عادت أنشطة «جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، في الأسابيع الأربعة الأخيرة إلى الواجهة، بعد العمليات التي أطلقتها في هضبة الجولان واحتجاز عشرات الرهائن من القوة الدولية لفض الاشتباك هناك.
وصارت «الجبهة»، كفصيل إسلامي معارض، تتقاسم مع تنظيم «داعش» القسم الأكبر من الجغرافيا السورية التي فقد نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيطرته عليها، رغم أن حجم امتدادها، لا يساوي ثلث حجم امتداد «داعش» في أنحاء البلاد.
واستعادت «جبهة النصرة» دورها في الفترة الأخيرة كمقاتل يهدد نفوذ النظام في معاقله، نظرا لتحالفاتها وعلاقاتها المتينة بفصائل جهادية وإسلامية وكتائب سورية مقاتلة، رغم أنها نادرا ما عملت على تجنيد المقاتلين وتدريبهم، إذ يشكل المقاتلون اللاجئون إليها من فصائل سورية أخرى، قوتها الضاربة، وتستفيد من خبراتهم وحاضنتهم الشعبية بهدف تحقيق إنجازات ميدانية.
وبموازاة تمدد «داعش» وسيطرته على أكثر من ثلث الجغرافية السورية، وتنكيل التنظيم المتشدد بخصومه ومخالفيه الرأي الفقهي والعسكري، ومنهم مقاتلو «النصرة»، وجد كثيرون من المقاتلين السوريين ضالتهم في الالتحاق بـ«الجبهة» التي استقطبتهم، كونها «وفّرت لهم الامتداد العقائدي الذي يحاكي انتماءاتهم المتشددة»، كما تقول مصادر بارزة في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «داعش» و«النصرة» «يتشابهان عقائديا، ويختلفان على تفاصيل تنظيمية ما يجعلهما توأما متشددا، ووجهين لعملة واحدة».
وظهرت «النصرة» التي تتبنى آيديولوجية «تنظيم القاعدة»، لأول مرة، في أواخر العام 2011. تحت مسمى «جبهة النصرة لأهل الشام»، وتلا زعيمها أبو محمد الجولاني بيانها التأسيسي في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2011، متبنيا أول عملية انتحارية تُنفذ في سوريا، ضربت مركزا أمنيا في مركز كفرسوسة في العاصمة السورية. وأشار حينها إلى أن أهم أهداف «الجبهة» هو تأسيس دولة إسلامية. وأطلقت الجبهة منذ ذلك الوقت العمليات الانتحارية التي استهدفت مدنيين، كان أهمها تفجير السلمية في ريف حماه الشرقي، في ديسمبر (كانون الأول) 2012. وذهب ضحيته نحو 60 مدنيا.
وبعد تنفيذ عمليات استهدفت مدنيين في حلب والعاصمة السورية، أعلنت الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 2012، إدراج «جبهة النصرة» على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لارتباطها بـ«تنظيم القاعدة»، عادة إياها «واجهة لـ(القاعدة) في العراق»، ومنعت من التعامل معها.
اصطدمت الجبهة مع الكثير من فصائل الجيش السوري الحر التي كانت تسيطر على مناطق كثيرة في الشمال، لكن سرعان ما استقطبت الجبهة مقاتلي «الحر»، عبر تقديمها خدمات اجتماعية، وتوفير رواتب للمقاتلين، وتمتعها بقدرة على تأمين السلاح والذخيرة الذي كان يعاني من نقص فيهما الجيش السوري الحر، إضافة إلى تنفيذ عمليات نوعية استهدفت مقار حكومية ومراكز عسكرية للقوات النظامية، وإطلاق معركة السيطرة على حلب، كبرى المدن السورية، في يوليو (تموز) 2012، ما لفت الانتباه إلى دورها.
