حكومة نتنياهو تتلقى 3 ضربات دبلوماسية

بولندا تلغي زيارة وفد رسمي... وأوكرانيا تعيد سيّاحاً إسرائيليين... وأوزبكستان تهدد باعتقالهم

TT

حكومة نتنياهو تتلقى 3 ضربات دبلوماسية

في الوقت الذي يتباهى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالمكاسب الكبيرة للدبلوماسية التي يقودها واتساع حلقة العلاقات الخارجية لأفضل وضع ممكن خلال 71 سنة، تلقت حكومته 3 ضربات دبلوماسية من «الدول الصديقة»؛ بولندا وأوكرانيا وأوزبكستان.
ففي بولندا، قررت الحكومة إلغاء زيارة رسمية كان مقرراً أن تبدأ، أمس (الاثنين)، في وارسو، لوفد إسرائيلي رفيع للتباحث في «إعادة الممتلكات التي اضطر يهود بولندا إلى تركها خلال الحرب العالمية الثانية هرباً من الجرائم النازية». وصدر هذا القرار في أعقاب بيان أصدرته وزيرة شؤون المساواة، جيلا جملئيل، يمس برئيس الوزراء البولندي، متيوش موربييسكي.
وكان الخلاف بين الطرفين نشأ في أعقاب انتشار أخبار في وارسو تفيد بأن إسرائيل تطالب باستعادة الأملاك أو الحصول على تعويض عنها. وتبيّن أن مصادر سياسية في بولندا هي التي سربت الأنباء، بعدما علمت بأمر الوفد الإسرائيلي. ومع أن الحكومة نفت هذه الأنباء، فقد خرجت إلى الشوارع البولندية مظاهرات احتجاج ضمت الألوف، يوم السبت الماضي، ورفعوا شعارات تندد بإسرائيل وبالولايات المتحدة التي تساندها. فخرج رئيس الوزراء، موربييسكي، ينفي وجود مفاوضات مع إسرائيل بهذا الشأن. وصرح في رد على المظاهرات بأن الشعب في بولندا دفع ثمناً باهظاً جراء الاحتلال النازي لبلاده. وليس من العدل أن يدفع هو التعويضات مكان الألمان.
بيد أن الوزيرة الإسرائيلية جملئيل أصدرت بياناً تكذّب فيه رئيس الوزراء البولندي. فقد امتدحت الحكومة البولندية على أنها «أبدت استعداداً للتباحث مع إسرائيل حول إعادة الممتلكات وصمدت في وجه المظاهرات الصاخبة في وارسو». وأوضحت أن وفداً يضم مدير عام وزارتها، آفي كوهن، ورئيس الدائرة المختصة بشؤون إعادة ممتلكات اليهود في وزارة الخارجية، دان هإزرحي، سيصل إلى وارسو الاثنين، و«سيجري لقاءات مع المسؤولين هناك بخصوص استعادة الممتلكات المنهوبة». واعتبرت الوزيرة الإسرائيلية هذه الزيارة بمثابة إنجاز دبلوماسي كبير لأنه يندرج في إطار خطة وضعتها الحكومة الإسرائيلية من أجل سن قوانين في مختلف دول العالم لتعويض اليهود عما تركوه وراءهم من ممتلكات عندما اضطروا إلى الهرب. واختتمت الوزيرة جملئيل بيانها قائلة: «لن يستطيع أي عنصر غير سامي أن يردعنا عن مواصلة المطالبة بحقوق اليهود».
وعلى أثر ذلك، تلقت الخارجية الإسرائيلية رسالة عاجلة، أمس (الاثنين)، من وارسو تفيد بأن بولندا تلغي زيارة الوفد الإسرائيلي المذكور.
وكانت الخارجية الإسرائيلية قد اعترفت بأن أوكرانيا تعيد في كل سنة 1000 سائح إسرائيلي يصلون إلى مطار كييف الدولي ولا تسمح لهم بدخول البلاد. وقالت الوزارة إن سلطات الأمن في مطار كييف تشدد إجراءاتها الأمنية تجاه كل زائريها والأمر غير موجه للإسرائيليين بالذات. لكن مصدراً في شركات السياحة الإسرائيلية أكد أن هناك تعاملاً فظاً بشكل خاص مع الإسرائيليين، إذ إن رجال الأمن يوقفونهم وينكلون بهم في التحقيقات ولا يقبلون أي خطأ من سائح إسرائيلي. فإذا تعامل أحد بوقاحة يلقون به في غرفة ضيقة في المطار وبعد ساعات طويلة يحملونه على أول طائرة ويعيدونه إلى إسرائيل.
وفي أوزبكستان، تلقت السفارة الإسرائيلية رسالة من حكومة طشقند تبلغها فيها بأنها لم تعد تحتمل كثرة الإسرائيليين الذين يدخلون البلاد وهم يحملون في حقائبهم رصاصات مسدس أو بندقية، وأنها قررت أن تعتقل كل من يضبط بهذا الجرم. وقالت مصادر دبلوماسية إن هذه الظاهرة منتشرة بكثرة بين الإسرائيليين. فبسبب الخدمة الإلزامية في الجيش، ينسى الجنود رصاصات في حقائبهم وعندما يسافرون للخارج يستخدمون الحقيبة نفسها، فيتعرضون للمساءلة والعناء، وهناك دول تعتقلهم. وتُضاف أوزبكستان إلى هذه الدول اليوم.



مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
TT

مخاوف إسرائيلية متكررة من «تسليح» مصر تعكس ازدياد التوترات

منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)
منظر عام لمحور فيلادلفيا على الحدود بين جنوب قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)

شهدت الآونة الأخيرة تصريحات إسرائيلية تضمنت مخاوف بشأن «تسليح» مصر وانتهاكات لمعاهدة السلام، التي أُبرمت بين البلدين في 1979، وسط توتر متصاعد منذ احتلال الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية قبل نحو عام، وإصراره على عدم تنفيذ رغبة القاهرة في الانسحاب من محور «فيلادلفيا» الحدودي مع مصر.

أحدث التصريحات الإسرائيلية ما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي قال إن بلاده لن تسمح للقاهرة بـ«انتهاك معاهدة السلام»، وهو ما يرى رئيس مجلس الشؤون الخارجية المصرية وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابي، ورئيس الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري والخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج، لـ«الشرق الأوسط»، أنها «رسائل للخارج لجلب مزيد من الدعم وتزيد التوتر الذي صنعته إسرائيل مع القاهرة»، بخلاف أنها «محاولات لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا بزعم المخاوف»، متوقعين رفض مصر تلك الضغوط وتمسكها بموقفها دون أن تجر لصدام أو المساس بمعاهدة السلام.

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ومنذ توقيع مصر وإسرائيل معاهدة السلام، لم تشهد علاقات الجانبين توتراً كما هي الحال مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وزادت حدته منذ مايو (أيار) الماضي، مع احتلال إسرائيل محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وكذلك معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفضها الانسحاب كما تطلب القاهرة.

وذكر كاتس، في كلمة خلال ذكرى وفاة رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، الاثنين، أن معاهدة السلام «أخرجت مصر من دائرة الحرب، في قرار قيادي غيّر وجه التاريخ ووضع دولة إسرائيل - ولا تزال كذلك حتى اليوم، لكننا لن نسمح لهم (المصريين) بانتهاك معاهدة السلام، لكن الاتفاق قائم»، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن تصريحات كاتس جاءت على خلفية شائعات ترددها عناصر من اليمين المتطرف على شبكة الإنترنت عن استعدادات عسكرية مصرية لمهاجمة إسرائيل بشكل غير متوقع، لافتةً إلى أن هذه الشائعات أثارت القلق بين العديد من الإسرائيليين.

تلك المخاوف ليس الأولى إسرائيلياً، إذ أعرب رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، في 26 فبراير (شباط) الماضي، عن قلقه من «التهديد الأمني من مصر التي لديها جيش كبير مزود بوسائل قتالية متطورة»، معتبراً أنه لا يشكل تهديداً حالياً لتل أبيب لكن الأمر قد يتغير في لحظة، وفق «القناة 14» الإسرائيلية.

