«خلايا التماسيح»... خطة «داعش» لإزعاج أوروبا

عناصرها انغماسيون يشنون «هجمات انتحارية»

إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
TT

«خلايا التماسيح»... خطة «داعش» لإزعاج أوروبا

إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي
إجراءات أمن بعد الهجمات التي استهدفت فنادق وكنائس في سريلانكا الشهر الماضي

«الخلايا النائمة» لتنظيم داعش الإرهابي إشكالية كبرى تتجدد مع أي هجوم أو استهداف في الدول الغربية أو الأفريقية، خصوصاً مع خسائر التنظيم في سوريا والعراق، وفرار معظم عناصره المؤثرة... وأخيراً ظهر مُصطلح «خلايا التماسيح»، وهو نهج أقرب إلى عمليات «الذئاب المنفردة»، ضمن محاولات التنظيم لمواجهة الخسائر التي تعرض لها أخيراً، بالتهديد لتنفيذ هجمات من وقت لآخر لإزعاج أوروبا.
يقول خبراء في الأمن والحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن «دولاً كثيرة تتخوف حالياً من إقدام (الخلايا النائمة) أو (العائدين الدواعش) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، خصوصاً مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء»، مؤكدين أن «(العائدين) لن يتخلوا عن (التكفير والتفجير) وأفكار التنظيم». وأوضح الخبراء أن «(خلايا التماسيح) أعلى مراحل الموت الداعشية، وتختص باقتحام السجون والوحدات العسكرية والمدن، وهي عبارة عن مجموعات من (الانغماسيين)، وتكون على شكل مثلث كامل الأضلاع في عمليات الهجوم الإرهابية... والانغماسي التمساح يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يقوم بتفخيخ السيارات أو السفن أو الطائرات المدنية، ويكون مزوداً بأسلحة خفيفة».
وأخيراً، كشفت أجهزة الاستخبارات البريطانية عن معلومات لمخططات «داعش» لتنفيذ هجمات في بريطانيا وأوروبا، عبر ما يعرف بـ«خلايا التماسيح». وقالت إنها «تدرس خطط هذه الخلايا التي تتكون من (عناصر نائمة) تتبع التنظيم وتنفذ أوامره».
وقالت تقارير غربية إن «تحقيقات بريطانيا جاءت عقب الكشف عن أن عبد اللطيف جميل محمد (36 عاماً)، قائد الجماعة المتطرفة، التي نفذت الهجوم الدامي في سريلانكا، عمل بناءً على أوامر تلقاها من (إرهابيين) في سوريا».
وأكد مراقبون أن «(الذئاب المنفردة) أو (الانفراديين) يقصد بهم تحول شخص أو اثنين أو 3 أو أكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة، أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره، باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المساجد والكنائس، والقتل بالدهس أو سكين المطبخ».
ولا يزال تسجيل الناطق باسم «داعش» أبو محمد العدناني، الذي دعا فيه عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح مُتاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيمياً، يأتي بثماره الآن، بحسب المراقبين.
في هذا الصدد، قالت دراسة مصرية حديثة إن «(داعش) اعتمد على نهج جديد في تنفيذ عملياته الإرهابية، وهو ما أطلق عليه (خلايا التماسيح)، وهو نهج أقرب إلى عمليات (الذئاب المنفردة)، وذلك ضمن محاولات التنظيم لمواجهة الخسائر التي تعرض لها أخيراً، وهو مصطلح يشير إلى توظيف (الخلايا النائمة) التابعة للتنظيم التي تعمل تحت الأرض لتنفيذ هجمات من وقت لآخر على معاقل وأهداف يحددها قادة التنظيم لهؤلاء».
ويشار إلى أن «خلايا التماسيح» استراتيجية تم الكشف عنها في إحدى الوثائق السرية التي تم العثور عليها عقب مواجهات بين عناصر من التنظيم والقوات الحكومية شمال شرقي سوريا، مارس (آذار) الماضي... وتتمثل في زيادة الهجمات الإرهابية عبر «الذئاب المنفردة» أو دعم «العائدين» من بؤر الصراع إلى بلدانهم، وتفجير المركبات، والاستهدافات، واختراق الحواسب، وهي خطط قد يتبعها «داعش» مستقبلًا، بحسب المراقبين.
