مصاعب متزايدة أمام جهود نتنياهو تشكيل حكومته

أمامه 11 يوماً لإنهاء المفاوضات الائتلافية

إسرائيلي في مستوطنة بيري يتصدى لحريق تسببت به {درون} أتت من غزة أول من امس (إ ف ب)
إسرائيلي في مستوطنة بيري يتصدى لحريق تسببت به {درون} أتت من غزة أول من امس (إ ف ب)
TT

مصاعب متزايدة أمام جهود نتنياهو تشكيل حكومته

إسرائيلي في مستوطنة بيري يتصدى لحريق تسببت به {درون} أتت من غزة أول من امس (إ ف ب)
إسرائيلي في مستوطنة بيري يتصدى لحريق تسببت به {درون} أتت من غزة أول من امس (إ ف ب)

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، صعوبات متزايدة في الجهود لتشكيل حكومته الجديدة. وقال مصدر مقرب منه إن أحزاب اليمين المرشحة لدخول هذه الحكومة تضع عليه شروطاً تعجيزية ستجعله يقيم «حكومة وفق ميزان مضحك»، فيعين 30 وزيراً وخمسة نواب وزراء على قاعدة برلمانية من 60 نائباً.
وقال النائب ميخا حريش، من حزب الليكود، أمس (الخميس): إن «الأحزاب اليمينية الحليفة تقوم بأكبر عملية ابتزاز سياسي ومالي في تاريخ السياسة الإسرائيلية. وهي تطرح مطالب تجعل الزعماء السياسيين أكثر من الشعب. وتجعل تكلفة الحكومة أكبر من تكلفة الإدارة الأميركية. هذا الأمر سيدفع نتنياهو لأن يتنازل عن وجود حكومة أكثرية فيكتفي بحكومة تستند إلى نصف عدد أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)».
وأكد حريش على أن نتنياهو يواجه مصاعب جدية في تشكيل حكومته الخامسة؛ إذ إن أياً من الشركاء المحتملين لم يتوصل إلى اتفاق معه حول دخوله الحكومة، فالجميع ينتظرون اللحظة الأخيرة.
وقد أدخله رئيس حزب اليهود الروس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، في أزمة جديدة؛ إذ طرح عليه خمسة شروط ورفض أن يناقش أحداً فيها، وقال: «إما أن تقبلوها وإما أن ترفضوها». وأكد أنه لا يخشى الجلوس في المعارضة. لكن جلوسه في المعارضة يعني أن تقوم الحكومة على أساس قاعدة من 60 عضو كنيست من مجموع 120 نائباً. وهذا يعني أنها ستكون حكومة هزيلة قابلة للسقوط في كل لحظة؛ ما جعل رئيس حزب «كلنا»، وزير المالية موشيه كاحلون، يعلن رفضه أن يكون وزيراً للمالية في حكومة ضيقة كهذه.
وقد اتهمهما نتنياهو بأنهما اتفقا عليه لمنعه من تشكيل ائتلاف حكومي جديد. ونقل على لسانه، القول إن ليبرمان وكحلون يدبران أمراً خطيراً يقوّض قوة اليمين في إسرائيل، وكل منهما يكمل في منع تشكيل حكومة يمين. وأضاف: «ليبرمان ذهب بعيداً عندما صرح بوجود قطيعة مع الليكود إلى حين الاستجابة لمطالبه». لكن ليبرمان رد قائلاً: إن «المشكلة عند نتنياهو. فهو لا يجرؤ على مواجهة المتدينين ولا يجرؤ على مواجهة حركة (حماس)». وأضاف: «في اللقاءات الثلاثة التي جمعتنا معاً بعد الانتخابات لم يوافق نتنياهو على إجراء تغيير جوهري في سياسته حيال قطاع غزة ولا في تجنيد الشبان المتدينين».
وقد سئل ليبرمان في محادثات مغلقة عن الخلافات بينه وبين نتنياهو بشأن قطاع غزة، وإن كانت جدية، فرفض الإجابة بالتفصيل، واكتفى بالقول إنه «يوجد لدى الجيش الإسرائيلي خطط مفصلة يعرفها نتنياهو جيداً، وحان الوقت لتفعيلها. الفرق بيننا أنني لا أوافق على أي تسوية مع قطاع غزة، بل يجب أن نلحق هزيمة عسكرية بحركة (حماس) وبقية التنظيمات».
أما كحلون، فقد قال لمقربين منه إنه لن يوافق على شغل منصب وزير مالية في حكومة ضيقة تعتمد على 60 عضو كنيست، من دون حزب ليبرمان. وقال أيضاً: إن هذه الحكومة ستكون ضعيفة ويمكن ابتزازها وممارسة الضغوطات عليها.
في المقابل، دافع النائب حريش عن فكرة تشكيل حكومة ضيقة وقال: إن نتنياهو يدرس بجدية إمكانية تشكيل حكومة مؤقتة تعتمد على 60 عضو كنيست، من دون ليبرمان، ليس بسببه، بل بسبب ليبرمان. وذكر بأنه بُعيد انتخابات عام 2015 شكل نتنياهو حكومة اعتمدت على 61 من مجموع 120 عضو كنيست، حتى انضم إليها لاحقاً ليبرمان، ليصل الائتلاف الحكومي إلى 67 عضو كنيست. ويمكن لهذه الخطوة أن تنجح في حال امتنع أو تغيب ليبرمان عن التصويت على الحكومة في الكنيست، لكن في حال قرر معارضة ذلك، فإن نتنياهو لن يحصل على غالبية.
واستغل عضو الكنيست يائير لبيد، من قائمة «كحول لفان» المعارضة هذا الوضع وعرض على ليبرمان، ألا يوقع على اتفاق للانضمام إلى الحكومة التي يعمل على تشكيلها بنيامين نتنياهو، والانضمام إلى حكومة بديلة ستشكلها قائمته «لأن حكومة نتنياهو حتى لو قامت، فستسقط بعد خمسة أشهر». وقال لبيد في مقابلة إذاعية، أمس، إنه «إذا انضم ليبرمان إلى الحكومة (برئاسة نتنياهو)، فإنه سيضطر إلى التنازل عن مخصصات التقاعد وسيخسر جمهور (المهاجرين) الروس كل شيء مرة أخرى. أما إذا انتظر أشهراً عدة، فإنه سيحصل منا على 55 إصبعاً أكيدة (في الكنيست)، من أجل رفع مخصصات التقاعد إلى المستوى الذي تعهد به. وسوية معنا سيكون لديه 61 صوتاً أي أكثر من نصف أعضاء الكنيست». لكن ليبرمان رفض العرض، وقال: إنه لن يدعم حكومة لا يشكلها نتنياهو، في إشارة إلى رفضه المشاركة في حكومة يشكلها رئيس «كحول لفان»، بيني غانتس، علماً بأن احتمال أن يشكل غانتس حكومة هو احتمال ضئيل للغاية.
يذكر في هذا السياق أنه تبقى أمام نتنياهو 11 يوماً لإنهاء المفاوضات الائتلافية وتشكيل الحكومة، فإن لم ينجح لن يحظى بفرصة ثانية. وسيتم ترشيح غانتس أو الذهاب إلى انتخابات جديدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.