سرعان ما أنهت «النصرة» خلافاتها مع خصومها من الجيش السوري الحر، وعقدت تحالفات مع فصائل إسلامية عُرفت بقوتها، مثل «أحرار الشام»، كما نفذت عمليات مشتركة مع فصائل عسكرية قوية لا تجمعها بها الآيديولوجية نفسها، مثل «لواء التوحيد» الذي يُعد الآن من أقوى الفصائل المنضوية تحت لواء «الجبهة الإسلامية» في شمال سوريا. وبدأ الصراع بين «النصرة» وغريمها الجديد القوي «داعش» منذ ظهوره في الرقة، في ربيع العام 2013. وبدأ بالتمدد في الرقة وريف حلب الشرقي والشمالي، وريف دير الزور، بعد معارك مع «النصرة» وفصائل سورية معارضة أخرى أفضت إلى إقصاء تلك الفصائل من مناطق سيطرته. ويتوزع نفوذ «الجبهة» في الوقت الراهن، على محافظتي درعا والقنيطرة (جنوب سوريا) اللتين تعدان معقل الجبهة في سوريا، ولا ينازعها عليه أحد، إضافة إلى ريف دمشق وشمال البلاد. وتوجد الجبهة بقوة في القلمون بريف دمشق الشمالي، حيث تخوض معارك عنيفة مع القوات الحكومية السورية مدعومة من مقاتلي حزب الله اللبناني، بغرض استعادة سيطرتها على بلدات القلمون التي طردتها منها القوات الحكومية في شهر أبريل (نيسان) الماضي. إضافة إلى ذلك، تتواجد «النصرة» على خط جغرافي على شكل هلال، يمتد من ريف حلب الشمالي، عبر ريف إدلب الغربي والجنوبي، وصولا إلى ريف حماه الشرقي، بالإضافة إلى ريف حمص الشمالي المتصل بحماه. ويشير معارضون سوريون، إلى أن «الجبهة» تنوي تأسيس دولتها في هذه المنطقة: «عملا بوعد زعيمها الجولاني الذي أعاد التذكير بتأسيس دولة خاصة به في شهر يونيو (حزيران) الفائت»، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط».
إلى جانب العمليات الانتحارية، عُرفت النصرة بعمليات الخطف مقابل فدية، أو مقابل التفاوض على تحسين شروطها وتوفير الحماية لمقاتليها. فقد خطفت الجبهة 13 راهبة مسيحية من بلدة معلولا في القلمون السورية، وأفرجت عنهم في شهر مارس (آذار) الماضي، بعد مفاوضات شاركت فيها قطر. كما تحتجز «النصرة» الآن 44 جنديا من دولة فيجي، العاملة ضمن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك في هضبة الجولان السورية (أندوف)، إضافة إلى عسكريين وعناصر من قوى الأمن الداخلي في لبنان، بعد الهجوم على بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع القلمون السوري مطلع الشهر الماضي.
وتخوض «النصرة» معارك واسعة ضد القوات الحكومية السورية في مناطق نفوذها، لكن المعارضة تشكّك بنواياها، كونها «تخدم أهداف النظام السوري من خلال سلوكيات غريبة». ويسأل مصدر بارز في المعارضة السورية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن «الغرض من التحضير لمهاجمة بلدة محردة (في ريف حماه) التي يسكنها مسيحيون، بقيادة الجولاني نفسه، من غير التطلع للسيطرة على مطار حماه العسكري الذي يعد إسقاطه أكثر سهولة؟». ويرى أن هذا الهدف «مشبوه»، مؤكدا أن الجبهة التي تستقطب «جهاديين أجانب على غرار أولئك الذين يستقطبهم (داعش)، تتبنى مشاريع مشبوهة تضر بالثورة السورية ومصالح المعارضة أمام المجتمع الدولي».
ويتحدث ناشطون في درعا عن «مقاتلين من باكستان يوجدون على حواجز جبهة النصرة، ويرتدون الزي الباكستاني التقليدي»، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن مقاتلا هنديا يقاتل إلى جانب النصرة، نفذ عملية انتحارية في إحدى البلدات العلوية.
«جبهة النصرة» توأم «داعش» في سوريا.. يتشابهان عقائديا ويختلفان في تفاصيل
أطلقت العمليات الانتحارية في سوريا وعرفت باختطاف الراهبات وجنود دوليين
«جبهة النصرة» توأم «داعش» في سوريا.. يتشابهان عقائديا ويختلفان في تفاصيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة