مكامن الخطورة في «هواوي» والجيل الخامس

مكامن الخطورة في «هواوي» والجيل الخامس
TT

مكامن الخطورة في «هواوي» والجيل الخامس

مكامن الخطورة في «هواوي» والجيل الخامس

في 15 مايو (أيار)، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بإعلان حالة الطوارئ الوطنية بخصوص تهديدات ناجمة عن الاستحواذ غير المقيد أو استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، حظرت وزارة التجارة على الشركات الأميركية شراء منتجات «هواوي» أو بيع تقنيات حساسة لشركة الاتصالات الصينية العملاقة.
وتهدف هذه الخطوة إلى حماية الولايات المتحدة وكذلك الديمقراطيات الغربية من الخصوم الأجانب (الصين) الناشطين حالياً في بناء واستغلال نقاط الضعف في البنى التحتية والخدمات المتعلقة بتقنيات المعلومات والاتصالات بهذه الدول. وينبغي النظر إلى الإجراءات التي أقدم عليها ترمب في إطار أوسع بكثير يتعلق باحتدام التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة. إذ تأتي الإجراءات المحددة التي اتخذت ضد «هواوي» جزءاً من الحرب التجارية الدائرة بين الجانبين. ومع هذا، فإن استهداف «هواوي» وتهديد ترمب للدول الحليفة بفرض حظر على التشارك الاستخباراتي معها إذا استخدمت معدات صينية، يتعلقان بـ«5جي» أو ما يعرف بالجيل الخامس وتقويض تقدم الشركة الصينية باتجاه الجيل الخامس.

قيادة الثورة الصناعية الجديدة
يقف الاقتصاد العالمي على أعتاب ثورة كبرى جديدة، ومن المنتظر أن تصبح تكنولوجيا الجيل الخامس العامل المحدد للمرحلة الاقتصادية المقبلة من تاريخ العالم. ونظراً لأنها أكبر شركة مصنعة لمعدات الاتصالات عن بعد، وتستحوذ على 28 في المائة من السوق، متقدمة بذلك بفارق كبير على منافستيها الأوروبيتين «إريكسون» و«نوكيا»، علاوة على أنها مرتبطة اليوم بتعاقدات تفوق إجمالي تعاقدات جميع منافسيها، فمن المنتظر أن تلعب «هواوي» دوراً محورياً في إحداث تحول بالاقتصاد العالمي ومساعدة الصين لتجاوز الولايات المتحدة لتصبح القوة الاقتصادية المهيمنة عالمياً. ويعتقد بعض الخبراء أن تقنيات الجيل الخامس ستغير أسلوب حياتنا إلى الأبد وتحقق ثورة صناعية جديدة تعتمد على البيانات. كما أن شبكات الجيل الخامس ستمكن من مزيد من قدرات «إنترنت الأشياء» والسيارات المتصلة بالإنترنت والتطبيقات الذكية. وتقدر شركة «أكسنتشر» أن «إنترنت الأشياء» ربما تضيف 14 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030 وستشكل الدافع الأكبر للإنتاجية والنمو وستزيد وتيرة إعادة ابتكار قطاعات ستشكل قرابة ثلثي الإنتاج العالمي.
ومن غير المثير للدهشة أن نجد أن الولايات المتحدة تسعى للحيلولة دون تحقيق الشركات الصينية الأكثر تقدماً نمواً جديداً، ناهيك بقيادتها نمو الاقتصاد العالمي. بصورة جوهرية، ستسمح هيمنة «هواوي» على الجيل الخامس للصين بالقفز متجاوزة الولايات المتحدة وستساعدها على إسراع وتيرة تحركها نحو التفوق الاقتصادي. بجانب ذلك، تتهم الإدارة الأميركية الصين بأنها تسعى من وراء اختراق سوق الجيل الخامس إلى إقرار نظام عالمي جديد محل النظام الدولي الحالي الذي جرت صياغة قواعده في الغرب.
وتبقى هناك علامات استفهام خطيرة حول الاستقلال العملي لـ«هواوي» والروابط الوثيقة بينها وبين الحزب الشيوعي الصيني. ويطرح تقرير صدر مؤخراً عن «هنري جاكسون سوسيتي» في لندن حجة مقنعة بخصوص لماذا تجد «هواوي» نفسها مضطرة للتعاون بصورة وثيقة مع الاستخبارات الصينية. ويسود اعتقاد لدى الإدارة الأميركية والحكومة الأسترالية، بجانب دول أخرى، بأن بكين تتوقع من شركات الاتصالات الصينية أن تبني أبواباً خلفية أو سبلاً خفية للوصول إلى البيانات، وأن منتجات هذه الشركات ستمكن الصين من التجسس على منافسين أجانب وسرقة ملكية فكرية أو حتى إغلاق مؤسسات بنية تحتية أجنبية عن بعد.
أيضاً هناك مخاوف من أن شبكات الجيل الخامس تحمل إمكانية تغيير أسلوب عمل المؤسسات العسكرية في المستقبل. على سبيل المثال، ربما يفاجأ حلفاء أميركيون في جنوب شرقي آسيا بتراجع قدراتهم على دمج أسلحة ومنصات أسلحة أميركية الصنع في ترساناتهم، ما قد يعرض هذه الدول للخطر.

