تولر لـ «الشرق الأوسط»: مخرجات الحوار الوطني السيناريو الأفضل لليمن

السفير الأميركي يقول في آخر حديث يجريه قبل انتقاله إلى بغداد إن بلاده لا تريد استعداء الحوثيين

ماثيو تولر
ماثيو تولر
TT

تولر لـ «الشرق الأوسط»: مخرجات الحوار الوطني السيناريو الأفضل لليمن

ماثيو تولر
ماثيو تولر

يقر الدبلوماسي الأميركي ماثيو تولر، بنقطة ضعف شخصية تواجهه عند تذكُّر اليمن. إنها وجبة «بنت الصحن» الشهيرة التي يتناولها اليمنيون بكثرة في رمضان، وهي التي ختم بها آخر حديث يجريه قبل أن يغادر منصبه ممثلاً الولايات المتحدة سفيراً لدى اليمن، إلى بغداد، العاصمة العراقية التي لا تبخل هي الأخرى على المنطقة بسخونة الأحداث والمستجدات والتحديات.
وصل تولر إلى اليمن مع نهاية مؤتمر الحوار الوطني في عام 2014، وقبيل الانقلاب الحوثي الذي اكتملت أركانه في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، ودأب على تمثيل بلاده خلال سنوات الحرب التي لم تقف حتى اليوم، مروراً بأبرز منعطفاتها السياسية والعسكرية والإنسانية.
وترك السفير رسائل قبل أن يغادر، دعا فيها اليمنيين إلى الحفاظ على الوحدة، وطالب فيها المغرر بهم بالاستيقاظ ومناوءة التنظيمات الإرهابية، وأكد خلالها للحوثيين أن بلاده لا تريد أن تخلق عداوة بينها وبينهم.
شهد الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» هاتفياً يوم الاثنين الماضي، سؤالاً عن الوضع الراهن في اليمن، وتحديداً انسحاب الحوثيين في الحديدة: سعادة السفير، كيف ترون ما يحدث في الحديدة هذه الأيام من خطوات يبدو أنها تتسم بالإيجابية وفق تصريحات الأمم المتحدة وبياناتها الأخيرة؟
«أرحب بهذه الخطوات الرمزية التي تم اتخاذها خلال اليومين الماضيين، وأرحب بخطوات حقيقية ستمكّن القوات الأمنية المحلية من السيطرة على الموانئ». كان هذا تعليق تولر بعد أن شرح إجابته، إذ قال: «نرحب جميعاً بأي خطوة يتم اتخاذها وينتج عنها تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في السويد قبل أربعة أشهر. ما أعلنته الأمم المتحدة أمس أقل بكثير من المتوقع بالنسبة إلى هذه الخطوات التي ينتج عنها المضي قدماً في تنفيذ الاتفاقية (اتفاقية السويد). في السويد، عمل المبعوث الأممي والمجتمع الدولي بشكل كبير لمنع أي تدهور قد يقود إلى مواجهات فظيعة بالحديدة».
«كان من المفترض أن ينسحب الحوثيون من موانئ الحديدة والمدينة ومناطق أخرى خلال أسابيع من التوصل إلى تلك الاتفاقات، وكان سيتلو تلك الخطوة نقاش شروط لاحقة تتعلق بالقوات الأمنية المحلية»، مكملاً: «منذ ذلك الوقت رأينا خروقات لوقف إطلاق النار إلا أننا لم نرَ حملات عسكرية مكثفة لطرد الحوثيين من الحديدة والمناطق المحيطة بها. وخلال تلك الفترة رأيت الحوثيين يتبنون تكتيكات ومراوغات والحديث عن قضايا خارجة عن تلك الاتفاقية وذلك بهدف عدم الوفاء بالالتزامات التي التزموا بها في السويد».
