الأمم المتحدة تتخوّف من «كابوس إنساني لا نظير له» في سوريا

واشنطن تحذر الأسد من الكيماوي وتذكر روسيا وإيران بأن لا حل عسكرياً

عملية تبادل لأسرى ومحتجزين على معبر العيس ، تمت أمس في حلب، وأسفرت عن إطلاق 9 محتجزين كانوا لدى الفصائل المسلحة. بينهم مدنيون وعسكريون.
عملية تبادل لأسرى ومحتجزين على معبر العيس ، تمت أمس في حلب، وأسفرت عن إطلاق 9 محتجزين كانوا لدى الفصائل المسلحة. بينهم مدنيون وعسكريون.
TT

الأمم المتحدة تتخوّف من «كابوس إنساني لا نظير له» في سوريا

عملية تبادل لأسرى ومحتجزين على معبر العيس ، تمت أمس في حلب، وأسفرت عن إطلاق 9 محتجزين كانوا لدى الفصائل المسلحة. بينهم مدنيون وعسكريون.
عملية تبادل لأسرى ومحتجزين على معبر العيس ، تمت أمس في حلب، وأسفرت عن إطلاق 9 محتجزين كانوا لدى الفصائل المسلحة. بينهم مدنيون وعسكريون.

تخوفت الأمم المتحدة من «كابوس لا نظير له» حتى الآن في الحرب السورية إذا واصلت القوات الحكومية بدعم روسي - إيراني هجومها في اتجاه إدلب وغيرها من المناطق في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي البلاد، مما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى «أسوأ مأساة إنسانية في القرن الحادي والعشرين».
وجاء ذلك خلال جلسة طارئة علنية عقدها مجلس الأمن في نيويورك بطلب من كل من الكويت وألمانيا وبلجيكا، وهي الدول الثلاث التي تحمل القلم في الملف الإنساني في سوريا. وأفادت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو خلال الجلسة أن «المدنيين يدفعون ثمن حرب لا تنتهي»، مشيرة إلى أن هناك تكراراً الآن لما حصل من قبل: «في حلب وفي الغوطة الشرقية وفي الرقة». وأضافت أنه «في إدلب، يتعرض ثلاثة ملايين مدني للخطر. إذا استمر التصعيد واندفع الهجوم إلى الأمام، فإننا نخاطر بتداعيات كارثية وتهديدات للسلم والأمن الدوليين».
وعبرت عن «قلق بالغ من التكثيف الخطير للعنف في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا، بما في ذلك من قوات الحكومة السورية وحلفائها وقوات المعارضة المسلحة والمجموعة الإرهابية المدرجة في قائمة مجلس الأمن: هيئة تحرير الشام». وقالت: «يذكرنا التصعيد الحالي مرة أخرى بالحاجة الملحة إلى حل سياسي»، علما بأن «المجتمع الدولي متوافق على وجوب معالجة وجود هيئة تحرير الشام في إدلب. لكن بوجود ثلاثة ملايين مدني في أماكن قريبة، لا يمكن السماح بتفوق مكافحة الإرهاب على التزامات القانون الدولي».
وكشفت أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن «وضع أولويات للعملية السياسية»، مضيفة أن «هناك ضرورة لتنشيط المسار السياسي الذي تيسره الأمم المتحدة. يجب (...) بناء الثقة». ورأت أنه «إذا استطعنا أن نعمل معاً لدعم التزام روسيا وتركيا بوقف النار في إدلب، يمكننا العمل على استعادة وقف النار على مستوى البلاد والتركيز على دفع خريطة الطريق السياسية في القرار 2254». وتحدثت عن إحراز تقدم كبير في مسألة اللجنة الدستورية.
