«جبهة النصرة» توأم «داعش» في سوريا.. يتشابهان عقائديا ويختلفان في تفاصيل

أطلقت العمليات الانتحارية في سوريا وعرفت باختطاف الراهبات وجنود دوليين

عناصر من جبهة النصرة خلال استعراض نظم الشهر الماضي لدعم غزة، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق (أ.ف.ب)
عناصر من جبهة النصرة خلال استعراض نظم الشهر الماضي لدعم غزة، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق (أ.ف.ب)
TT

«جبهة النصرة» توأم «داعش» في سوريا.. يتشابهان عقائديا ويختلفان في تفاصيل

عناصر من جبهة النصرة خلال استعراض نظم الشهر الماضي لدعم غزة، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق (أ.ف.ب)
عناصر من جبهة النصرة خلال استعراض نظم الشهر الماضي لدعم غزة، في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوب دمشق (أ.ف.ب)

عادت أنشطة «جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، في الأسابيع الأربعة الأخيرة إلى الواجهة، بعد العمليات التي أطلقتها في هضبة الجولان واحتجاز عشرات الرهائن من القوة الدولية لفض الاشتباك هناك.
وصارت «الجبهة»، كفصيل إسلامي معارض، تتقاسم مع تنظيم «داعش» القسم الأكبر من الجغرافيا السورية التي فقد نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيطرته عليها، رغم أن حجم امتدادها، لا يساوي ثلث حجم امتداد «داعش» في أنحاء البلاد.
واستعادت «جبهة النصرة» دورها في الفترة الأخيرة كمقاتل يهدد نفوذ النظام في معاقله، نظرا لتحالفاتها وعلاقاتها المتينة بفصائل جهادية وإسلامية وكتائب سورية مقاتلة، رغم أنها نادرا ما عملت على تجنيد المقاتلين وتدريبهم، إذ يشكل المقاتلون اللاجئون إليها من فصائل سورية أخرى، قوتها الضاربة، وتستفيد من خبراتهم وحاضنتهم الشعبية بهدف تحقيق إنجازات ميدانية.
وبموازاة تمدد «داعش» وسيطرته على أكثر من ثلث الجغرافية السورية، وتنكيل التنظيم المتشدد بخصومه ومخالفيه الرأي الفقهي والعسكري، ومنهم مقاتلو «النصرة»، وجد كثيرون من المقاتلين السوريين ضالتهم في الالتحاق بـ«الجبهة» التي استقطبتهم، كونها «وفّرت لهم الامتداد العقائدي الذي يحاكي انتماءاتهم المتشددة»، كما تقول مصادر بارزة في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «داعش» و«النصرة» «يتشابهان عقائديا، ويختلفان على تفاصيل تنظيمية ما يجعلهما توأما متشددا، ووجهين لعملة واحدة».
وظهرت «النصرة» التي تتبنى آيديولوجية «تنظيم القاعدة»، لأول مرة، في أواخر العام 2011. تحت مسمى «جبهة النصرة لأهل الشام»، وتلا زعيمها أبو محمد الجولاني بيانها التأسيسي في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2011، متبنيا أول عملية انتحارية تُنفذ في سوريا، ضربت مركزا أمنيا في مركز كفرسوسة في العاصمة السورية. وأشار حينها إلى أن أهم أهداف «الجبهة» هو تأسيس دولة إسلامية. وأطلقت الجبهة منذ ذلك الوقت العمليات الانتحارية التي استهدفت مدنيين، كان أهمها تفجير السلمية في ريف حماه الشرقي، في ديسمبر (كانون الأول) 2012. وذهب ضحيته نحو 60 مدنيا.
وبعد تنفيذ عمليات استهدفت مدنيين في حلب والعاصمة السورية، أعلنت الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2012، إدراج «جبهة النصرة» على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لارتباطها بـ«تنظيم القاعدة»، عادة إياها «واجهة لـ(القاعدة) في العراق»، ومنعت من التعامل معها.