كان الحديث قد بدأ بسؤال: كيف تلخص تجربتك التي قاربت خمسة أعوام، والتي كانت مليئة بالأحداث الساخنة، والأكثر سخونة في اليمن؟ يقول تولر في البداية: «دعني أزفّ إليكم التهاني بحلول شهر رمضان المبارك. وكما كنت أقول في كثير من لقاءاتي معكم ومع صحافيين آخرين وما زلت أقول دائماً، الولايات المتحدة تتطلع إلى أن يكون اليمن بلداً مستقراً وموحداً ومزدهراً، وبالتالي يوفر الفرص لشعبه. وإذا نظرنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، فإننا نتفق على أن أمامنا طريق طويلة».
ورغم هذه الأوضاع يرى السفير أن هناك حكومة في العاصمة المؤقتة عدن «بدأت بدفع الرواتب للمتقاعدين ودفعت نسباً أعلى من رواتب موظفي الدولة، وأيضاً تمكنت من عقد البرلمان في هذه الفترة»، معلقاً: «أعتقد أنني وكل أصدقاء اليمن يرحبون بتقوية هذه المؤسسات الدستورية».
من ناحية أخرى، يؤمن السفير بأنه لم يعني له شيئاً في الأعوام الخمسة الماضية التي قضاها سفيراً أكثر من العمل مع اليمنيين وبناء صداقة معهم. «لقد تعلمت مراراً أن اليمنيين يتمتعون بسمة المرونة، ولديهم ولاء لمجتمعهم، وهم كرماء ولطيفون ومضيافون أيضاً. وهذا يعطيني أمل بأن اليمنيين بإمكانهم العمل يوماً ما بعضهم مع بعض وذلك بإنهاء الحرب وبناء يمن قوي وموحد ومزدهر».
يجيب تولر عن سؤال حول أبرز المتغيرات التي لاحظها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، بالقول: «أعتقد أن كثيراً من التحديات هي ذاتها التحديات التي تواجه الكثير من البلدان في المنطقة. وهناك أحياناً بعض الحكومات تديرها نخب لا تسمح لسكان تلك المناطق بأن يسهموا أو يساعدوا في تأدية أدوار بإمكانهم أن يقوموا بها، غالباً ما تستخدم هذه النخب تلك المواقع لإثراء أنفسهم أو استخدام مواقعهم لأجنداتهم الشخصية بدلاً من مصالح بلدانهم، غالباً ما يتم حرمان الشباب من التعليم الذي يمكّنهم من الوصول إلى أعلى قدر ممكن من إمكانياتهم ومقدرتهم، وبالتالي هناك تزايد كبير في عدد السكان ولا توجد فرص عمل من القطاع الخاص لتحقيق تطلعاتهم وإيجاد فرص تناسب إمكانياتهم، ولسوء الحظ أن هناك قوى تستغل هذه الأمور لإثارة الكراهية بين الذي يعانون هذا الحرمان. بعض الأحيان هذه القوى تخفي نفسها تحت غطاء الدين أو القبيلة وغيرها، وأحياناً تستثير الكراهية ضد الجيران».
ويذكّر الدبلوماسي الأميركي بأن الولايات المتحدة «من كبار المانحين سواء لليمن أو لدول أخرى في المنطقة، ونعمل على تقوية مؤسسات الدول لتقديم الخدمات لشعوبها، ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتقوية النظم التعليمية، وضمان أن تعامل الدول مواطنيها بالمساواة بغض النظر عن الانتماءات القبلية أو الأسرية أو الدينية والعقائدية».
ويضيف السفير: «خلال 5 أعوام رأيت مثلاً إيران لا تعمل بانسجام مع المجتمع الدولي للتخلص من عناصر الزعزعة، بل إنها تستغل الفرص لإثارة هذه الزعزعة. واثق من أن هناك شريحة من الشباب ترى في ممارسات سواء إيران أو الحوثيين الفكرية ما يتعاطى مع عناصر غضبهم وحرمانهم، وأشعر بالقلق البالغ على هؤلاء الشباب لأنهم مخدوعون، وسلوكهم هذا يثير المزيد من الإشكاليات ويتسبب في كثير من الدمار والفساد المالي والإداري، مكملاً: «أعتقد أنه يجب على كل الحكومات المسؤولة في العالم أن تعمل لمواجهة هذه المجموعات التي تستغل هذه الظروف لمزيد من زعزعة الاستقرار».