جنديان إسرائيليان قرب ممر فيلادلفيا بمحاذاة الحدود المصرية (أرشيفية - أ.ب)

سبق ذلك حديث مندوب تل أبيب الدائم في الأمم المتحدة داني دانون، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي عن مخاوف إسرائيل بشأن تسلح الجيش المصري، مضيفاً: «ليس لديهم أي تهديدات في المنطقة. لماذا يحتاجون (المصريون) إلى كل هذه الغواصات والدبابات؟».

ورد النائب المصري مصطفى بكري على تلك التصريحات قائلاً عبر منشور بمنصة «إكس»، إن «إسرائيل هي التي تنتهك اتفاقية السلام (..) واحتلت محور صلاح الدين (فيلادلفيا)»، مؤكداً أن «تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي ومن قبله رئيس الأركان ومندوب إسرائيل بالأمم المتحدة نوع من التلكيك وجر شكل (استفزاز) ومصر تتعامل بحكمة ولديها دور هام لصالح السلام لكنها لن تقبل إملاءات أو تهديداً من أحد ولا تفرط في سيادتها وثوابتها وأمنها القومي»، محذراً: «فلتكف إسرائيل عن العبث واللعب بالنار، لأنها أول من سيكتوي بها».

وسبق أن رد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق على نظيره الإسرائيلي، في تصريحات فبراير (شباط) الماضي، قائلاً: «الدول القوية والكبرى مثل مصر تلزمها جيوش قوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومي بأبعاده الشاملة عبر تسليح كافٍ ومتنوع».

ويرى العرابي أن تلك التصريحات الإسرائيلية تعكس ازدياد حالة التوتر بين مصر وإسرائيل، التي صنعتها الأخيرة منذ دخول رفح، وهي تحاول أن تنقل انطباعات غير صحيحة للعالم الخارجي بأن لديها قلقاً من جيرانها للبحث عن دعم.

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أرشيفية - إ.ب.أ)

بينما يرى اللواء فرج أن التصريحات الإسرائيلية محاولة لخلق أزمات مع مصر، مؤكداً أن مصر بالتأكيد حافظت على تنوع تسليحها، لأنها دولة قوية وتحتاج ذلك لكنها لم تنتهك ولم تخترق المعاهدة، بل الجانب الإسرائيلي هو من يفعل ذلك ولا يريد الالتزام بما تم الاتفاق عليه في اتفاق هدنة غزة.

تأتي هذه التصريحات المتصاعدة في إسرائيل، قبل أيام قليلة للغاية من التزام على حكومة نتنياهو بتنفيذ الانسحاب الكامل من محور فيلادلفيا، المقرر أن يتم في اليوم الخمسين من اتفاق الهدنة في غزة، الذي بدأ في 19 يناير الماضي، وسط حديث يسرائيل كاتس، في 27 فبراير (شباط)، عن البقاء في محور فيلادلفيا في المرحلة الحالية، وحديث مماثل متزامن من وزير الطاقة إيلي كوهين.

وبموجب ملحق معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، فإن محور فيلادلفيا هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل، قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005، فيما عُرف بخطة «فك الارتباط»، قبل أن تعيد احتلاله خلال حرب غزة ورفض مطالب مصر بالانسحاب.

ويرجح العرابي أن يكون استمرار التصريحات الإسرائيلية بهدف الضغط لعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، مستبعداً أن يؤدي التوتر بين البلدين لصدام عسكري أو انهيار معاهدة السلام.

ويرى فرج أن إسرائيل تحاول إثارة تلك المخاوف لتهيئة الرأي العام الداخلي لاستمرار البقاء في محور فيلادلفيا، وعدم الانسحاب كما هو مقرراً، مؤكداً أن التوتر المتصاعد حالياً لن يمس معاهدة السلام ولن يرجع القاهرة عن مواقفها، ولن يقود لصدام خاصة وأن نتنياهو يرى أن العدو الرئيسي إيران وليس مصر.