اصطدمت الجبهة مع الكثير من فصائل الجيش السوري الحر التي كانت تسيطر على مناطق كثيرة في الشمال، لكن سرعان ما استقطبت الجبهة مقاتلي «الحر»، عبر تقديمها خدمات اجتماعية، وتوفير رواتب للمقاتلين، وتمتعها بقدرة على تأمين السلاح والذخيرة الذي كان يعاني من نقص فيهما الجيش السوري الحر، إضافة إلى تنفيذ عمليات نوعية استهدفت مقار حكومية ومراكز عسكرية للقوات النظامية، وإطلاق معركة السيطرة على حلب، كبرى المدن السورية، في يوليو (تموز) 2012، ما لفت الانتباه إلى دورها.
سرعان ما أنهت «النصرة» خلافاتها مع خصومها من الجيش السوري الحر، وعقدت تحالفات مع فصائل إسلامية عُرفت بقوتها، مثل «أحرار الشام»، كما نفذت عمليات مشتركة مع فصائل عسكرية قوية لا تجمعها بها الآيديولوجية نفسها، مثل «لواء التوحيد» الذي يُعد الآن من أقوى الفصائل المنضوية تحت لواء «الجبهة الإسلامية» في شمال سوريا. وبدأ الصراع بين «النصرة» وغريمها الجديد القوي «داعش» منذ ظهوره في الرقة، في ربيع العام 2013. وبدأ بالتمدد في الرقة وريف حلب الشرقي والشمالي، وريف دير الزور، بعد معارك مع «النصرة» وفصائل سورية معارضة أخرى أفضت إلى إقصاء تلك الفصائل من مناطق سيطرته. ويتوزع نفوذ «الجبهة» في الوقت الراهن، على محافظتي درعا والقنيطرة (جنوب سوريا) اللتين تعدان معقل الجبهة في سوريا، ولا ينازعها عليه أحد، إضافة إلى ريف دمشق وشمال البلاد. وتوجد الجبهة بقوة في القلمون بريف دمشق الشمالي، حيث تخوض معارك عنيفة مع القوات الحكومية السورية مدعومة من مقاتلي حزب الله اللبناني، بغرض استعادة سيطرتها على بلدات القلمون التي طردتها منها القوات الحكومية في شهر أبريل (نيسان) الماضي. إضافة إلى ذلك، تتواجد «النصرة» على خط جغرافي على شكل هلال، يمتد من ريف حلب الشمالي، عبر ريف إدلب الغربي والجنوبي، وصولا إلى ريف حماه الشرقي، بالإضافة إلى ريف حمص الشمالي المتصل بحماه. ويشير معارضون سوريون، إلى أن «الجبهة» تنوي تأسيس دولتها في هذه المنطقة: «عملا بوعد زعيمها الجولاني الذي أعاد التذكير بتأسيس دولة خاصة به في شهر يونيو (حزيران) الفائت»، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط».
إلى جانب العمليات الانتحارية، عُرفت النصرة بعمليات الخطف مقابل فدية، أو مقابل التفاوض على تحسين شروطها وتوفير الحماية لمقاتليها. فقد خطفت الجبهة 13 راهبة مسيحية من بلدة معلولا في القلمون السورية، وأفرجت عنهم في شهر مارس (آذار) الماضي، بعد مفاوضات شاركت فيها قطر. كما تحتجز «النصرة» الآن 44 جنديا من دولة فيجي، العاملة ضمن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك في هضبة الجولان السورية (أندوف)، إضافة إلى عسكريين وعناصر من قوى الأمن الداخلي في لبنان، بعد الهجوم على بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع القلمون السوري مطلع الشهر الماضي.
وتخوض «النصرة» معارك واسعة ضد القوات الحكومية السورية في مناطق نفوذها، لكن المعارضة تشكّك بنواياها، كونها «تخدم أهداف النظام السوري من خلال سلوكيات غريبة». ويسأل مصدر بارز في المعارضة السورية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن «الغرض من التحضير لمهاجمة بلدة محردة (في ريف حماه) التي يسكنها مسيحيون، بقيادة الجولاني نفسه، من غير التطلع للسيطرة على مطار حماه العسكري الذي يعد إسقاطه أكثر سهولة؟». ويرى أن هذا الهدف «مشبوه»، مؤكدا أن الجبهة التي تستقطب «جهاديين أجانب على غرار أولئك الذين يستقطبهم (داعش)، تتبنى مشاريع مشبوهة تضر بالثورة السورية ومصالح المعارضة أمام المجتمع الدولي».
ويتحدث ناشطون في درعا عن «مقاتلين من باكستان يوجدون على حواجز جبهة النصرة، ويرتدون الزي الباكستاني التقليدي»، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن مقاتلا هنديا يقاتل إلى جانب النصرة، نفذ عملية انتحارية في إحدى البلدات العلوية.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.