أعمال التخريب في الفجيرة... علامة استفهام كبرى

أعمال التخريب في الفجيرة... علامة استفهام كبرى
TT

أعمال التخريب في الفجيرة... علامة استفهام كبرى

أعمال التخريب في الفجيرة... علامة استفهام كبرى

بغض النظر عمّن يقف فعلياً وراء أعمال التخريب التي تعرضت لها 4 سفن في ميناء الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة، فإن هذا الحادث ربما يشكل بداية مرحلة ثانية في أحدث حلقات التوتر بين «الجمهورية الإسلامية» في إيران من جهة؛ والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى.
كانت المرحلة الأولى قد بدأت منذ عام عندما قرر الرئيس ترمب إعادة تفعيل مجموعة من العقوبات المناهضة لطهران كان سلفه باراك أوباما قد جمدها. في البداية، بدا أن ترمب يرمي لإقناع صانعي السياسات في طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، سعياً وراء التوصل لاتفاق يسجل حينها باسم ترمب. إلا إنه، على خلاف أسلافه، طرح ترمب عدداً من المطالب الملموسة على الملالي في إيران في صورة 12 نقطة وقّع عليها وزير الخارجية مايك بومبيو.
وجاء رد فعل «القيادة الخمينية» مثلما كان دوماً في إطار علاقتها المضطربة مع الأميركيين، فقد بدأت بتنفيذ رغبات بومبيو في الوقت الذي تظاهرت فيه بأنها لا تتراجع عن موقفها قيد أنملة. وكان دائماً الأمل في أن ترحب واشنطن بمثل هذه الإشارات وتقرر أن تخفف، في هدوء، من وطأة العقوبات، على سبيل المثال من خلال تمديد نطاق الإعفاء الذي منحته لثماني دول بخصوص استيراد النفط الإيراني.
ودائماً ما نجح هذا التكتيك الإيراني مع الرؤساء الأميركيين الستة السابقين. عام 1980، عقد الملالي محادثات سرية مع إدارة الرئيس جيمي كارتر ووافقوا على إطلاق سراح رهائن أميركيين مقابل الإفراج عن بعض الأصول الإيرانية، بل ووقعوا على اتفاق مذل مع واشنطن في الجزائر العاصمة. ومع هذا، عندما حانت لحظة التنفيذ، رفض الملالي إطلاق سراح الرهائن في الوقت اللازم لمعاونة كارتر على الفوز بإعادة انتخابه.
وتكرر السيناريو ذاته مع خليفة كارتر؛ الرئيس رونالد ريغان. في سلسلة من المفاوضات السرية، قدم الملالي لريغان كل ما رغبه مقابل شحنات سرية من الأسلحة الأميركية بمعاونة إسرائيل. إلا إنه من جديد حرص الملالي على التأكد من عدم جني ريغان أو حزبه أي مكاسب سياسية من وراء ذلك. في الواقع، هددت «إيران غيت» خلال فترة قصيرة بإسقاط رئاسة ريغان.
وأفرزت المحادثات السرية التي جرت تحت شعار «النوايا الحسنة تثمر نوايا حسنة» في عهد الرئيس جورج بوش الأب، نتائج مشابهة، مثلما كانت الحال مع «الصفقة الكبرى» الوهمية التي دفعت بالرئيس بيل كلينتون للخروج عن مساره المعتاد وإغداق الإشادة على الملالي.
وخاض كل من الرئيسين جورج. دبليو. بوش وباراك أوباما تجارب مشابهة مع الملالي. وقد قدم بوش لطهران ما وصل إلى أنه رأي فاصل في الحياة السياسية بالعراق خلال حقبة ما بعد التحرير، وأصدر بياناً غريباً بدا كأنه دعوة لإيران للانضمام إلى الولايات المتحدة شريكاً مكافئاً في ضمان الاستقرار الإقليمي. بالنسبة لأوباما، فإنه تجاهل القانون والممارسات الدولية سعياً لاجتذاب الملالي إلى «الاتفاق النووي» السريالي الخاص به.
