رضا الشارع باتفاق قادة الحراك و«العسكري» نهاراً ... وسخط المعتصمين منه ليلاً

قوات بزي الجيش تصيب 8 محتجين بالرصاص في الخرطوم

معتصمات سودانيات يحتفلن بإنجاز الاتفاق أمام المجلس العسكري في الخرطوم (أ.ف.ب)
معتصمات سودانيات يحتفلن بإنجاز الاتفاق أمام المجلس العسكري في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

رضا الشارع باتفاق قادة الحراك و«العسكري» نهاراً ... وسخط المعتصمين منه ليلاً

معتصمات سودانيات يحتفلن بإنجاز الاتفاق أمام المجلس العسكري في الخرطوم (أ.ف.ب)
معتصمات سودانيات يحتفلن بإنجاز الاتفاق أمام المجلس العسكري في الخرطوم (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتجه فيه أنظار السودانيين إلى «قاعة الصداقة» بغرب الخرطوم، حيث تنعقد آخر جولات التفاوض بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تقود الحراك، بهدف بحث نسب التمثيل في المجلس السيادي بين العسكريين والمدنيين، أطلقت قوات نظامية الرصاص على محتجين وأصابت ثمانية منهم، وذلك بعد يوم واحد من إعلان التوافق على الحكومة الانتقالية المدنية التي تقود البلاد لثلاث سنوات قادمة.
وبعد تفاوض «ماراثوني متعثر»، دام أكثر من شهر، اتفقت قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي أول من أمس، على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، وتخصيص 67 في المائة من مقاعد المجلس التشريعي، لقادة الحراك، و33 في المائة للقوى عير المنضوية تحت التحالف، إضافة إلى منحه سلطة تكوين حكومة الكفاءات الانتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية.

لكن التوتر والتصعيد عادا من جديد إلى ساحة الاعتصام، إثر هجوم شنّته قوات بملابس عسكرية على المعتصمين، أدى إلى إصابة ثمانية، وأنباء عن مقتل أحدهم بالرصاص.
ويأتي هذه التطور غداة الهدوء، الذي شهدته ساحة الاحتجاجات قرب القيادة العامة للجيش، إثر اتفاق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وبعد أن سادت حالة من الرضا والقبول ساحة الاعتصام قرب قيادة الجيش السوداني بالخرطوم؛ إثر حدوث اختراق كبير في المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير؛ الذي توصل فيه الطرفان إلى اتفاق حسم الكثير من نقاط الخلافات بينهما، بعد تصعيد خطير قتل جراءه وأصيب العشرات بالرصاص الحي.
وأبدى عدد من المعتصمين ارتياحاً كبيراً لما تم التوصل إليه؛ واعتبروه نقطة تسجل في رصيدهم الثوري، باتجاه تحقيق مطالبهم بالوصول إلى دولة مدنية كاملة.
فآلاء عبد الرحيم (30 عاماً) موظفة؛ ترى أن الأوضاع تسير بصورة جيدة؛ وأن النقاط التي تم الاتفاق عليها «مرضية، وتلبي بنسبة كبيرة مطلبنا الأساسي، وهو أن تكون كل السلطات مدنية»؛ وتضيف موضحة «ما دام أن المجلس السيادي لا صلاحيات له خلال الفترة الانتقالية؛ وأن كل السلطات عند الحكومة؛ فهذا الأمر سيرضي الميدان كثيراً؛ لكننا ننتظر حتى نرى الاتفاقيات كاملة».
عثمان آدم لقمان البالغ من العمر 24 عاماً؛ والذي جاء من منطقة أم دافوق أقصى شمال دارفور ليشارك في الاعتصام؛ يقول إنه غير مطمئن لما تم الاتفاق عليه؛ «ما لم ينفذ على أرض الواقع... نحن نريد أن نرى مطالبنا تتحقق على أرض الواقع؛ ولذلك لن نغادر ساحة الاعتصام حتى لو بقينا حتى عيد الأضحى».
ورغم أيام رمضان القائظة؛ لا يزال العشرات من المعتصمين يجوبون ساحة الاعتصام، رافعين لافتات على شاكلة «مدنية أو ثورة أبدية»؛ وآخرون يحملون صور الشهداء، ليذكروا الناس بمن ضحوا بأرواحهم من أجل انتصار كامل؛ ولا رجعة عنه حتى تتحقق الثورة كاملة.
بدوره، يقول الوليد ناصر، وهو طالب جامعي (22 عاماً): «تابعنا الاتفاق، ورغم أنه يرضي الكثير؛ لكن لن نقف حتى تتحقق كل المطالب؛ أولها محاسبة رموز النظام السابق؛ لأن هذه نقطة مهمة يجب على قوى الحرية والتغيير تحقيقها».
من جانبه، يقول أيمن محمد أحمد، وهو عامل في الصرف الصحي: «الاتفاق حتى الآن فيه تقدم كبير بالنسبة لنا نحن المعتصمين في الساحة منذ أكثر من شهر؛ لكننا سنظل متواجدين حتى يتم التوصل إلى اتفاق كامل، نضمن به أن تنقل السلطة إلى المدنيين. هذه مطالب الثورة التي رفعتها منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومن أجلها استشهد الكثير من الشباب؛ ونحن لن نخون دماء هؤلاء الإخوة».
أما صديق عبد الرحمن (60 عاماً) الذي يشتغل في قطاع التعليم، فيؤكد بدوره أن الاتفاق «مُرضٍ، وهو خيار توصلت إليه قوى الحرية والتغيير بعد مفاوضات مضنية؛ ونتمنى أن ينفذ بصورته التي تم الاتفاق عليها به؛ بالإضافة إلى إكمال عملية اختيار الهياكل الأخرى الحكومة التنفيذية والمجلس التشريعي»، مشدداً على أن الشعب «لا يريد حكومة مترهلة؛ وما تم الاتفاق عليه هو شكل الحكومة التي يريدها الشعب السوداني؛ وفي نظري فإن الاتفاق حقق مطلبنا في الدولة المدنية الكاملة؛ ولا يوجد أفضل من ذلك».
من جهته، قال الموظف سامي الباقر (42 سنة): «الاتفاق مُرضٍ إلى حد كبير؛ وفي المفاوضات دائماً هنالك تنازل من الأطراف؛ وما تم من اتفاق على تحديد الفترة الانتقالية بثلاث سنوات؛ وحكومة تنفيذية كاملة لقوى إعلان الحرية والتغيير، بالإضافة إلى نسبة 67 في المائة في المجلس التشريعي جاء نتاج عمل كبير؛ وهذا الاتفاق يؤسس لفترة انتقالية تنقل البلاد نحو الانتخابات الحرة النزيهة، بنهايتها نصل إلى الحكومة الديمقراطية التي بسببها خرجنا إلى الشوارع لأكثر من أربعة أشهر؛ وظللنا معتصمين بساحة الاعتصام لأكثر من شهر».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.