سولير.. مدينة بنكهة البرتقال

مايوركا والإقامة في فندق معلق

سولير.. مدينة بنكهة البرتقال
TT

سولير.. مدينة بنكهة البرتقال

سولير.. مدينة بنكهة البرتقال

عندما زرت مايوركا منذ سبع سنوات، وصفت تلك الجزيرة الوادعة على البحر الأبيض المتوسط بجميلة الوجهات السياحية الإسبانية، وها أنا اليوم أتمسك برأي بعدما زرتها مجددا، وهذه المرة وقعت في حب مدينة في قلب الجزيرة اسمها «سولير» (Soller) وتنطق بالإسبانية «سوييه» تبعد عن العاصمة بالما بنحو 30 دقيقة بواسطة السيارة ويمكن الوصول إليها أيضا عبر جبال «سيرا دي ترامونتانا» والوديان بواسطة القطار الذي يعمل بالبخار وتستغرق الرحلة نحو الساعة.
سولير أو «سوييه» تقع إلى الساحل الشمالي الغربي لمايوركا إحدى جزر البليار وتعني تسميتها «الجزيرة الكبرى»، تبلغ مساحتها ثلاثة كيلومترات ويسكنها 14 ألف نسمة وتشتهر بزراعة البرتقال وبقطار «ترانفيا دي سوييه» الأثري الذي يربط المدينة بمرفئها.
إذا كنت تعاني من أي نوع من الحساسية المتعلقة بالبرتقال، فكر مليا قبل تناول أي طبق أو مشروب، فكل شيء يدخل فيه البرتقال وعصيره، كيف لا وهو سبب ثراء الجزيرة ومنطقة سولير بالتحديد، ومن أرباحه استطاع أهل المنطقة شق الجبل الذي يربط سولير بالعاصمة، كما أن اقتصاد المنطقة يرتكز بشكل جوهري على زراعة البرتقال والحمضيات والزيتون.
الساحة الشهيرة في سولير يطلق عليها اسم «كونستيتوسيو»، تصل إليها فتعرف أنك في بلاد المتوسط، مقاه تصطف جنبا إلى جنب، مقاعد في الهواء الطلق، سبيل ماء صالح للشرب، هدوء لا يتخلله إلا صيحات متوسطية ملؤها الحياة والحيوية، ولكن الصورة تتبدل في حال اخترت الذهاب إلى الساحة وقت القيلولة الذي يمتد ما بين الساعة الواحدة والثالثة ما بعد الظهر، وفي بعض الأحيان إلى الرابعة من بعض الظهر، فتكون أكثر هدوءا لأن وقت الراحة أو «السيستا» مقدس بالنسبة لأهالي المتوسط لا سيما في إيطاليا وإسبانيا.

* سولير
إذا اخترت المجيء إلى سولير عبر القطار، قف لدقائق في محطة سولير ومتع ناظريك بأعمال فنانين عمالقة أمثال بيكاسو وخوان ميرو، واللافت هو أن أعمالهما أصلية ومعروضة على جدران المحطة بمحاذاة السلالم، من دون سياج أو تأمين أي نوع من الحماية لها. ومن أهم ما يمكن أن تزوره في سولير كنيسة سانت بارتوميو ومشاهدة مبنى بنك سولير المبني على طراز معمار المبدع الإسباني أنتوني غاودي.

