خيري رمضان: الإعلام توحد لـ«إنقاذ الوطن» من حكم الإخوان

كشف في حوار مع {الشرق الأوسط} عن لقاءات لم تنشر مع خيرت الشاطر استمرت 11 ساعة

خيري رمضان: الإعلام توحد لـ«إنقاذ الوطن» من حكم الإخوان
TT

خيري رمضان: الإعلام توحد لـ«إنقاذ الوطن» من حكم الإخوان

خيري رمضان: الإعلام توحد لـ«إنقاذ الوطن» من حكم الإخوان

قال الإعلامي المصري خيري رمضان إن غالبية وسائل الإعلام في بلاده توحدت أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين لـ«إنقاذ الوطن» من مخططات الجماعة بقيادة رئيس الدولة في ذلك الوقت محمد مرسي. ويقدم رمضان برنامجا بعنوان «ممكن» على فضائية «سي بي سي» التي يساهم فيها بنسبة خمسة في المائة.
وتحدث رمضان في حوار مع «الشرق الأوسط» عما سماه فترة الاضطراب الإعلامي عقب ثورة 25 يناير 2011 التي أسقطت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأيام التوحد ضد حكم مرسي، ثم العودة مرة أخرى إلى عدم وضوح الرؤية حتى الآن في المرحلة الجديدة. وقال إن الإعلام المصري عاد مرة أخرى إلى تبادل الاتهامات وإلى حالة الفوضى والتقسيمات.
وكشف رمضان عن لقاءين مع الرجل القوي في جماعة الإخوان، خيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة، الذي لم يتمكن من الترشح للرئاسة في انتخابات عام 2012، وقال إنه لن يتحدث عن تفاصيل هذين اللقاءين اللذين استمرا لمدة 11 ساعة، إلى أن يسمح الشاطر بذلك، لكنه كشف عن أن الأخير طلب منه العمل معه في الحزب والرئاسة. والشاطر مسجون حاليا في سجن في جنوب القاهرة مع قيادات إخوانية أخرى رهن التحقيق في عدة قضايا منذ الإطاحة بمرسي في يوليو (تموز) الماضي.
وأضاف الإعلامي المصري قائلا إن ما يحكم عمله هو التوازن بين الجانب المهني والجانب الوطني وأنه عندما يتعارض المهني مع الوطني ينحاز إلى الوطني. وتابع قائلا عن أزمة قناة «سي بي سي» مع الإعلامي الساخر باسم يوسف، إنه كان ضد وقف برنامج «البرنامج» الذي كان يقدمه يوسف، لأنني كإعلامي ضد وقف أي برنامج.
وإلى أهم ما جاء في الحوار..
* ماذا عن أداء الإعلام المصري منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حتى وقتنا هذا؟
- بعد ثورة يناير أصبح الإعلام مضطربا ولا يعلم أين يتوجه، بل يعرف شيئا واحدا وهو أن هناك حالة من البركان والغليان في الشارع المصري وهو جزء منها، وهناك كثير من الإعلاميين أصيبوا بـ«رذاذ» وحجارة البركان وبعضهم أخذ حجرا في رأسه وتمت إصابته ووقع، وبرر إصابته بأنه أصيب أثناء الثورة، وهذا لم يحدث، على الرغم من أنه كان ضد الثورة في البداية وليس من مسبباتها. وكانت المحصلة أن الإعلام كان شخصيا جدا ولم يكن هناك مشروع حقيقي للإعلاميين جميعا، فالكل عمل في اتجاهات مختلفة، إما أن يقولوا إننا ثوريون ونحن الأبطال ونحن المخلصون وانحزنا لإرادة الشعب. وكان هناك اتجاه آخر انشغل بالنفي عن نفسه أنه كان منتميا كليا للنظام السابق. وآخرون انشغلوا في صد اتهامهم أنهم ضد الثورة أو «فلوليون (أي من مناصري الرئيس الأسبق مبارك)»، فكان توجه الإعلام هو «الأنا» وليس أي مصلحة أخرى، غابت الحقيقة، ولم نر شيئا. والجميع منشغل ولا يوجد صوت عقل ومحاولة الحيادية كانت مدعاة وغير حقيقية وهذه هي الأسباب التي «توّهت» ثورة يناير وأضاعت الكثير من ملامحها.
* وماذا عن شكل الإعلام في فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما بين عهد مبارك وعهد مرسي؟
- كانت هناك مزايدات كبيرة في الإعلام من الثوريين الذين هم محسوبون على الثورة وحاولوا أن يكملوا المشوار الذي بدأوه، ومجموعة أخرى حاولت تملق المجلس العسكري ومن كان ينتقد المجلس في هذه الفترة يعتبر خائنا للوطن، وبدأ الصراع بين جبهتين من الإعلام؛ جبهة تمجد في المجلس، وجبهة أخرى تنتقده، مع تبادل الاتهامات بالتخوين، فكانت فترة ضبابية، ما عدا القنوات الدينية وقنوات الإخوان حيث كانت بعيدة عن المشهد، وكان الإعلام في هذه الفترة مفككا وبعيدا عن التوحد والاندماج، لكنه توحد فيما بعد.
* متى كان ذلك؟
- توحد الإعلام عندما رأى الجميع أن الوطن يضيع، وهي فترة حكم الإخوان المسلمين، فالجميع بدأ يعمل بعيدا عن المصالح الشخصية وليس لحساب تيار معين، بل عمل الجميع لحساب الوطن، حتى سقط حكم الإخوان في 30 يونيو (حزيران)، ثم عاد الإعلام إلى أدائه السابق الذي كان عليه بعد ثورة يناير في تبادل الاتهامات والتخوين، بل عدنا لحالة الفوضى وإلى التقسيمات، فيوجد من ينافق الجيش والذي يختلف معه يتهم بأنه خائن، بعيدا عن الإخوان المسلمين؛ فهم خرجوا من الحسبة وأصبحوا معادلة بذاتها.
* أين كنت أنت في كل هذه التقسيمات؟
- في الفترة الأولى، وهي فترة يناير، حدث لي حالة الاضطراب التي حدثت للجميع، دائما في عملي أركز على الجانب المعارض في شكل محترم ولدي مقالاتي وحواراتي المحترمة في ذلك الوقت، وأتحدى أي أحد أن يأتي بجملة واحدة نافقت فيها النظام القائم، ولم أنضم لأي حزب ولا تيار بعينه، ولكن شاءت الأقدار أن تقوم الثورة وأن أعمل في التلفزيون المصري وكانت في هذه الفترة تهمة لا تغتفر، وعملت يوم 25 يناير (كانون الأول) 2011، ويوم 26 يناير ثم توقفت عن العمل ولم أخرج إلا بعد موقعة الجمل في الثاني من فبراير (شباط) 2011 لطلب الفريق أحمد شفيق وهو كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت أن أجري معه حوارا، وقمت بذلك وشهد الجميع أن هذه الحلقة أعادت للتلفزيون بعض الحضور والحيادية، ولكنهم تعاملوا معي بعدها على أنني رجل «فلول».
* إلى أي مدى أزعجك أن يقال عنك إنك «فلول»؟
- لم أهتم بهذه الكلمة، لكن اعتراضي كان على معناها «السيف المكسور»، ولكني أنا سيف لم ولن ينكسر.. بدليل أنني موجود حتى الآن، فأنا لست ثوريا ولم أنزل في مظاهرات، ولم أكن أفهم ما كان يحدث في الشارع في ذلك الوقت، فكنت في حالة من الارتباك مثل كل الإعلام في تلك الفترة، ولكنني استطعت أن أجلس مع نفسي وأعيد حساباتي وبدأت مرحلة جديدة انحزت فيها إلى ما هو منضبط وانحزت إلى صالح البلد بعيدا عمن أمامي سواء كان عسكريا أم مدنيا. والإعلام لا يجوز أن يكون في اتجاه واحد وأيقنت ذلك عندما وجدت أن الوطن يتعرض لمؤامرة «إخوانية» فكان قراري أن أخوض المعركة حتى النهائية.
* لكنك دافعت عن الإخوان في أكثر من واقعة، منها قضية أسامة نجل مرسي؟
- أنا لم أدافع عن الإخوان.. وأسامة نجل مرسي هو الذي طلب عمل مداخلة معي لتوضيح حقيقة علاقته بـ«الغنوشي (زعيم حركة النهضة التونسية)»، وأنا قمت بتأدية عملي واستمعت إلى وجهة نظره في هذا الموضوع، وتحدث أسامة وقال لي إنه يحترمني وطلب عمل مداخلة معي بالتحديد، وأنا كنت أتمني نجاح مرسي وأن يعمل لصالح مصر وليس لصالح الجماعة وكنت أتمني أن يحكموا مصر لصالح مصر، وكانت تربطني صداقة مع بعضهم منهم عصام العريان.
* هل كانت تربطك صداقة بهم من قبل أم خلال حكمهم للبلاد فقط؟