في كل من هذه الحالات، أمل الرئيس الأميركي في تحويل دولة عدو إلى شريك، وإظهار حجم هذا التحول الدراماتيكي في العلن. وفي كل مرة، تحطمت الآمال على صخرة الواقع. وفي كل مرة، لم يكن يجري الإعلان عن التراجع التكتيكي للملالي، وفي كل مرة كان الملالي يعاودون الحنث بوعودهم في أول فرصة تلوح لهم.
وتجلت محاولة طهران معاودة اتباع هذا التكتيك مع ترمب عندما سافر وزير خارجية «الجمهورية الإسلامية» جواد ظريف إلى نيويورك واقترح عقد محادثات سرية حول ما وصفه بـ«تبادل سجناء»، بمعنى إطلاق سراح رهائن أميركيين في طهران مقابل عدد من المدانين داخل السجون الأميركية.
وقد سبق أن نقل الرسالة ذاتها إلى واشنطن سويديون وعمانيون.
ومع ذلك، كانت إدارة ترمب ولا تزال تتطلع نحو أمر مختلف، فهي ترغب في الدخول في محادثات علانية تركز على هدف ملموس يتمثل في إعادة كتابة «الاتفاق النووي» الذي أبرمه أوباما، وجعْل تجميد إيران برنامجها الصاروخي دائماً، وتفكيك القوة الإيرانية داخل سوريا، ووضع نهاية للتدخل الإيراني في شؤون دول أخرى عبر وكلاء مثل «حزب الله» في لبنان.
وللمرة الأولى منذ نحو 40 عاماً، تطالب إدارة أميركية بتغيير الاستراتيجية التي تنتهجها «الجمهورية الإسلامية». وغني عن القول إن نظاماً استفاد من تكتيك التراجع والغش على مدار 4 عقود سيجد صعوبة في تنفيذ ذلك.
وعليه، كان أقصى ما تطمح إليه طهران في هذه المرحلة الجديدة تجميد الأوضاع على حالتها الراهنة.
من جهته، يقول «المرشد الأعلى» آية الله خامنئي إنه بحاجة لبيع 1.5 مليون برميل يومياً لإمداد نظامه بالنفقات الأساسية مثل دفع رواتب العاملين بالخدمة المدنية ومتطلبات المؤسسة العسكرية واستئجار مقاتلين أجانب مثل أعضاء «حزب الله»، ناهيك بدفع رواتب ما تبقى من حكومة بشار الأسد في دمشق.
يذكر أن إيران جمدت بالفعل أكثر من 4 آلاف مشروع تنموي وزادت أسعار البترول في الداخل وقلصت كثيراً من صور الدعم بهدف توفير المال. علاوة على ذلك، تأمل طهران في الحصول على جزء من الدخل الذي تحتاجه من خلال مبيعات النفط غير القانونية عبر العراق، بجانب القروض الميسرة التي وعدت بها روسيا.
ويكمن الأمر الوحيد الذي يأمل خامنئي بتجنبه، في التعرض لمذلة الدخول في محادثات علنية مع الأميركيين؛ وهذا تحديداً ما يرغبه ترمب.
من جانبه، يأمل ترمب في دخول حملته لإعادة انتخابه رئيساً بالاعتماد على ادعاء بأن الاقتصاد حقق ازدهاراً في ظل قيادته للبلاد، بجانب نجاحه في إعادة كتابة «اتفاقات تجارية رديئة» مع الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، بل والصين، مع نجاحه في الوقت ذاته في تهدئة كوريا الشمالية، وترويض الملالي الإيرانيين، وإسقاط «الشيوعيين» الفنزويليين.
والواضح أن كلاً من طهران وواشنطن تسعيان نحو أهداف متباينة تماماً، وإن كان الجانبان يتشاركان الرغبة في تجنب الدخول في مواجهة عسكرية.
بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ما إذا كانت هذه الرغبة تتشارك بها جميع الفصائل داخل طهران وجميع العناصر الفاعلة في واشنطن. على هذا الصعيد، تطرح حادثة الفجيرة علامة استفهام كبرى.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».