* تأثير عربي
من الواضح هو تأثر أهالي منطقة سولير بالعرب، كباقي معظم المدن الإسبانية، فهناك الكثير من الكلمات العربية التي لا يزال يستعملها الإسبان، كما أن الإسبان لا ينكرون فضل العرب في تطوير شبكات الري في المنطقة ومن ثم لا يبخلون على أجدادنا العرب في وصفهم أصحاب الأدمغة الذكية التي ساهمت في ثراء تلك المناطق الجبلية الزراعية.
ولكن وعلى الرغم من التأثير العربي الواضح في سولير إلا أنه لم نجد إلا عائلة خليجية واحدة، وقد يكون السبب هو توجه معظم السياح العرب إلى العاصمة بالما وقد تتغير هذه الخريطة السياحية قريبا بسبب قدوم واحدة من أهم العلامات الراقية في عالم الفنادق والضيافة «جميرا» الإماراتية التي يقع تحت لوائها شيخ الفنادق العالمية «برج العرب»، وأقول هذا لأنه بمجرد وصولك إلى المنتجع الواقع على صخرة عملاقة مطلة على مرفأ سولير سوف تشعر بأن العرب عادوا إلى إسبانيا فتشتم رائحة البخور الذكية، وتشاهد موظفين بلباس موحد استوحي تصميمه من الشرق، وبمجرد دخولك إلى البهو الرئيس يطالعك البحر وانعكاسات شعاع الشمس على الماء من خلال واجهات زجاجية عملاقة، وعندما كنت أقوم بإجراءات الإقامة لم أكن أركز على ما أقوم به، فاستدركت موظفة الاستقبال الأمر قائلة: أليس المنظر رائعا؟ الجميع يحسدني على موقع مكتبي، وبالفعل سيحسدها كل من يرى مكان عملها.

* الأكل
لا بد أن نذكر الأطباق الإسبانية مثل الباييا (وهي مأخوذة من العربية وتعني البقايا) في مطعم «كاب رويغ» Cap Roig وفيه تتذوق المتوسط من خلال استخدام المنتجات المحلية مثل زيت الزيتون والملح الطبيعي والطماطم والبرتقال، وأنصحك بعدم تضييع فرصة تذوق عصير البرتقال لأن نكهته فريدة ولا يمكن أن تجدها في أي مكان آخر.
أما إذا كنت تبحث عن الأطباق العالمية في قالب متوسطي فما عليك إلا التوجه إلى مطعم «إس فانالس» (Es Fanals) واسمه يعني «المصابيح» بالإشارة إلى الفوانيس التي يستعملها صيادو السمك في البحر، المطعم يشتهر بمزجه المأكولات الآسيوية مع مأكولات المتوسط بطريقة لا تتضارب مع بعضها البعض، لا بل تقدم تجربة فريدة، تذوق «التاباس» الإسبانية وهي عبارة عن أطباق صغيرة على طريقة المازة العربية مختلفة مثل الجمبري بالثوم والتورتيا والبطاطس بالصلصة الحارة.
فترة المساء وعند غروب الشمس، توجه إلى «سانست لاودنج» (Sunset Lounge) ومثلما يدل اسمه فمنه ترصد لحظات المغيب وهي تعانق البحر، على شرفة واسعة يمكنك تناول ألذ المشروبات والأطباق الخفيفة، جرب طبق السوشي المشكل مع الشاي البارد بالنعناع.
في حال لم تكن وجبة الفطور هي المفضلة لديك، فسوف تغير رأيك عندما تزور «سا تالايا بول بار» (Sa Talaia Pool Bar)، أنصحك بالجلوس على الشرفة العليا على إحدى الطاولات في الزاوية التي تطل مباشرة على البحر، البوفيه غني جدا ولكن جرب أحد الأطباق المتوفرة على لائحة «الا مينوت» (a la minute) التي تحضر لك خصيصا مثل طبق البيض المحضر على طريقة «البنيديكت» مع سمك السلمون والفطر المقلي، من دون أن ننسى عصير البرتقال.