- أنا التقيت خيرت الشاطر وحسن مالك في 2005 قبل القبض عليهما في ذلك الوقت، وصليت معهما وجرى سؤالي في أمن الدولة عما إذا كنت أنتمي لجماعة الإخوان ولكني لم أتاجر بذلك للظهور كبطل، والتقينا أثناء الحكم مع مرسي في حوارات إعلامية وقابلته في الرئاسة ووجهت له سؤالا: ماذا ستفعل لو طلب ملف الإخوان بالخارج وعرفت أن هناك إخوانا مراقبين في دول عربية، سوف تحتفظ بالمعلومات كرئيس مصر، أم سترسلها إلى المرشد لاتخاذ التدابير اللازمة هناك. وتهرب من الإجابة.
* هل جمعتك جلسات سرية معهم؟
- نعم.. جمعتني جلسات سرية مع خيرت الشاطر مرتين وعلى مدار 11 ساعة في أحد بيوت الأصدقاء. وجلسنا، بناءً على طلبه، ولكني لم أتحدث عن تفاصيل المقابلة؛ إذ لم يسمح هو بذلك وإن سمح لي سأتحدث عن تفاصيلها فهو من حقه أن يرد على كلامي إذا كذبت، ولكني أستطيع أن أقول إنه طلب مساعدتي، وقال إنهم جهلاء في الإعلام وطلب مني أن أعمل معه في الحزب والرئاسة ولكني رفضت ذلك، وقلت له إنني مختلف معكم تماما وأفكاري بعيدة عنكم ولم أر نفسي بينكم، فطلب مني أن أرشح شخصا آخر، وكان الرد أن الذين أعرفهم يرفضون العمل معكم. وبعد ذلك دار حوار بيننا روى فيه تفاصيل ما دار في ثورة يناير حتى حكموا وتفاصيل مليئة بالأسرار واتهامات لأشخاص موجودين الآن ولكن الأمانة تقتضي ألا أبيح بهذه التفاصيل.
* هل لديك محاذير في أدائك المهني كإعلامي؟
- ليس لدي محاذير ولكني أفكر في جانبين هما الجانب المهني والجانب الوطني. وعندما يتعارض المهني مع الوطني أنحاز إلى الوطني على الرغم من أنني أحاول قدر المستطاع أن أكون مهنيا، ولكني أتعامل مع الوطن إذا جاءتني حقائق يمكن أن تؤدي إلى أزمة كبيرة وهي ليست في صالح الوطن لن أقوم بها حتى لو على سبيل الانفراد، وليس كل ما يعرف يقال خاصة من خلال وسيلة إعلامية كبيرة كالتي أعمل بها.
* هل كانت مصادفةً التوحد الذي رأينا في الإعلام قبيل ثورة 30 يونيو 2013؟
- بالتأكيد مصادفة. ولم يتدخل أي شخص في هذا التوحد، جميعنا اتفقنا دون جلسات ودون سابق إنذار أن نعمل من أجل الوطن، وأرفض اتهامات البعض أن المجلس العسكري له دور في ذلك فلم نتقابل مع المجلس إلا بعد الثورة وكنا في حينها نتحدث عن الوضع الراهن وعن الوطن.
* هل تتدخل في إدارة «سي بي سي» بحكم أنك مساهم فيها؟
- إطلاقا.. أنا أتعامل مثلي مثل أي زميل إعلامي في هذه القناة. ولا أتدخل على الإطلاق في شيء يخص الإدارة فأنا مساهم بنسبة خمسة في المائة ويخصم من أجري 50 في المائة لسداد الأقساط.
* وماذا عن أزمة باسم يوسف؟
- أنا دائما أتدخل في أي أزمة لباسم يوسف مع القناة بحكم علاقتي الطيبة به، والذي حدث بينه وبين الإدارة مشاكل فنية وتجارية، لذلك قرر مجلس الإدارة وقف البرنامج ورغم كل ذلك أنا كإعلامي ضد وقف أي برنامج وقمت بعمل بيان رسمي متضامنا معه.
* من الإعلامي الذي تقتدي به؟
- أعشق محمد التابعي وكامل الشناوي، وأحترم مصطفي أمين، وأقدر عبقرية هيكل، ويعجبني مقالات سلامة أحمد سلامة ومكرم محمد أحمد، وأحترم تجربة إبراهيم عيسى ومجدي الجلاد.
* ماذا عن الكتب التي تقرأها؟
- أقرأ في كل المجالات، ولكنني أقرأ الآن كتب نزار قباني.
* هل تتذكر أول موضوع صحافي قمت بكتابته؟
- قمت بكتابة موضوع في أخبار الحوادث في «الأهرام» بعنوان «النداهة» وأنا طالب في المرحلة الثانوية وهو يتحدث عن فلاحة جاءت من الريف إلى المدينة واختفت.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».