أسواق جديدة في دمشق تستلهم تلك المدمرة في مخيم اليرموك

TT

أسواق جديدة في دمشق تستلهم تلك المدمرة في مخيم اليرموك

قبل نحو ثماني سنوات، كان السوريون الذين يقصدون أو يعرفون «حي دف الشوك» الدمشقي قلائل بسبب طبيعته النائية والعشوائية، بحيث لم يتخيل أهالي الحي يوما من الأيام أن يتحول حيهم إلى قبلة لنازحي الأحياء العشوائية وتصبح فيه سوق تجارية كبيرة.
الحي الواقع جنوب شرقي دمشق، ويبعد نحو خمسة كيلومترات عن مركز العاصمة السورية ويجاوره من الجنوب حي التضامن، ومن الغرب حي الزاهرة والشرق حي القزاز، ومن الشمال حي الصناعة، كان قبل الحرب معدوما لناحية الخدمات وما زال كذلك، لدرجة أن رائحة مجارير الصرف الصحي تفوح من المنازل وطرقاته.
لكن الحرب التي اشتعلت في الأحياء القريبة منه منها مخيم اليرموك والمجاورة له مثل التضامن والحجر الأسود ويلدا وبييلا وبيت سحم ودمرتها، جعلت من «دف الشوك» وجهة لنازحي تلك الأحياء، ليشهد الحي ازدحاما سكانيا غير متوقع ينعش ماديا سكانه الأصليين على خلفية بدلات الإيجارات التي يتقاضونها من النازحين.
ورغم شوارعه الضيقة للغاية والمليئة بالحفر وبرك المياه الآسنة المنتشرة فيها، فإن التجار وجدوا في الازدحام السكاني في الحي فرصة مواتية لافتتاح أسواق للخضار وللملبوسات والأحذية والمفروشات والمأكولات الجاهزة، وذلك بعد دمار الأسواق التجارية الكبيرة التي كانت منتشرة في مخيم اليرموك حيث كانت العديد من محاله تفتح على مدار اليوم، ويعتبر سوق شارع اليرموك الرئيسي وسوقا شارع لوبية وصفد من أهم أسواق الألبسة الجاهزة في اليرموك، على حين كان سوق الخضار في شارع فلسطين من أكبر أسواق العاصمة ويؤمه الدمشقيون من معظم أحياء العاصمة.
ومع اقتراب عيد الفطر السعيد، بات «شارع النّور» الواقع شمال غربي «دف الشوك» ولا يتجاوز عرضه الـخمسة أمتار وطوله نحو 300 متر سوقا تجارية تضم محال للألبسة الجاهزة والأحذية والمأكولات الجاهزة وأجهزة الموبايلات، وتحاكي سوق شارع اليرموك الرئيسي وسوقا شارع لوبية وصفد. فبمجرد الوصول إلى مدخل «شارع النّور» الغربي من حديقة الزاهرة يفاجأ المرء باكتظاظ بشري يتزاحم في الطريق مع تقدم سلحفاتي للغالبية، لدرجة أن تجاوز السوق والوصول إلى مدخله الشرقي يحتاج إلى أكثر من 60 دقيقة وسط عمليات تدافع بين المارة تعجز الكلمات عن وصفها.
يلاحظ في سوق «شارع النّور»، أن معظم التجار الذين افتتحوا محلات فيه هم من أصحاب المحال التجارية التي كانت في سوق شارع اليرموك الرئيسي وسوقا شارع لوبية وصفد. ويوضح أحدهم أن سر إقبالهم على افتتاح محال تجارية في «شارع النّور»، أنهم يريدون متابعة أعمالهم وحياتهم المعيشية من ناحية ومن ناحية أخرى استثمار الاكتظاظ السكاني الكبير في «دف الشوك»، والذي يقبل على السوق التي تعتبر نوعية البضائع فيها متوسطة وأسعارها أقل مما هي عليه في أسواق أخرى.
لكن تاجرا آخر يبدي امتعاضه من طريقة تعامل وابتزاز مالكي المحال التجارية الأصليين للمستأجرين من خلال رفع بدل الإيجار الشهري كل ستة أشهر ويقول «مصائب قوم عند قوم فوائد... عندما كان سوق شارع لويبة كان إيجار المحل الشهري هنا لا يتجاوز 3000 ليرة (الدولار يساوي نحو 600 ليرة) لكن بعد أن دمرت محلاتنا بدأنا هنا بـ10 آلاف ومن ثم بدأ الاستغلال من قبلهم تدريجيا إلى أن وصل بدل الإيجار الشهري اليوم للمحل إلى أكثر من 150 ألف ليرة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.