* رحلة بحرية
يقدم جيمرا بورت سولير الكثير من النشاطات والزيارات في الجزيرة، ومن أهمها رحلة بحرية على متن قارب أنيق، تقدم على متنه المشروبات والفواكه، تستكشف من خلاله زرقة البحر المتوسط وروعته، وستتحمس كثيرا للسباحة في وسط البحر، الأمر مسموح به ولكن تأكد من عدم وجود قناديل البحر في أوقات معينة من السنة وإلا فسيحل بك ما حل بي، ولكن السباحة في تلك الماء الصافية ينسيك وجع قرصة القنديل الحارقة، فأنا لا أشعر بالندم لأني اختبرت سباحة فريدة في مياه بحري المفضل على الإطلاق.
وبعد رحلة استطلاعية في وسط المتوسط، تكون قد قرعت أجراس معدتك، ويكون جاء وقت الغداء، لحسن حظنا أن الفندق اختار لنا مطعما محفورا في أحد الجبال التي تسور البحر، فتوقف القارب عند أسفل الجبل، وبدأنا المشي لمدة لا تتعدى العشر دقائق لنصل إلى «سا فورادادا » (Sa Foradada)، وهنا أريد أن أشدد على أن هذا المكان من أجمل الأماكن التي زرتها في حياتي ولم أختبر شيئا من هذا القبيل إلا في جزيرة «سردينيا» في إيطاليا، مع فارق أن «سا فورادادا» يحتل موقعا مميزا لأنه عال عن البحر ولا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق البحر أو عن طريق المشي في الجبال لمدة تتراوح ما بين الساعة والساعة والنصف، المطعم خال من الماء والكهرباء، تطهى فيه جميع الأطباق على الحطب في مطبخ مفتوح، شاخت جدرانه وتحولت إلى لون أسود داكن بسبب حرق الحطب يوميا ما عدا فترة الأقفال في فصل الشتاء.
من أهم ما يمكن أن تأكله في المطعم طبق الباييا بثمار البحر أو الدجاج والتاباس الإسبانية التقليدية.

* حصة لتعليم كيفية تحضير المربى
إذا كنت من محبي الطبخ وتحديدا الحلوى أو من أنصار الطبيعة، ينظم الفندق رحلات للمشي في حقول الزيتون والبرتقال بالتنسيق مع مكتب السياحة في سولير، فلقاء مبلغ 28 يورو يمكنك المشي في الحقول والتعرف على مختلف أصناف الأشجار لمدة ساعة ونصف الساعة وبعدها تتوجه إلى حصة خاصة تتعلم خلالها كيفية تحضير مربى البرتقال والحامض، وفي نهاية الحصة وبعد مشاهدتك فيلما قصيرا يعرفك على ثروة مايوركا وسولير الزراعية وكيفية استغلالها، يكون المربى التي حضرتها أصبحت جاهزة لوضعها في وعاء خاص بك، تزينها بما تشاء وتختار النكهة التي تروق إليك، وتكتب عليه ما يحلو لك من عبارات تذكرك برحلتك.
يشار إلى أنه من الممكن القيام بحصة تعليم تحضير المربى من دون المشي في الحقول والعكس، يكفي أن تخبر مسؤول الاستعلامات في الفندق بذلك.

* التنقل
يؤمن جميرا بورت سولير حافلات للمقيمين في الفندق تقلع كل نصف ساعة من الفندق وإلى مرفأ سولير، وإذا رغبت بالتوجه إلى منطقة سولير، يمكنك التنقل عبر القطار الخشبي القديم، يقلع كل نصف ساعة من أمام المرفأ مباشرة، الرحلة باتجاه واحد تكلف خمسة يوروهات، وتستغرق نحو العشر دقائق، وإذا كان لديك الوقت لزيارة العاصمة بالما وأقسام أخرى من الجزيرة يمكنك أن تستقل سيارة الأجرة (كلفة الوصول إلى بالما 45 خمسة وأربعون يورو).
للمزيد من المعلومات حول سولير وجميرا بورت سولير يمكنك زيارة: www.jumeirah.com و[email protected] و[email protected] وwww.saforadada.com

