مقاتلو «طالبان» صحافيون أيضاً في الحرب الإعلامية في أفغانستان

بيانات بخمس لغات... والحركة تتواصل على تطبيقات «واتساب وفايبر وتلغرام»

عناصر من «طالبان» يحتفلون بوقف مؤقت لإطلاق النار مع القوات الحكومية في ننغرهار يونيو 2018 (رويترز)
عناصر من «طالبان» يحتفلون بوقف مؤقت لإطلاق النار مع القوات الحكومية في ننغرهار يونيو 2018 (رويترز)
TT

مقاتلو «طالبان» صحافيون أيضاً في الحرب الإعلامية في أفغانستان

عناصر من «طالبان» يحتفلون بوقف مؤقت لإطلاق النار مع القوات الحكومية في ننغرهار يونيو 2018 (رويترز)
عناصر من «طالبان» يحتفلون بوقف مؤقت لإطلاق النار مع القوات الحكومية في ننغرهار يونيو 2018 (رويترز)

يبدأ ذبيح الله مجاهد كبير المتحدثين باسم حركة «طالبان» ورئيس تحرير نشرتها الإخبارية اليومية، يومه بجمع التقارير عن أعمال القتال الليلية مع القوات الأميركية والأفغانية. ويقول مجاهد إنه يدفع بفريق الكتاب العاملين معه لتقصي حقائق ما يرسله بعض مقاتلي الجماعات المتشددة يعملون أيضاً صحافيين في أقاليم البلاد البالغ عددها 34 إقليماً. ويتولى هؤلاء الكتاب إعداد البيانات الصحافية بخمس لغات وجمع مقاطع الفيديو والصور التي تم التقاطها بالهواتف المحمولة. ثم يعتمد رئيس التحرير الصياغات النهائية للتقارير التي تسلط الضوء على ما تحققه الحركة من انتصارات في حربها الرامية إلى إسقاط الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة وذلك قبل أن ينشرها متخصصون في تكنولوجيا المعلومات يعملون خارج البلاد. ويقول بعض الصحافيين الأفغان إن دقة هذه التقارير متفاوتة ويتهمها معارضوها بنشر «أخبار كاذبة». وبرز النشاط الإعلامي لحركة «طالبان» كسلاح رئيسي في حرب المعلومات التي تسبق فيها الحركة في بعض الأحيان الحكومة المدعومة من الغرب وشركاءها الأميركيين. وفي الشهر الماضي على سبيل المثال سارعت حركة «طالبان» إلى نفي التورط في هجوم انتحاري على وزارة الإعلام في كابل تم تحميل تنظيم «داعش» مسؤوليته، وفي الوقت نفسه كانت المعلومات التي نشرتها الحكومة أبطأ.
ويقول المتحدث باسم «طالبان» إن الحركة وسعت نطاق نشاطها الإعلامي مع انتعاش وتيرة المحادثات المباشرة بين مفاوضيها والولايات المتحدة حول إنهاء الحرب في أفغانستان في الأشهر الأخيرة. وفي كثير من الأحيان تكون الحركة أسرع من المسؤولين الأميركيين في نشر بياناتها. واختتمت الحركة الجولة السادسة من المحادثات في قطر يوم الخميس الماضي. وقال مجاهد: «أياً كانت التطورات التي تحدث خلال محادثات الدوحة فنحن نُطلع الصحافيين عليها»، مضيفاً أن الرسالة موجهة إلى الداخل والخارج.
يقول مجاهد وزميله قاري يوسف أحمدي، وهما المتحدثان باسم «طالبان» في أفغانستان، إن لديهما تفويضاً للتعامل مع الصحافيين وإصدار البيانات والتغريدات. وهما يردّان في العادة على الرسائل النصية
والصوتية من مراسلي «رويترز» المقيمين في كابل في غضون الساعة. ورغم أنه لا يمكن التحقق من مكان إقامتهما فهما يستخدمان أرقام هواتف أفغانية لاستعمال تطبيق «واتساب». ويستخدم الاثنان أسماء حركية خصصتها لهما قيادة الحركة. وقال مجاهد الذي يبلغ عدد متابعيه 42 ألفاً على «تويتر»، لـ«رويترز» في مكالمة هاتفية: «لسنا مخوّلين بالكشف عن أسمائنا الحقيقية». ويستخدم الاسمان الحركيان للحفاظ على الاتساق. وفي 2011 بدأت قيادة «طالبان» نشر تغريدات بانتظام على «تويتر» وذلك في خطوة مفاجئة من جانب الحركة المتشددة التي جاء وقت كانت تحرّم فيه معظم أشكال الترفيه الحديثة. وتتواصل الحركة الآن على تطبيقات التراسل «واتساب» و«فايبر» و«تلغرام» باللغات الإنجليزية والباشتو والدارية والعربية والأُردية.
