في مهرجان فينيسيا: 3 أفلام و3 حكايات عائلية أفضلها فلسطيني

قبل أن تتّجه المخرجة سهى عراف إلى صندوق الدعم الإسرائيلي لتمويل فيلمها الروائي الأول «فيلا توما»، بعثت بالمشروع إلى عدد من المؤسسات العربية ولم تحظ بجواب، ناهيك عن الدعم ذاته، تقول: «طرقت الكثير من الأبواب عربية وغير عربية ولو تجاوبت مؤسسة واحدة ومنحت المشروع الدعم المادي الذي يمكنني من إنجازه لما اتجهت إلى ذلك الصندوق. لكن ما العمل؟ يبدو لي أن صناديق دعم المشاريع العربية لا تمانع في أن ألجأ إلى صندوق الدعم الإسرائيلي. أما الإعلام فينقض على الفيلم مهاجما إياه لأن تمويله مقبل من الدولة الإسرائيلية».
حدث هذا سابقا مع أكثر من مخرج فلسطيني بينهم محمد بكري وإيليا سليمان. فلا وجود لمنهج تعاون واستثمار في مشروع سينمائي عربي لمخرج يعيش في الداخل الفلسطيني لكن هناك استعداد لاتهام ذلك المخرج بأنه «يبيع نفسه» لأجل نيل دعم إسرائيلي. تكمل عراف: «أساسا هذا الدعم هو حقي كفلسطينية. نحن الفلسطينيين الذين يسموننا (عرب الداخل) نشكل عشرين في المائة من سكان الدولة الإسرائيلية، لكننا نتقاضى من الخدمات والمنافع لقاء ما ندفعه من ضرائب بما لا يتجاوز الواحد في المائة. إذن هذا المال الذي أنجزت به الفيلم هو حقّي جاء مني ومن دافعي الضرائب الفلسطينيين. فالمخرجون الإسرائيليون هم الذين يستفيدون من الضرائب التي ندفعها».
هذا القول لا يتكفّل بالرد على منتقدين عرب، بل على الإعلام الإسرائيلي وأجهزة ثقافية وحكومية مختلفة طالبت المخرجة المولودة على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع لبنان، بإعادة ما دفعه الصندوق إليها بعدما أصرّت على تقديم الفيلم باسم فلسطين: «حاربوني بشراسة، مارسوا علي ضغطا رهيبا وتلقيت تهديدات ونعتوني بالإرهابية لموقفي هذا، لكني لن أستجيب لهذه الضغوط. فليفعلوا ما يريدون».

* عائلة لا تخرج عن التقاليد
«فيلا توما» هو نوع مختلف من الأفلام الفلسطينية. بصرف النظر عن رأي المخرجة من أن الفيلم فلسطيني ورأي صندوق الدعم الإسرائيلي بأن الفيلم إسرائيلي، هو فلسطيني الروح بالكامل. ليس فقط لأنه لا توجد شخصية يهودية أو إسرائيلية في الفيلم، بل لأنه يوفر نظرة اجتماعية كاملة على موضوعه الذي يدور حول حياة أربع شخصيات نسائية ينتمين إلى عائلة مسيحية واحدة. العمّات جولييت (نسرين فاعور) وشقيقتاها فيوليت (علا طبري) وأنطوانيت (شيرين دعيبس) يستقبلن في الفيلا التي يعشن فيها في رام الله (ولو أن التصوير جرى في حيفا) ابنة شقيقهن الراحل بديعة (ماريا زريق) لأنه لم يعد لديها من تلجأ إليه بعد وفاة والدها. لكن جولييت وفيوليت تعاملان بديعة معاملة جافّة فهن يعددن أنها جاءت من حياة وضيعة كون والدها المسيحي خرج عن التقاليد المتوارثة وتزوّج أمّها المسلمة.