ما السيناريو الذي كنت تتمناه لليمن؟ يقول تولر: «السنوات العشر الأخيرة أو أكثر كانت لسوء الحظ صعبة جداً بالنسبة إلى اليمن. في عام 2011 عبّر اليمنيون عن رغبتهم في رؤية انتقال إلى قيادة جديدة ممثَّلة بشباب وشمولية أكثر لقيادة بلادهم. كان اليمنيون ومنهم كثير من الشباب خلال تلك الفترة، سواء في صنعاء أو تعز أو مختلف المناطق الأخرى يسعون إلى إيجاد أمل لهم وبالتالي الحفاظ على كرامة لهم في الحياة ولعائلاتهم».
ويكمل: «أعتقد أن السيناريو المثالي الذي خرج به اليمنيون هو أنهم وجدوا طريق سلام عبر فترة انتقالية أعقبها حوار وطني يخطط لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم». ويشرح ذلك: «وصلتُ إلى اليمن قبل خمسة أعوام وكان مؤتمر الحوار الوطني قد انتهى للتوّ. كانت هناك مجموعة من اليمنيين المتخصصين بالشؤون القانونية وبالتالي يمثلون جميع الأطراف والمناطق داخل اليمن يعملون بجهد لكتابة مسودة مشروع دستور جديد. السيناريو المثالي لم يحصل ولكن نتمنى في المستقبل، وهو تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والدستور الذي كُتب على أساس تلك المخرجات. ومرة أخرى، ما يسعى إليه اليمنيون هو أمل في المستقبل وحكومة تعاملهم بكرامة وتعامل اليمنيين جميعاً بعدالة وسواسية. وطبعاً لا أستبعد تنفيذ هذه المخرجات ولكن أعتبره السيناريو المثالي لليمن».
يؤكد السفير أن الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط كمنطقة ذات إمكانات عالية، «لأن هناك الموارد الطبيعية والمواقع الاستراتيجية الجغرافية وعدد سكان من الممكن أن ينفّذ أكثر مما تم إنجازه».
ومن أبرز الذكريات التي كوّنها السفير الذي لم يهنأ باستكشاف صنعاء وبقية اليمن كبقية الدبلوماسيين أو الزائرين الآخرين، «التجربة الكبرى في التعامل مع الشباب اليمني». يقول تولر: «في أثناء وجودي في صنعاء التقيت بعض الشباب الذين عادوا للتوّ من دراستهم في الولايات المتحدة، ورأيت مستوى الثقة التي عادوا بها والحماس والتطلع إلى مشاركة بناء بلادهم وأعجبني هذا كثيراً. وتمكنت من لقاء كثير من الشباب اليمني المتطلع إلى الدراسة في الخارج لإكمال تعليمهم، وحقيقة أرى أن هذا الموضوع يحمّسني ويلهمني عندما أرى هؤلاء الذين يعملون سواء الشباب أو رجال الأعمال الذين يساعدون أولئك الشباب على تحقيق تلك الأحلام».
إضافةً إلى ذلك، «أذكر قبل خمسة أعوام أنني اشتركت في فعالية رياضية رمضانية مع شبان طامحين وسعيدين ويتطلعون إلى مستقبلهم، لديهم تطلع غير مسبوق. وهذا كان مصدر إلهام بالنسبة إليّ».
ولكن، «للأسف»، يرى السفير أن اليمنيين «واجهوا أوقاتاً حزينة، وكثير من اليمنيين فقدوا كثيراً من ذويهم خلال الصراع القائم. لقد رأيت من اليمنيين من فقد المستقبل وآخرين فقدوا حياتهم نتيجة هذا الصراع... آمل أن تحمّسنا هذه المواقف الحزينة على ألا نفقد الأمل ونظل نعمل بأسلوب حثيث نحو المستقبل في اليمن».
