كابري تحافظ على جمالها بغرامات تُقدّر بـ500 يورو

تُذكر جزيرة كابري الإيطالية فتتبادر للذهن صور جاكلين كيندي أوناسيس وأودري هيبورن وملوك وأمراء أوروبا، وغيرهم من النجوم والشخصيات، على خلفية من المياه اللازوردية والسماء الصافية. فاسم هذه الجزيرة أصبح مرادفاً للترف والجمال. جمال لخصه الكاتب الروسي ماكسيم غوركي حين قال: «إنها جزيرة صغيرة لكن بالغة الروعة. في يوم واحد فقط، يمكن أن ترى الكثير من الجمال الذي يبقيك أسيره لدرجة العجز عن استكمال أي شيء آخر في الحياة». من جهته، قال الروائي الإنجليزي غراهام غرين الذي كتب كثيراً من أعماله الروائية خلال زيارات متقطعة للجزيرة، إنه فيها يمكنه الكتابة في شهر واحد أكثر مما يكتبه طيلة العام في أي مكان آخر.
تتمتع الجزيرة بمناخ يخلق تنوعاً نباتياً رائعاً، مثل غابات أشجار البلوط والصنوبر، وحقول الفاكهة البرية، وبساتين زهور الأوركيد، فضلاً عن نبات الصبار الذي قد يصل ارتفاعه هنا إلى 30 قدماً. وكأن هذا لا يكفي، تتمتع أيضاً بكثير من التشكيلات الصخرية الدرامية، مثل صخور «فاراغليوني»، وهي عبارة عن ثلاثة أكوام صخرية تبرز من سطح البحر على مسافة ميل تقريباً من المرسى البحري للجزيرة.
ولا يمكن الحديث عن جماليات جزيرة كابري من دون التطرق إلى كهف «بلو غروتو» الذي اكتُشف في القرن التاسع عشر، ويُعتبر إحدى أهم نقاط الجذب فيها. وهو كهف مظلم ومغمور جزئياً بمياه البحر ويُضاء بأشعة الشمس المنعكسة من الأسفل. ويُعتبر حالياً جزءاً لا يتجزأ من «الجولة الأوروبية الكبرى» للأماكن التي يجب زيارتها في أوروبا. عندما زاره الروائي الأميركي مارك توين أول مرة في عام 1869 وصفه في كتاب أدب الرحلات «الأبرياء في الخارج» بأنه «من أروع الأماكن التي يمكن تصورها على الإطلاق. إنه المكان الذي يستحق سرقته واصطحابه معك أينما ذهبت».
ورغم أنه من الصعب تصور وجود الكُتّاب أو المؤلفين في جزيرة كابري اليوم، بسبب ارتفاع النفقات، وأسعار الإقامة والمساكن التي تنافس مثيلاتها في مدن لندن أو مانهاتن الكبيرة، إلا أنه يمكن تصور حقب زمنية ماضية كانت فيها مرتعاً لهم وللرسامين، فبعد أن داع صيتها وأتيح السفر للكل، أصبح جمال الجزيرة نعمة ونقمة على حد سواء. نعمة لانتعاشها السياحي، ونقمة بسبب ازدحامها وما ترتب عنه من تلوث بيئي خانق استدعى تدخلاً جذرياً وتدابير صارمة في هذا الشأن أخيراً، فقد وافق عمدتها جياني دي مارتينو أخيراً على تنفيذ قرار يحظر استعمال جميع أنواع البلاستيك غير القابل للتحلل الحيوي. ودخلت اللوائح الجديدة حيز التنفيذ الفعلي اعتباراً من الأول من مايو (أيار) الحالي وتشمل الأكياس، والأكواب، والأواني، وزجاجات المياه، والملاعق البلاستيكية من جميع الأنواع.
وسوف يوجه الاهتمام الخاص إلى الشواطئ والشريط الساحلي بالجزيرة، تلك المناطق الأكثر تضرراً بالتلوث الناجم عن المخلفات البلاستيكية الموجهة إلى البحر، التي يتركها نحو 2.3 مليون سائح ممن يزورونها سنوياً بعد تناولهم المشروبات والأكل في الشوارع أو الشواطئ.
وسيدفع، بموجب القانون الجديد، كل من يُضبط بالجُرم، أي وهو يشرب من زجاجات المياه البلاستيكية أو يستخدم الأطباق البلاستيكية في نزهات على الشريط الساحلي غرامة قدرها 500 يورو (428 جنيهاً إسترلينياً) دفعة واحدة. وبرر العمدة جياني دي مارتينو القرار بأنه ضروري من أجل حماية اسم وصورة جزيرة كابري على مستوى العالم، وكذلك من أجل خلق الاستدامة البيئية المنشودة وزيادة الوعي. وأشار إلى أن «بلو غروتو»، الذي أصبح مزاراً سياحياً يجذب نحو 20 ألفاً من السياح يومياً خلال فصل الصيف، وكثير منهم هم زوار اليوم الواحد القادمون من ساحل أمالفي، الذين يزيدون من تفاقم أزمة النفايات. فهؤلاء يأتون لزيارة الجزيرة في جولات يومية ويغادرون من دون أن ينفقوا الكثير من الأموال وهو ما لا يفيد اقتصاد الجزيرة المحلي ولا بيئتها، حسب تقدير العمدة جياني دي مارتينو، الذي يؤكد بأن نحو 85 في هؤلاء يندرجون تحت هذه الفئة.
ومعاناة كابري ليست جديدة، فقد سبق أن حظرت سير جميع أنواع السيارات والدراجات البخارية. فحالياً يُعتبر استخدام شبكة ممتدة من الممرات والسلالم التي تربط كل شيء في الجزيرة، بالإضافة إلى السيارات الكهربائية التي يُسمح لها بحمل البضائع والسلع فقط، الوسيلة الوحيدة أمام الزوار للتنقل.
في حين يُسمح بالسيارات في الطرف الآخر من الجزيرة، في «آناكابري».
تجدر الإشارة إلى أن الرومان كانوا أول السياح الذين وفدوا إليها قديماً. كانوا يصلون إليها بالقوارب، وبنوا فيها كثيراً من القصور، مثل قصر الإمبراطور تيبيريوس الشهير. كما خلفوا فيها كثيراً من أعمال الفسيفساء الفنية الرائعة. لكن شتان بينهم وبين سائح اليوم، الذي لا يخلف حسب عمدة الجزيرة سوى نفايات أغلبها من البلاستيك.