تقرر جولييت أن الوقت قد آن لرفع درجة حياة بديعة من مستوى العموم إلى مستوى الطبقة البرجوازية. تصرف العائلة على الفتاة المال لتعلمها الفرنسية وتجلب لها مدرّسة بيانو لكني تلقنها العزف وذلك بغرض تزويجها. جولييت هي المدفوعة لهذه الغاية، أما أنطوانيت فلا تكترث ودائما ما تكشف عن حقدها الدفين تجاه بديعة. أما أنطوانيت فهي الأصغر سنّا بين الثلاث والأكثر تعاطفا مع بديعة إلى حد بعيد. تبدأ عائلة توما تحضر حفلات زفاف وصلوات يوم الأحد وتؤم الجنازات، لكن العائلة كانت ابتعدت كثيرا عن الاختلاط بالخارج لدرجة أن العائلات المسيحية الأخرى لم تتحمس كثيرا ولم يتقدم منها أحد لطلب يد الفتاة. خلال حضور أحد الأعراس تلتقي بديعة بشاب مسلم جيء به للغناء، وخلافا لتقاليد العائلة المترفّعة ترقص معه. ثم ها هو يقفز فوق بوابة الفيلا ويقابلها سرا خلال الليل، ونتيجة أحد تلك اللقاءات أن تحبل منه لكنه ينقطع عنها ويفتضح أمرها بعد شهرين. ذات مرّة تكتشف أن سبب انقطاعه يعود إلى استشهاده خلال إحدى عمليات المقاومة. ومن دون إفشاء تطورات قصة الفيلم الذي لم يعرض تجاريا بعد نستطيع القول إن المخرجة تنتقل به إلى تطوّر جديد سيؤسس لنهاية مرحلة وبداية أخرى.
سهى عرّاف كتبت سيناريوهات أفلام إسرائيلية سابقا، مثل «عروس سورية» و«شجرة الليمون»، والمختلف هنا هو أنها كتبت سيناريو هذا الفيلم لكي تخرجه هي. بالتالي كتبت ما أرادت تنفيذه ثم صوّرت ما كتبته وكانت النتيجة موضوعا متماسكا من حيث تعامل الممثلات مع شخصياتهن وتعامل المخرجة معهن. «فيلا توما» فيلم رائع كصنعة وكمادة مروية. عيبه الوحيد، ليس من مسؤولية المخرجة، هو أن الميزانية لم تسمح للفيلم بأن يتنفس جيّدا خلال التصوير ومن حيث احتمال التوسّع قليلا بإضافة مشاهد استكمالية، فنسمع عن أن بديعة بدأت دروسا فرنسية، لكننا لا نرى ذلك، وتمر بضعة أيام على لقاءات بديعة والمغني لكنها تبدو كما لو كانت مجرد يومين أو ثلاثة. لكن براعة المخرجة هي في أن تأقلمت مع المتاح جيّدا وصاغته كأسلوب بصري ومونتاجي مدروس. في نصف ساعته الأولى على الأقل هو أكثر من مجرد عمل جيّد. في باقي فترة عرضه لا يشهد أي هبوط في مستوى الأداء، لا أداء مخرجته ولا أداء ممثلته ولا أداء تصويره.

* امرأتان ورجل
هناك عائلة أخرى خطفت قدرا من الإعجاب هي تلك التي نراها في فيلم بنوا جاكو الجديد «3 قلوب». لكن كل شيء هنا يختلف تماما عن كل شيء في «فيلا توما» وفي المقدّمة صلب الموضوع والشؤون المثيرة للاهتمام.