طلبت «الشرق الأوسط» أن يترك السفير رسالة لعدة مجموعات في اليمن، كالشباب، والحكومة، والحوثيين، والإرهابيين، والجنوبيين (مناصري الوحدة ومناهضيها)، فقال تولر: «تشرفت بتلقي نوط الوحدة الذي يمنحه اليمن لأصدقائه، وكصديق لليمن، أدرك نهج الوحدة وأهميته لليمن، ونهج الوحدة في اليمن مفهومه ليس مقصوراً على مسألة شمال وجنوب وحسب، ولكن عبر جميع الهويات داخل اليمن والتي تتمثل في الثقافة والمدنية على مدى مئات السنين. واليمن واليمنيون يتطلعون لحكومة تتعامل مع الجميع على قدم المساواة، ولا تفرّق بين مواطنيها حسب القبيلة أو الدين أو المنطقة أو النوع البشري، وبالتالي أحث قادة اليمن كافة على العمل لتحقيق هذا الهدف، وهو الوحدة».
ويضيف: «أحث الشباب اليمني على تبني هذا الأمر وبالتالي القيام بكل الجهود لتحقيق هذا الهدف، وألا يقعوا ضحايا لأولئك الذين يريدون استثارة الكراهية بينهم».
وللحوثيين، ترك تولر رسالة قال فيها: «نحن لا نسعى لإيجاد عداوة بيننا وبينهم، ونعتقد أنهم فعلاً وسيظلون جزءاً من اليمن، وأنه يجب عليهم معاملة الآخرين كما يرغبون أن تتم معاملتهم، وهو ما تدعو إليه جميع الديانات السماوية، وفكرة أنهم يفرضون أي فكرة على الناس باستخدام العنف والأسلحة والتهديد فهذا لا يخدم أحداً».
وأما لـ«القاعدة» و«داعش»، فيقول: «كل من يريد استخدام الدين لتحقيق مصلحة شخصية، للأسف من الصعب أن نخترع وسيلة تخترق هذه المنظومة التي لديهم والتي تطورت إلى عقيدة خاصة بهم، والولايات المتحدة تعتبر الإسلام ديناً رائعاً مدنياً استطاع نشر السلام في كثير من المجتمعات في العالم. ومن يتبنى مبادئ الإسلام السمحة ثم يحولها إلى شرعنة قتل الآخرين وزراعة الكراهية بين الناس تحت غطاء الدين فإنه يرتكب فعلاً يتنافى مع تعاليم الدين. و(القاعدة) و(داعش) قتلوا من المسلمين أكثر مما قتلوا غيرهم؛ لذلك أدعو المغرر بهم في هذه التنظيمات أن يفيقوا ويتبنوا مبدأ السلام الذي دعا إليه الإسلام وأن يتصدوا لهذه المجموعات الإرهابية».
ضحك السفير قبل أن يجيب عن سؤال حول الأطباق اليمنية التي قد يفتقدها في اليمن، ولأن المقابلة أُجريت في الصباح، مازح بالقول: «هذا ليس سؤالاً عادلاً في نهار رمضان»، ثم أخذ يجيب: «لكن أفضل ذكرياتي تقاسمي وجبات مع أصدقائي اليمنيين، إذ تمكنت من القيام بهذا في صنعاء وعدن ومأرب والمكلا. وقريباً تناولت وجبة يمنية لذيذة في أطراف واشنطن العاصمة... وطبعاً أصدقائي اليمنيين ومضيفيَّ يعرفون نقطة ضعفي بالنسبة إلى الوجبات اليمنية، الشفوت والفسحة والسلتة والحلبة والفتة بالموز. ولكن نقطة ضعفي تتمثل في (بنت الصحن) وكل هذه الوجبات يتمتع بها الشخص في رمضان، وجبة الإفطار التي عادةً ما يتم تناولها جماعياً تعيد الروابط الأسرية والصداقة بين الناس».
وكآخر جملة، إذ انتهت مهمته هذا الأسبوع سفيراً لليمن، يقول ماثيو تولر: «أتمنى بهذا السؤال الذي يتعلق بالوجبات وشهر رمضان الكريم أن يتحقق السلام، وأن يتم استخدام الروح السائدة في هذا الشهر الكريم لإيجاد سبل لتحقيق السلام لليمنين».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.