الجزائريون يعودون للاحتجاج وسط العاصمة... والسلطات ترد بعنف

المتظاهرون باتوا يشككون في جدية الملاحقات القضائية ضد رموز نظام بوتفليقة

جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
TT

الجزائريون يعودون للاحتجاج وسط العاصمة... والسلطات ترد بعنف

جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
جانب من المظاهرات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)

شددت قوات الأمن الجزائرية أمس قبضتها على مداخل العاصمة، وولاية برج بوعريريج (شرق)، حيث «يحج» مئات الآلاف من المتظاهرين صباح كل جمعة، للتعبير عن رفضهم لاستمرار رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي في الحكم.
وأطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع بالبريد المركزي في العاصمة، ما أثار غضب المتظاهرين، الذين التحق بهم رؤساء بلديات جاءوا من منطقة القبائل للتعبير عن رفضهم الانخراط في مسار التحضير الإداري لرئاسية 4 يوليو (تموز) المقبل. وفي غضون ذلك عاشت الضواحي الشرقية والجنوبية للعاصمة حالة من الاختناق والفوضى بسبب طوابير السيارات، التي امتدت إلى كيلومترات عديدة، بسبب نقاط المراقبة التي وضعتها قوات الدرك الوطني، بأمر من قيادة الجيش، للحؤول دون الدخول إلى العاصمة.
ومنعت الإجراءات الأمنية المشددة عشرات الآلاف من الالتحاق بـ«معاقل الحراك» في العاصمة، وخاصة في ساحتي «أول ماي» و«موريس أودان»، وفضاء البريد المركزي، الذي يعد نقطة لقاء المتظاهرين ضد النظام، يوميا.
في سياق ذلك، نظم رؤساء بلديات ولايتي تيزي وزو وبجاية (شرق)، وهما من أبرز مناطق القبائل، مظاهرة صغيرة على هامش حراك «الجمعة 13» بالعاصمة، ورفعوا شعارات معادية للنظام، وصاحوا باللغة الأمازيغية «ولاش السماح ولاش» (لسنا مستعدين لنغفر للنظام). وكان هؤلاء المنتخبون قد أعلنوا منذ شهر رفضهم تطبيق تعليمات الحكومة بمراجعة لوائح الناخبين، وبدء التحضيرات اللوجيستية للانتخاب، الذي تريده السلطة ويرفضه المتظاهرون بشدة، بحجة أنه سينظم «تحت إشراف بقايا نظام بوتفليقة». وعد ذلك «عصيانا» من طرف الحكومة.
وصدت الشرطة محاولات متظاهرين اختراق الطوق الأمني للوصول إلى مبنى البريد المركزي. لكن مع وصول أعداد أخرى منهم أطلقت قنابل مسيلة للدموع صوب مجمع غفير، ما تسبب في اختناق العديد من الأشخاص، ونقل بعضهم إلى المستشفى. واحتج المتظاهرون على هذا التصرف من الشرطة في شهر الصيام.
وجاء في الشعارات المرفوعة «ماكانش انتخابات ياعصابات» و«أفالان ديكاج»، وشعارات أخرى قاسمها المشترك المطالبة بحل حزب الأغلبية الذي يرأسه الرئيس السابق بوتفليقة. كما طالب المتظاهرون قائد الجيش الجنرال قايد صالح بالرحيل عن الحكم، واتهموه ككل جمعة بـ«التملص من وعوده». في إشارة إلى تصريحات سابقة تعهد فيها بتحقيق كل مطالب الشعب. لكن في نفس الوقت ظل متمسكا ببن صالح وبدوي. كما عبَر المتظاهرون عن شكوك قوية في جدية الملاحقات القضائية ضد مسؤولين بارزين في نظام الرئيس السابق.
وقالت «ولاية الجزائر» في بيان إنها تتحمل مسؤولية إقفال البريد المركزي على المتظاهرين بذريعة أن سلالم المبنى العتيق، الذي يعود إلى القرن الـ19. «لا يتحمل أن يقف عليه لوقت طويل آلاف الأشخاص». لكن هذا المبرر لم يقنع المتظاهرين. وفي هذا السياق قال أحدهم متهكما، وهو يضع على كتفيه علم الجزائر «تحاول السلطات بطريقة مفضوحة تبرير القمع الذي فرضته علينا اليوم. فقد سبب لها حراكنا صداعا. لكن حتى لو أغلقت كل الساحات العامة فلن نتوقف عن التظاهر في الشارع ومطالبتها (العصابة) بالرحيل، ولن نتخلى عن الطابع السلمي لاحتجاجنا، وهذا ما يقلقها أكثر».
ولا يزال الجدل قائما حول إصرار قيادة الجيش على «الحل الدستوري»، الذي يتمثل في تنظيم رئاسية بعد ثلاثة أشهر من تولي رئيس الدولة مهامه، إثر استقالة رئيس الجمهورية، رغم أنه ثبت استحالة تفعيله. ولذلك يطالب قطاع من الحراك بالتوجه إلى الحل السياسي، وذلك عبر إطلاق «مجلس رئاسي» يتكون من شخصيات مستقلة عن السلطة، تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية. لكن قائد الجيش رفض الفكرة بشدة.
في هذا السياق، قال وزير الدولة السابق أبو جرة سلطاني «ما زال أمام صنّاع فرصة ليتّخذوا خطوة جريئة نحو الفصل في الخيارات، التي تحتاج إلى جرأة تاريخيّة تردّ للدّولة هيبتها، وتجسّد الإرادة الشّعبيّة. وفي تقديري فإنّ الخطوة المرتقبة لن تخرج عن واحد من ثلاثة خيارات مفصليّة: إما ترسيم الحلّ الدّستوري بإقرار الرابع يوليو تاريخا لإجراء الانتخابات، استنادا للمادة 102 منه، دون أي اعتباراً آخر. وهو خيار له كلفته السياسيّة في الحملة ويوم الاقتراع، وبعد إعلان النتائج. وإما تكييف الحلّ الدّستوري بتأجيل الانتخابات ثلاثة أشهر أخرى (الثلث الأوّل من أكتوبر/ تشرين الأول)، يتولّى خلالها رئيس مجلس دستوري متوافق عليه، إدارة الدّولة بالنيابة. وهو خيار قد يلقى تجاوبا بين مطالب الحراك ورغبة المؤسّسة العسكريّة في عدم الذّهاب إلى مرحلة انتقاليّة».
أما الخيار الثالث، حسب سلطاني، فهو «المواءمة بين الدّستوري والسّياسي؛ بفتح حوار مع جميع مكوّنات المجتمع، يكون من مخرجاته وضع أرضيّة وفاق وطني، تحدّد كيفيّة إجراء انتخابات رئاسيّة في أقرب الآجال».
وعبر سلطاني عن خشيته من اللجوء إلى «خيار رابع»، وهو تفعيل المادة 107 من الدستور، التي تنص على «الحالة الاستثنائية». واعتبر ذلك «السّيناريو الأسوأ الذي لا يرغب فيه أي جزائري لأنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي والأمني لا يحتمل مزيدا من الضّغط، على نفسيّة شعب يريد أن يرى رئيسا منتخبا بإرادته».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».