* جميرا بورت سولير.. فندق معلق بين البحر والسماء
يطلق على الفندق والمنتجع اسم «جميرا بورت سولير» لأنه بني على جرف مطل على مرفأ سولير الذي ترسو فيه أجمل اليخوت وتحيط به سلسلة جبال ترامونتانا، وبحكم موقع المنتجع يوصف دائما بأنه معلق بين السماء والبحر وهذا الوصف غير مبالغ به، لأنه بالفعل كذلك، المنتجع من فئة خمس نجوم ومؤلف من 120 غرفة وجناحا بعضها يطل على البحر والبعض الآخر يطل من الناحية الخلفية على الجبال الخضراء، والمنتجع مؤلف أيضا من 11 مبنى يمكن التنقل بين واحد وآخر بواسطة السلالم الخارجية التي تحيط بها الحدائق المنسقة أو بواسطة المصاعد الكهربائية.
الفندق لا يشبه سواه من حيث الموقع والتصميم، فهو طولي الشكل يغمر الصخرة الذي بني عليها وتناغم بشكل رائع مع البيئة المحيطة به، تتميز جميع غرفه بمساحات واسعة، وتناسب العائلات العربية التي تسافر مع ذويها بأعداد وافرة، كما توجد أجنحة هي أشبه بشقق مستقلة لها مدخلها الخاص وتؤمن فيها خدمة الخادم الخاص (باتلر) ومجهزة بمطبخ وغرفة للخدم والكثير من المزايا التي تفضي نوعا من الخصوصية التامة خلال الإقامة.

* لاحظنا..
اللافت في المنتجع هو أنه يتناسب مع رحلات الأزواج والعائلات بنفس الوقت، فهو مقسم بشكل يكون مثاليا وبحكم موقعه الرومانسي لأن يكون وجهة لقضاء فترة شهر العسل وفي نفس الوقت وجهة للعائلات مع الصغار من دون انزعاج أي فئة، ففي المنتجع بركة سباحة خارجية بلا حدود مطلة على مناظر ساحرة مخصصة للكبار، أما في الجهة الأخرى المقابلة توجد بركة سباحة للصغار، بالإضافة إلى ناد مخصص لنشاطاتهم، وأعتقد أن الفصل ما بين هاتين الفئتين مهم جدا ويقدم أكبر قدر من الراحة والهدوء للباحثين عن هذا النوع من السياحة.
ويشدك أيضا الفن في كل ثنايا الفندق، حيث يضم الكثير من اللوحات التي تعكس بيئة البحر الأبيض المتوسط وشعار جميرا «ابق متميزا»، وتضم المجموعة نحو 400 لوحة وقطعة فنية وكلها مصنوعة أو مرسومة في جزيرة مايوركا، وهذا ما تسعى إليه فنادق «جميرا» حول العالم التفرد والتميز، لذا نرى أن أنماط فنادقها تختلف من بلد إلى آخر لتتناسب مع بيئة الموقع.

* المركز الصحي
أصبح مركز «تاليس» (Talise Spa) من العناوين الأشهر في جزيرة مايوركا لغير المقيمين في المنتجع، وذلك نسبة لما يقدمه من علاجات فريدة والمركز الرياضي بتكنولوجيا عالية (Technogym) بالإضافة إلى بركة سباحة خارجية تعمل بنظام هيدروليكي تقوم بمهمة التدليك في الماء، العلاجات كثيرة، من أشهرها علاج التدليك بالآروما، ويرتكز على مزج الكثير من الزيوت التي تساعد على الهدوء والراحة.

* أجمل زاوية
لا يبخل المنتجع بإطلالاته على أجمل المناظر الطبيعية أينما حللت، ولكن إذا كنت من محبي التصوير فأنصحك بالتوجه إلى الشرفة «التراس» الواقعة بالقرب من بركة السباحة الخاصة بالكبار، وفي ذلك الركن ستجد فرصة فريدة لالتقاط أجمل الصور، ويمكن استئجار هذه الشرفة لإجراء مراسم الزفاف أو أعياد الميلاد الفارهة ومن الممكن أيضا نصب خيمة عملاقة لتضفي خصوصية إضافية للمناسبات الخاصة.



قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.