وقال مجاهد: «نحن ندرك أهمية نشر المعلومات عن جهادنا وتصميمنا على إعادة تأسيس الإمارة في أفغانستان». ويقول مجاهد إنه يحصل على مرتب شهري قدره 14 ألفاً أفغانياً (180 دولاراً)، بالإضافة إلى 128 دولاراً لتغطية مصاريف الإنترنت والهاتف المحمول. وأضاف: «الآن يسعى دبلوماسيون كثيرون من دول مختلفة لعقد لقاء مع قادتنا ومتابعتنا على وسائل التواصل الاجتماعي». وتابع: «بعد 17 عاماً من الكفاح نحقق النصر في الحرب الفعلية والحرب الرقمية على الكفار والنظام الألعوبة الذي أقامه الأميركيون لحكم أفغانستان». ويختلف المسؤولون الأفغان والغربيون مع مجاهد في الرأي، ويقولون إن القوات الحكومية وحلفاءها العسكريين يلحقون خسائر فادحة بصفوف «طالبان» في ساحة المعركة ويواصلون شن ضرباتهم الجوية لتدمير معسكراتها. ويعد هؤلاء العملية الإعلامية لدى «طالبان» تشويهاً للمعلومات. وقال الكولونيل نوت بيترز المتحدث باسم قوات الدعم الحازم التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان والذي يتابع بيانات «طالبان» عن كثب: «مزاعمهم الزائفة وتقاريرهم المبالغة بلغت أسلوباً منافياً للعقل دون أدنى شك».
وأضاف: «من الواضح أنهم يحاولون تعزيز ثقتهم بأنفسهم في الوقت الذي يموت فيه مقاتلوهم بأعداد كبيرة». ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) عقدت الولايات المتحدة و«طالبان» محادثات تهدف إلى التمهيد لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان مقابل ضمان من الحركة ألا تستخدم البلاد قاعدة لشن هجمات في الخارج. وفي الأشهر الأخيرة، رفضت حركة «طالبان» مراراً دعوات لإعلان وقف إطلاق النار بل وكثفت هجماتها على القوات الأفغانية والمقرات الحكومية. إلى ذلك، قال صحافيون أفغان يتولون تغطية أخبار «طالبان» منذ التسعينات قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، إن الحركة كانت ترسل منشورات مكتوبة بخط اليد وتقارير إخبارية إلى الصحافيين الأفغان المقيمين في باكستان وأفغانستان. وقال جاويد هميم كاكار وهو من كبار محرري وكالة باجووك الأفغانية، أقدم وكالات الأنباء الخاصة في البلاد، إن الحركة أقامت منذ ذلك الحين شبكة معقدة لنشر الأخبار.
لكنه أضاف أن نزوعها إلى تضخيم أرقام الخسائر البشرية يقوّض مصداقية أخبارها.
ففي أبريل (نيسان) على سبيل المثال قالت «طالبان» إن مقاتليها نفّذوا هجوماً ناجحاً على قاعدة باغرام أكبر القواعد الجوية الأميركية في أفغانستان على بعد 50 كيلومتراً تقريباً شمالي كابل قالت فيه إن عشرات سقطوا بين قتيل وجريح. ونفى مسؤولون أميركيون في كابل وقوع الهجوم. وقال كاكار: «إذا أرسلت لهم استفساراً يردون بسرعة كبيرة، لكن الدقة تظل موضع شك. الدعاية جزء من المعركة و(طالبان) بارعون جداً فيها».
ويقر مجاهد وأحمدي بوجود أمثلة عديدة نشروا فيها مزاعم لم تتأكد عن وقوع هجمات وإن بعض المقاتلين يقدمون أحياناً روايات مبالغاً فيها. وقال أحمدي: «ثمة مزاعم أن إعلامنا مليء بنزعة للإثارة وتلميع
الصورة لكننا لا نحيد عن الحق قط. نحن نصحح الخطأ على الفور». وفي كثير من الأحيان توجَّه إلى الحكومة اتهامات بالمبالغة في التقارير الواردة من ساحة المعارك. وسلم مسؤول كبير في وزارة الدفاع بأن الحكومة كثيراً ما تقلل أعداد الخسائر البشرية في صفوف القوات الأفغانية وتسارع بإعلان أرقام مَن تقول إنها قتلتهم من رجال «طالبان».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