سودانيون يحتجون مجدداً للضغط على «العسكري» لتسليم السلطة إلى مدنيين

قادة الثوار يزيلون المتاريس... ويصفون تعليق التفاوض بـ«المؤسف»

سودانيون يتظاهرون أمام مقر الجيش وسط الخرطوم ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
سودانيون يتظاهرون أمام مقر الجيش وسط الخرطوم ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحتجون مجدداً للضغط على «العسكري» لتسليم السلطة إلى مدنيين

سودانيون يتظاهرون أمام مقر الجيش وسط الخرطوم ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
سودانيون يتظاهرون أمام مقر الجيش وسط الخرطوم ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)

استجاب «الثوار» السودانيون لطلب قيادات قوى «إعلان الحرية والتغيير»، ورفعوا المتاريس والحواجز عن الطرق الرئيسية في الخرطوم، وعادوا إلى ساحة الاعتصام الرئيسية أمام قيادة الجيش، وذلك بعد فشل محاولات عديدة لإزالة الحواجز والمتاريس وفتح الطرقات، نفذتها قوات حكومية، كما دعوا إلى مواكب احتجاجية جديدة، تنطلق من الأحياء وتتجه نحو مكان الاعتصام بهدف ممارسة مزيد من الضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة إلى المدنيين.
وكان الثوار قد وسعوا مساحة الاعتصام في مناطق جديدة، عقب إطلاق نار نفذته قوات عسكرية، قتل على إثره أربعة محتجين وأصيب أكثر من مائة بجراح، أمس وأول من أمس، معتبرين ذلك محاولة من قبل الجيش وقوات الدعم السريع لفض اعتصامهم، الذي يصرون على استمراره حتى تسليم الحكم إلى سلطة مدنية.
وعلّق رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير لمدة 72 ساعة، بعد إطلاق نار من طرف قوات ترتدي ملابس عسكرية للمرة الثانية خلال يومين، مشترطاً العودة للتفاوض بعد إزالة المتاريس خارج محيط منطقة الاعتصام، ووقف ما أسماه التحرش بالقوات المسلحة، والدعم السريع وعدم استفزازها.
بيد أن قادة الاحتجاجات المنضوون تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير»، سارعوا إلى تأكيد استمرار الاعتصام أمام قيادة الجيش، وكافة ميادين الاعتصام في البلاد، مبدين أسفهم على قرار تعليق التفاوض، ووصفوه بأنه «لا يستوعب التطورات» التي تشهدها البلاد.
بالموازاة مع ذلك، يعتزم «تجمع المهنيين السودانيين» تسيير مواكب احتجاجية جديدة، تنطلق من أنحاء الخرطوم وتتجه لمقر الاعتصام لتعزيز المطالبة بتسليم السلطة للمدنيين. وقال التجمع في نشرة على صفحته على «فيسبوك» «ستنطلق مواكب تسليم السلطة المدنية اليوم (أمس) من الخرطوم وأم درمان وبحري وشرق النيل، وتتجه جميعها إلى القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة، وذلك من أجل تسليم السلطة للمدنيين، وفقاً لإعلان الحرية والتغيير».
وكان ثوار غاضبون قد سارعوا إلى توسيع منطقة الاعتصام في مناطق واسعة من الخرطوم، عقب إطلاق نار اتهمت به «قوات الدعم السريع»، قبيل ساعة الإفطار مساء الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وسدوا من خلاله طرقاً رئيسية، ومن بينها «شارع النيل» المؤدي للقصر الرئاسي، وشوارع أخرى حيوية وسط المدينة والأحياء في مدن العاصمة الثلاث.
واتهم رئيس المجلس العسكري الانتقالي في بيان، بثه التلفزيون الحكومي، قوات «مندسة»، بإطلاق النار على المحتجين، وبرأ قوات الجيش والدعم السريع من الضلوع في الاعتداء، مثنيا على جهودها في دعم الثورة والثوار.
وكان مقرراً عقد جلسة تفاوض نهائية، مساء أول من أمس، بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير لحسم البند الوحيد المتبقي من التفاوض، المتعثر بينهما منذ عزل الرئيس البشير، وإسقاط حكومته في 11 أبريل (نيسان) الماضي.
وتوصل الطرفان الثلاثاء الماضي إلى اتفاق تقرر بموجبه الاعتراف بهياكل الحكم الثلاثة «السيادي، التنفيذي، التشريعي»، ومنحت خلاله قوى الحرية والتغيير سلطة تشكيل مجلس الوزراء، وتعيين ما نسبته 67 في المائة من المجلس التشريعي ليدير البلاد خلال فترة انتقالية، مدتها ثلاث سنوات، فيما تبقى فقط الاتفاق على نسب مشاركة قوى الحرية والتغيير في المجلس السيادي.
لكن الجنرال البرهان اشترط في بيانه «إزالة المتاريس من خارج محيط الاعتصام»، وفتح خط السكة الحديد، ووقف ما أسماه التحرش بالقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والشرطة، ووقف استفزازها»، وهو الشرط الذي جعل الكثير من الثوار يرون أنه عودة بالأوضاع في البلاد للنقطة الأولى قبل اتفاق الثلاثاء.
وجاء رد قوى إعلان الحرية والتغيير على بيان البرهان بأن خط السكة الحديد مفتوح منذ 26 أبريل الماضي، وأنهم قرروا مسبقاً تحديد منطقة الاعتصام ووقف التوسع فيه، وشرعوا في خطوات إزالة المتاريس من الطرق خارج منطقة الاعتصام الرئيسية، وقالوا «ستنتفي بذلك كل مبررات وقف المفاوضات من طرف واحد».
وتبعاً لذلك، وزع تجمع المهنيين السودانيين، وهو مكون رئيسي من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، ويلقى قبولاً واسعاً لدى الثوار، خريطة حدد بموجبها مساحة الاعتصام، وقال في البيان إن الالتزام بها «يقلل من إمكانية اختراق الثوار بأي عناصر مندسة، ويسهل عمل لجان التأمين في السيطرة والتأمين».
واستجابة لجولة ميدانية قام بها بعض قادة الحرية والتغيير، أزال الثوار ابتداء من مساء أول من أمس وصباح أمس المتاريس التي أقاموها في شارع النيل بالقرب من القصر الرئاسي، وشوارع «الجمهورية، المك نمر، القصر، البلدية» التي كانت مغلقة نسبياً، ولإبداء حسن النية، والرد على اعتبار البرهان تمدد المتاريس وإقفال الطرق انتقاصاً من «سلمية الثورة».
وقال شهود عيان إن الثوار ساعدوا القوات العسكرية في إزالة الحواجز، التي أقيمت اليومين الماضيين، وانسابت حركة المرور، فيما شوهدت دوريات مشتركة من الشرطة والجيش والدعم السريع تجوب أنحاء المدينة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.