لبنان يمدد نقاش الموازنة على وقع احتجاجات

وزير الدفاع يؤكد عدم المس برواتب العسكريين... وقرارات بتخفيض تقديمات الجمعيات

عسكريون متقاعدون يحتجون أمام مقر مصرف لبنان في بيروت أمس (رويترز)
عسكريون متقاعدون يحتجون أمام مقر مصرف لبنان في بيروت أمس (رويترز)
TT

لبنان يمدد نقاش الموازنة على وقع احتجاجات

عسكريون متقاعدون يحتجون أمام مقر مصرف لبنان في بيروت أمس (رويترز)
عسكريون متقاعدون يحتجون أمام مقر مصرف لبنان في بيروت أمس (رويترز)

استكملت الحكومة اللبنانية، أمس، مناقشة مشروع الموازنة، بعدما كانت عقدت جلسة مسائية استمرت حتى الساعة الثانية صباحاً، على وقع تصعيد التحركات الشعبية الرافضة لخفض الرواتب وزيادة الضرائب.
وتكرر مشهد الاحتجاجات الذي شهده محيط مقر مجلس الوزراء مساء أول من أمس، مع العسكريين المتقاعدين الذي نصبوا خيماً أمام مصرف لبنان المركزي في بيروت، أمس، في موازاة اعتصامات نفذها زملاؤهم أمام فروع المصرف في مناطق لبنانية عدة، قبل أن يعلنوا تعليقهم التحرك تجاوباً مع مطلب وزير الدفاع إلياس بو صعب.
وفيما كان يفترض الانتهاء من مشروع الموازنة في جلسة أمس، أعلن عقد جلسة ظهر اليوم لاستكمال البحث. وأشار وزير الإعلام جمال الجراح بعد انتهاء الجلسة إلى اتخاذ قرارات متعلقة بتخفيض التقديمات لبعض الجمعيات. وقال: «حرصنا على عدم المس بالتقديمات للجمعيات الجدية التي تساعد المواطنين فعلياً، إلا أنه حصل تخفيض على التقديمات لجمعيات أخرى».
وعما إذا كانت الحكومة ستصل إلى بحث بند الاقتطاع من الرواتب إن لم تكن التخفيضات التي أقرت حتى الآن كافية، قال الجراح: «لا أستطيع أن أجيب قبل أن يقدم وزير المالية تقريره».
وقال وزير المالية علي حسن خليل: «أكملنا كل المواد التي تتضمن الموازنة والاقتراحات الإضافية، وهناك بعض الاقتراحات التي من الممكن أن يقدمها الوزراء وتمت مراجعة المساهمات والعقود في كل الوزارات». وأكد وزير الدفاع إلياس بوصعب أنه «لا كلام عن مس بالرواتب بأشكالها المختلفة سواء للعسكريين في الخدمة الفعلية أو المتقاعدين، وقرار حسم 3 في المائة على الطبابة سيتم تطبيقه على جميع موظفي الدولة لا العسكريين فحسب، ولكن سنعوضهم في أماكن أخرى».
وكان الجراح أوضح رداً على سؤال أنه «تم إقرار التدبير رقم 3 في مواجهة العدو الإسرائيلي ويبقى لوزيري الداخلية والدفاع تحديد التدبيرين رقم 2 و1 وفق كل منطقة».
وكان بوصعب أكد لوفد العسكريين الذين التقاهم رفضه المس بحقوقهم. وأكد أن «مسألة الاقتطاع من الرواتب أو التعويضات أو تجميد جزء نسبي منها لفترة معينة وموضوع فرض ضريبة دخل بنسبة 3 في المائة على رواتب المتقاعدين غير مطروحة للنقاش». وأوضح أنه «في حال كانت هناك متغيرات في هذا الموضوع فسأبلغهم بالأمر فور حصوله».
وتمنى بوصعب على جميع المتقاعدين «عدم اللجوء إلى أسلوب إحراق الإطارات وقطع الطرقات وإقفال المؤسسات العامة»، داعياً إياهم إلى «اعتماد وسائل الاعتراض السلمية والحضارية من دون تعطيل المرافق العامة».
وقال العميد محمود طبيخ، باسم العسكريين المتقاعدين المعتصمين أمام المصرف المركزي، إن «العسكريين ليسوا سبباً لعجز الموازنة ولن يسمحوا بالمس بحقوقهم المكتسبة وليس من المنطق أن يحرم أبناء العسكريين، لا سيما منهم أبناء الشهداء من مخصصات التعليم والعيش الكريم... ليأخذوا الضرائب من التعديات على الأملاك العامة والأملاك البحرية وأصحاب اليخوت».
وعلى خط رفض خفض الرواتب، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمس، وفد رابطة موظفي القطاع العام، وبحث في موضوع الموازنة والرواتب. وأكدت الرابطة «الرفض القاطع لأي مس بالرواتب تحت أي صيغة طرحت أو تطرح»، مشددة في الوقت نفسه على «التمسك بالحقوق المكتسبة والتقديمات الاجتماعية، وعدم المس بالمعاش التقاعدي».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.