران؛ الأول، وقف إطلاق النار وإعلان هدنة بين الطرفين المتقاتلين، والثاني استئناف الحوار السياسي الليبي الداخلي بالتعاون مع الأمم المتحدة. وبعودتها إلى الانفتاح على السراج وعلاقتها القديمة مع حفتر، ترى فرنسا أنها قادرة على أن تلعب مجدداً دور الوسيط، وهو ما سعت إليه سابقاً من خلال تنظيم لقاءين للسراج وحفتر؛ الأول في يوليو (تموز) عام 2017 في سيل سان كلو «ضاحية باريس الغربية»، والثاني في قصر الإليزيه، في مايو (أيار) من العام الماضي.
ووفق الرؤية الفرنسية وبحسب ما أعلنه ماكرون، فإن وقف النار يجب أن يكون «من غير شروط»، الأمر الذي يعني عملياً أن القوات المتحاربة ستبقى عند النقاط التي ترابط فيها. والحال، أن السراج شخصياً وبضغط ودفع من القوات التي تقاتل باسم الحكومة، يطالب بأن تعود قوات حفتر إلى المواقع التي كانت موجودة فيها قبل انطلاق هجومه في 4 أبريل (نيسان) الماضي. والحال أن حفتر يرفض أصلاً وحتى اليوم، اقتراح وقف النار الذي تحول إلى مطلب دولي، لا بل إنه يدعو قواته إلى الاستمرار في الهجوم وتكثيف العمليات. أما بالنسبة للهدف الثاني وهو العودة إلى المفاوضات السياسية بإشراف مندوب الأمم المتحدة الوزير غسان سلامة، فإن باريس تدعو للعودة إلى «خريطة الطريق» التي اتفق السراج وحفتر بشأنها في لقائهما في أبوظبي في 28 فبراير الماضي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».