يأتي المخرج الفرنسي جاكو (أشهر أفلامه إلى الآن «وداعا، ملكتي») بحكاية عاطفية ويعاملها بقدر من الميلودراما ثم لا ينجح في صياغة فيلمه بمزايا فنية عالية. يدور الفيلم حول أم (كاثرين دينوف) تدرك أن ابنتيها (شيارا ماستروياني وشارلوت غينزبورغ) تعيشان في مأزق، فقد وقعتا في حب شاب واحد اسمه مارك (بنوا باولفورد) الذي يعمل موظّف ضرائب يفوته القطار في تلك البلدة الصغيرة التي تقع فيها الأحداث. يدخل الحانة لكي يسهر فيتعرف على سيلفي (غينزبورغ) ويخرجان لسير طويل في أرجاء البلدة. بعد ذلك، عندما يعود إلى باريس، يتعرّض لنوبة قلبية ويفقد الاتصال بسيلفي التي تحضّر نفسها لمغادرة فرنسا. حين يعود إلى البلدة يتعرّف على شقيقتها التي تقع في حبّه وتبادر إلى فسخ ارتباطها مع صديقها من أجله.
سيناريو بنوا يتّكل على توليفة لا تخلو من الصدف ولا من ابتزاز عاطفي ومواقف ميلودرامية غالبا ما ستؤجج شباك التذاكر الفرنسي لكنها ستبقى بعيدة عن فعل الشيء نفسه بين النقاد.
التمثيل هنا جاف أو مفهوم، فلا تحديات كبيرة هناك ومع ممثلة في مكانة دينوف فإنه بات من الصعب أن يجد السينمائي لها دورا مختلفا هذه الأيام.

* عواطف مهدورة
المرأة في واجهة فيلم «أوليف كيتريدج» للمخرجة ليزا شولودنكو. فيلم أميركي يعاني من طول مدّة عرضه (232 دقيقة) كونه إنتاجا تلفزيونيا لحساب فضائية HBO أساسا، لكن إذا ما تجاوز المشاهد مسألة الوقت فإنه سيستطيع الاستمتاع بعمل جيّد من حيث دراسته لمنوال حياة أستاذة حساب في مدرسة من مدارس البلدات الأميركية الصغيرة. المدرّسة أوليف (فرنسيس مكدورماند التي اشترت حقوق الرواية التي كتبتها إليزابث ستراوت ونالت عنها جائزة بوليتزر سنة 2008) امرأة جادّة وغير محبوبة. ليس فقط لأن قلة من تلامذتها ينالون رضاها وتقديراتها الإيجابية في نهاية كل شهر، بل لأنها تشعر وتتصرف كما لو أن معظم أهل البلدة من غير مستواها الثقافي. ليست غنية وليست مترفّعة لكنها تعيش وسط بيئة فقيرة ثقافيا وبسيطة التفكير.
وهي لا تجد السلوى لدى زوجها الصيدلي هنري (رتشارد جنكينز) ولا هو بقادر على أن يعيد فتح باب العاطفة والحب بينهما رغم أنهما ما زالا موجودين. كل منهما يجد في رفيق آخر بعض ما بات يفتقده: هو مع فتاة تعمل معه (زاو كازان) وهي مع أستاذ زميل (بيتر مولان). ومن هنا تتوزع خيوط أخرى تذهب في واد من المشكلات العاطفية لشخصيات متّصلة (ابنهما، معلّم الرياضة الخ..).
الفيلم الذي جرى تشكيله من أربع حلقات يكشف عن معالجة سينمائية رصينة من المخرجة شولودنكو التي سبق لها أن أدارت جولييت مور وآنيت بانينغ في «الفتيان بخير».
لكن فرنسيس ماكدورماند إذ تبقى المحور الوحيد في كل ما يمر من أحداث، تبرهن على أنها خامة جيّدة لم تستغل جيّدا. إنها ليست الوجه المحبب ولا تعيش في هوليوود ثم ليست من النوع الذي سيؤدي دورا شبيها بما أدّته سكارلت جوهانسن في «لوسي» أو «المنتقمون» مثلا، بل هي من ينتظر الفرص الفنية والأدبية المتباعدة لتواكبها. من حسن حظّها أن توم هانكس أحب المصدر ذاته ووافق على إنتاج هذا الفيلم عبر شركته.