وكشفت الدراسة التي أعدتها وحدة الرصد والتحليل بمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة بدار الإفتاء المصرية، أن «من بين هذه الوثائق مُراسلات بين أحد أعضاء التنظيم يُدعى أبو طاهر الطاجيكي، يشرح فيها كيف يُمكن تشكيل (خلايا التماسيح)، وأهم أهدافها»... وأن «الطاجيكي تقدم إلى (داعش) بإنشاء ما يُسمى (مكتب العلاقات الخارجية لإدارة العمليات بأوروبا) لدعم الخلايا الجديدة التي ستتولى الهجوم على ما يعتبرهم (داعش) أعداءه».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية: «ظهر أخيراً دور كتيبة عسكرية مقاتلة في صفوف (داعش) تسمى كتيبة (التماسيح) أو (خلايا التماسيح)، وهي عبارة عن مجموعات من (الانغماسيين)، تتكون من (رأس التمساح الأم)، وعائلة، وهم الأبناء، وتكون على شكل مثلث كامل الأضلاع في عمليات الهجوم الإرهابية»، مضيفاً أن «(خلايا التماسيح) مُهمتها الأساسية إزعاج أوروبا على غرار عمليات (الذئاب المنفردة)، وتعتبر هذه الكتيبة من أهم الكتائب المُقاتلة في الفترة الأخيرة»، لافتاً إلى أن «(خلايا التماسيح) أعلى مراحل الموت الداعشية، وأهم صور الانغماس هو الانغماس بالالتحام، وبالتلغيم، والتفخيخ، والعملية الانغماسية يُطلق عليها (المربع صفر) أو (العملية الميتة) لأنها تنتهي بنهاية الانتحاري». وأكد عبد المنعم أن «(داعش) يحاول أن يبث الرعب في نفوس الغربيين بـ(الانفراديين) أو (الذئاب المنفردة) عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، موضحاً أن «دولاً كثيرة تتخوف حالياً من إقدام (الخلايا النائمة) أو (العائدين) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها».
في هذا الصدد، أوضحت الدراسة المصرية، أن «فكرة (خلايا التماسيح) تعتمد على تجهيز (انتحاريين) وتدريبهم على صناعة المتفجرات والتفجير والخطف، ودعم قراصنة التنظيم عبر مواقع الإنترنت... وهذه الفكرة تأتي في الوقت الذي خسر فيه التنظيم مواقعه المهمة في سوريا والعراق، وأن ذلك يُعد نقطة تحول تخدم التنظيم لتنفيذ العمليات الإرهابية خارج سيطرته».
وقال عبد المنعم إن «الانغماسي يرتدي حزاماً ناسفاً، أو يقوم بتفخيخ السيارات أو السفن أو الطائرات المدنية، ويكون مزوداً بأسلحة خفيفة، كما يزود بكبسولة للموت، حتى يكون على استعداد لو نفدت ذخيرته أو تعطل الحزام الناسف ساعة التفجير، للتخلص من حياته، بأن يبتلع هذه الكبسولة على الفور، حتى لا يتبعه أحد ولا يعرف من وراءه... ويطلق على هذه العملية (المربع صفر) أو (العملية الميتة) أي أول الخيط هو آخره على الإطلاق، وبذلك تنتهي العملية عند حدود هذا التمساح بالقتل، وانتهاء (النقطة صفر) بالمعاونين للتمساح الأم».
وعن مُنظر فكرة الانغماس الذي ابتدع بدعة التمساح، قال عبد المنعم: «يعتبر أبو الحسن الفلسطيني من أشهر من نظر لفكر الأعمال الإرهابية الانتحارية، وكان المفتي الشرعي لتنظيم (القاعدة)، ويقال عنه إنه العقل المفكر وقائد جرائم قتل وخطف وابتزاز وقع معظمها خلال السنوات الماضية؛ لكن على ما يبدو، فإن ما نُسب إليه حتى الآن لا يشكل إلا نسبة صغيرة من خطورته الحقيقية... وتردد في معظم المواقع الجهادية أنه اختفى منذ 4 أعوام تقريباً، وقد انتشر كثير من الشائعات حوله».
من جهته، قال اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر، إنه «يتم تجنيد عناصر (الذئاب المنفردة) عبر الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على الأهداف التي يضعها التنظيم لشن هجمات إرهابية، وتدريب (الذئاب) على صناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح».
وسبق أن «حذر مسؤولون في الاتحاد الأفريقي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من أن نحو 6 آلاف مقاتل في صفوف (داعش) عادوا إلى القارة السمراء. وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلن مركز الدراسات الألماني (فيريل) أن عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وأميركية في التنظيم بلغ 21500، وأن عدد (العائدين) إلى دولهم بلغ 8500 شخص». وبث «داعش» أخيراً شريط فيديو وزعته «مؤسسة الفرقان» ظهر فيه زعيمه أبو بكر البغدادي بعد 5 سنوات من الاختفاء، وتوعد بالثأر لقتلى التنظيم، مؤكداً أن «الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت سريلانكا في (عيد الفصح) جاءت (ثأراً) للباغوز السورية».
وقال خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية: «لا شك أن (العائدين) ليسوا مُجرد عناصر مهزومة فقط؛ فمنهم من أصيب بخيبة أمل بعدما تبين لهم وهم (الخلافة) وانهزام تنظيمهم؛ لكنهم لن يتخلوا عن (التكفير والتفجير) وأفكار التنظيم».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