وفي مستهل إحاطته أمام أعضاء مجلس الأمن، لاحظ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك أن الأسابيع الثلاثة الماضية «شهدت تصعيداً مميتاً للنزاع في شمال غربي سوريا»، مذكراً بتحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وغيره من المسؤولين الدوليين من مغبة حصول معركة واسعة النطاق في إدلب لأن ذلك «سيطلق العنان لكابوس إنساني لا مثيل له» في سوريا، وما اعتبره «أسوأ مأساة إنسانية في القرن الحادي والعشرين». وقال إنه «على رغم تحذيراتنا، فإن أسوأ مخاوفنا صار حقيقة الآن»، موضحاً أن «الأمم المتحدة تقدر أن ثلاثة ملايين شخص يعيشون في منطقة خفض التصعيد في شمال غربي البلاد». وأضاف أنه «حتى قبل التصعيد الأخير، كان هؤلاء بين أضعف الناس في سوريا، لا سيما بوجود مليون طفل و1.3 مليون شخص فروا إلى إدلب من أجزاء أخرى من البلاد». وأفاد لوكوك أنه «في الأسابيع الثلاثة الماضية، لدينا تقارير تفيد أن ما يصل إلى 160 شخصاً قتلوا.
ونزح ما لا يقل عن 180 ألف شخص. وهناك الملايين من الناس العالقين في منطقة أصغر»، مضيفاً أنه «بينما انتقل الكثير من الناس إلى مخيمات، فهناك أكثر من 80 ألف شخص لم يجدوا مكاناً يذهبون إليه». وأوضح أن أكثر من 400 ألف طالب عجزوا عن التقدم لامتحاناتهم. وعبر عن «القلق البالغ حيال عدد الهجمات التي تستهدف المرافق الطبية أو تدمرها»، مذكراً بأن «المنشآت الطبية محمية بشكل خاص بموجب القانون الدولي الإنساني»، مشيراً إلى أنه «منذ 28 أبريل (نيسان) ، حددت منظمة الصحة العالمية والجهات الفاعلة في مجال الصحة ما لا يقل عن 18 منشأة تضررت أو دمرت بسبب الغارات الجوية أو القصف أو غير ذلك من المعارك. وكلها داخل منطقة خفض التصعيد»، مما جعلها «غير صالحة للاستعمال حالياً». وكشف أنه على تقديم تفاصيل وإحداثيات عن أماكن المستشفيات من أجل حمايتها من قبل كل أطراف النزاع حتى يتمكنوا من الامتثال لتلك الالتزامات.
وتحدث القائم بأعمال البعثة الأميركية جوناثان كوهين فقال: «تتعرض ملايين الأرواح للخطر بسبب العمليات العدائية المتصاعدة من جانب روسيا والنظام (السوري) في محافظتي إدلب وحماة». وأضاف أن «أي تصعيد للعنف في شمال غربي سوريا من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة»، مطالباً روسيا بـ«اتخاذ الخطوات التالية على الفور إقراراً بقدرتها على التأثير على سلوك نظام الأسد: خفض تصعيد كل النشاطات العسكرية في المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب والتأكيد على التنفيذ الكامل لاتفاق سوتشي في 17 سبتمبر (أيلول) 2018»، مما يعني «الوقف الكامل لكل الأعمال العدائية في المنطقة. نقطة على السطر». وطالب باتخاذ «كل الخطوات اللازمة» من أجل «ضمان عدم قيام النظام السوري بنشر أسلحة كيماوية في إدلب». ودعا إلى «إرسال إشارة إلى نظام الأسد ومؤيديه، روسيا وإيران، بأنه لا يوجد حل عسكري للصراع السوري». بل إن «الحل الوحيد هو الانتقال السياسي على النحو المبين في القرار 2254: أي وقف النار، إقامة حكم موثوق وشامل وغير طائفي يحترم حقوق الشعب السوري، مراجعة دستورية وفي الدستور الجديد، تحت إشراف الأمم المتحدة بمشاركة جميع السوريين، بما في ذلك من هم في الشتات».
وقال المندوب الفرنسي فرنسوا دولاتر إن «الحقيقة هي أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا»، محذراً من أن «هجوم إدلب يقوض آفاق السلام في سوريا ليس إلا». وأضاف أن «انتقالاً سياسيا موثوقاً، لا رجعة فيه وشاملاً هو الذي سيكسر المأساة السورية ويمهد الطريق لإعادة الإعمار». ورأى أنه «يجب علينا أن ندعم بشكل جماعي جهود المبعوث الخاص لتنفيذ جميع عناصر القرار 2254. بما في ذلك حزمة دستورية ذات مصداقية».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.