غارات جوية على جوبر.. و«هيومن رايتس ووتش» تتهم النظام و«داعش» باستخدام ذخائر عنقودية

التنظيم يعدم 30 من مقاتليه في أحداث مطار الطبقة.. ودمشق تعتقل مواليا دعا للكشف عن مصير جنود

غارات جوية على جوبر.. و«هيومن رايتس ووتش» تتهم النظام و«داعش» باستخدام ذخائر عنقودية
TT

غارات جوية على جوبر.. و«هيومن رايتس ووتش» تتهم النظام و«داعش» باستخدام ذخائر عنقودية

غارات جوية على جوبر.. و«هيومن رايتس ووتش» تتهم النظام و«داعش» باستخدام ذخائر عنقودية

كثفت القوات النظامية السورية أمس، استهداف حي جوبر في دمشق بالغارات الجوية، استكمالاً لحملة قصف عنيف بدأت قبل أربعة أيام، في محاولة لاستعادة السيطرة على الحي، مما يمكنها من فتح منفذ آخر إلى الغوطة الشرقية لريف دمشق، بموازاة تجدد المعارك في تلال القلمون بريف دمشق الشمالي، يشارك فيها حزب الله اللبناني إلى جانب القوات النظامية. وجاء ذلك بينما أعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن جهاديي «داعش» استخدموا الذخائر العنقودية في موقع واحد على الأقل في سوريا، وأن النظام السوري يستمر باستخدام هذه الأسلحة المحظورة على نطاق واسع.
ونقلت المنظمة التي تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها عن تقارير لمسؤولين أكراد محليين وأدلة فوتوغرافية أن مقاتلي «داعش» استخدموا قنابل عنقودية يومي 12 يوليو (تموز) و14 أغسطس (آب) الماضيين، خلال معاركهم مع مقاتلين أكراد محليين حول بلدة عين العرب (كوباني) الواقعة في ريف حلب والحدودية مع تركيا. ورجحت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان أن تكون هذه هي المرة الأولى التي استخدم فيها التنظيم القنابل العنقودية، إلا أنه لم يكن واضحا كيف تمكن من الحصول عليها.
وتحتوي القنابل العنقودية على عشرات أو مئات من القنابل الصغيرة ويمكن إطلاقها بواسطة الصواريخ أو رميها من الجو. وينتشر أثر المتفجرات على مناطق واسعة دون تمييز في الطبيعة، كما يمتد مفعولها في التشوه والقتل لفترة طويلة عند انفجار القنابل الصغيرة التي لم تنفجر عند شن الهجوم.
واستخدمت القوات النظامية هذه الأسلحة خلال المعارك ضد مقاتلي المعارضة الذين يحاربون من أجل الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد بحسب «هيومن رايتس ووتش»، التي ذكرت أن القوات النظامية السورية استخدمت الذخائر العنقودية 249 مرة على الأقل منذ منتصف عام 2012، وذلك بحسب أفلام فيديو وإفادات أدلى بها شهود، وأبحاث، علماً أن سوريا لم توقع على اتفاقية حظر إنتاج واستخدام القنابل العنقودية، التي لم توقع عليها كذلك الولايات المتحدة.
في هذا الوقت، عادت ارتدادات سيطرة «داعش» على مطار الطبقة العسكري في الرقة شمال سوريا إلى الواجهة، إذ أفاد ناشطون سوريون بأن «داعش» نفذ أحكام الإعدام بحق 30 مقاتلاً من عناصره، على خلفية السماح لمقاتلين النظام بالفرار إلى بلدة أثريا في حماه، هرباً من القتال في مطار الطبقة، في حين أفاد ناشطون بأن النظام شيع في اللاذقية قتلى له سقطوا في المطار الأسبوع الماضي.
وفي سياق متصل، قال سكان ونشطاء إن السلطات السورية ألقت القبض على ناشط مؤيد للحكومة أطلق حملة على شبكات التواصل الاجتماعي يطالب فيها المسؤولين بتقديم معلومات عن مئات الجنود المفقودين. وقبل اختفائه كان الناشط والمحامي مضر حسان خضور يمثل صوت اعتراض علني نادر ومتصاعد في الوقت ذاته بين العلويين الذين ينتمي إليهم الأسد وكثيرون من مؤسسته العسكرية ومستشاريه الأمنيين.
وأجج الاعتقال الذي حدث يوم الجمعة حملة تتسم بجرأة غير معتادة من جانب بعض مؤيدي الحكومة يحملون فيها السلطات مسؤولية ارتفاع عدد القتلى بين الموالين للرئيس بشار الأسد.
ميدانياً، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الاشتباكات بين مقاتلي الكتائب الإسلامية وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) من جهة، وقوات النظام وقوات الدفاع الوطني وحزب الله اللبناني من جهة أخرى، وتواصلت على أطراف حي جوبر، وسط تنفيذ الطيران الحربي 9 غارات على مناطق في الحي، غداة تنفيذ الطائرات السورية أكثر من 15 غارة جوية على بلدة جوبر المتصلة بحي العباسيين شرق دمشق.
وكانت قوات النظام شنت هجوما غير مسبوق على جوبر يوم الخميس الماضي في عملية عسكرية تهدف لاقتحامها، وإحداث خرق آخر في الغوطة الشرقية، بعد استعادة السيطرة على المليحة، وذلك عقب قيام الكتائب الإسلامية في الحي بتفجير بنائين ونفق لقوات النظام ومقتل العشرات منهم جراء ذلك. وفي سياق متصل بالعملية العسكرية قال ناشطون في ريف دمشق الشمالي إن الاشتباكات في القلمون، تجدّدت بين فصائل تابعة للمعارضة السورية وقوات تابعة للجيش السوري النظامي، مدعومة بمقاتلين من حزب الله اللبناني وتركزت في جرود قرية فليطة وبلدة رأس المعرة المحاذيتين للحدود اللبنانية.
واندلعت اشتباكات عنيفة عند نقطة الثلاجة في جرود قرية فليطة، وذلك في محاولةٍ من الجيش النظامي استعادتها، بعد أن سيطر عليها مقاتلو المعارضة، كما امتدت الاشتباكات إلى محيط تلة رأس الرفيع، الخاضعة لسيطرة النظام في جرود بلدة رأس المعرة، حيث شنّت كتائب «النصرة»، هجوماً على التلة في محاولة للسيطرة عليها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.