خلاف بين الحلفاء الأميركيين
رغم ما تحمله من أصداء قوية لنظرية مؤامرة، دفعت ادعاءات واشنطن بأن «هواوي» واجهة للاستخبارات الصينية، شركاء واشنطن في «تحالف الـ5 أعين» للتشارك الاستخباراتي (كندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا) باتجاه إعادة تقييم مدى حكمة التعاون مع «هواوي». ومع ذلك، تبدو المملكة المتحدة على خلاف مع شركائها.
في أبريل (نيسان)، وافقت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بصورة مبدئية على الاعتماد على تكنولوجيا «هواوي» في الأجزاء غير المحورية من شبكات الاتصالات عن بعد من الجيل الخامس المستقبلية في المملكة المتحدة، بعد اجتماع لمجلس الأمن الوطني. واعتمد القرار على تقرير صادر عن مركز تقييم الأمن السيبراني المرتبط بـ«هواوي» الذي أشار إلى إمكانية تقليص التهديدات السيبرانية الصادرة عن المعدات المنتجة من «هواوي»، ما دام أنها تقتصر على الأجزاء والوظائف غير الجوهرية، مثل المجسات.
جدير بالذكر أنه داخل الشبكات، هناك عناصر جوهرية تتعامل مع وتدير مرور البيانات الحساسة، وهناك عناصر غير جوهرية مثل الصناديق والمجسات التي تتعامل مع البيانات دون قراءتها. علاوة على ذلك، أشار المركز في التقرير الذي أصدره في مارس (آذار)، إلى عدم وجود دليل مباشر على تورط «هواوي» في أعمال تجسس بدعم من الدولة الصينية. ومع هذا، انتقد التقرير الشركة الصينية العملاقة بسبب ضعف مستوى الكفاءة الهندسية والأمن السيبري، الأمر الذي يمكن استغلاله عبر شن هجمات سيبرية. وذكرت مصادر أنه خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني، أعرب 5 وزراء عن تخوفهم إزاء الاعتماد على الشركة. ويذكر أن «فودافون» ستشرع في إطلاق شبكة الجيل الخامس الخاصة بها في يوليو (تموز)، بالاعتماد على تكنولوجيا «هواوي».

تأثير خطوة ترمب على الجيل الخامس
من المحتمل أن يؤثر القرار التنفيذي الذي أصدره ترمب في حال استمراره، على «هواوي» بصور عدة؛ منها تأخير إطلاق شبكات الجيل الخامس الصينية وإعاقة سلسلة الإمداد الخاصة بالشركة، بجانب التسبب في مزيد من التقويض للمحادثات التجارية الجارية بين واشنطن وبكين. كما أنه سيدفع حلفاء أميركيين، خصوصاً داخل «تحالف الـ5 أعين» وآخرين لإعادة النظر في التعاون مع شركات اتصالات صينية في الوقت الحاضر (وربما يسير رئيس وزراء بريطانيا القادم على هذا النهج)، ولن يترك استعداد «هواوي» لتوقيع اتفاقات حظر تجسس تأثيراً يذكر على هذا الصعيد.
ومع هذا، سيمضي قطاع الاتصالات الصيني في قيادة التحركات نحو حقبة الجيل الخامس، وإذا كان التحرك الصيني إلى داخل أوروبا وأميركا الشمالية سيجري إرجاؤه حالياً، فإنه سيمضي بالتأكيد إلى داخل جنوب شرقي آسيا، وبذلك ستبدأ موجة «تسونامي» صناعية جديدة من ناحية الشرق. وسيتعين على الولايات المتحدة حينذاك إيجاد ملاذ قوي يحميها.
*المدير التنفيذي لـ«كاسلريه وشركاه» - خاص بـ«الشرق الأوسط»



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.