أفكار طه حسين والخولي علامات على طريق نهضة جديدة

عزة بدر في كتابها «تجديد الخطاب الثقافي»

أفكار طه حسين والخولي علامات على طريق نهضة جديدة
TT

أفكار طه حسين والخولي علامات على طريق نهضة جديدة

أفكار طه حسين والخولي علامات على طريق نهضة جديدة

بين آن وآخر، يقفز كتابا «مستقبل الثقافة في مصر» و«في الشعر الجاهلي» للدكتور طه حسين، إلى دائرة الضوء، عبر مناقشة أفكارهما، ودراسة الدعوات التي أطلقها فيهما، من أجل مهاجمتها حيناً، أو الدفاع عنها حيناً آخر، أو السعي لإعادة قراءتها وتحليلها ودرس تجلياتها في الحياة الفكرية المصرية المعاصرة.
وفي كتابها «تجديد الخطاب الثقافي» الذي صدر حديثاً ضمن مطبوعات سلسلة «كتاب الهلال» المصرية الشهرية، تضع الدكتورة عزة بدر أفكار الكتابين موضع المساءلة والبحث، بوصفها علامات يمكن من خلالها تنشيط الواقع الثقافي المصري الراهن، والتنقيب فيما أثاراه من وجهات نظر، يمكن أن تخرجه من أزمته، أو تخفف من حدة الصراعات الناجمة عنها.
ترى عزة بدر أن القيمة الكبرى لكتاب «في الشعر الجاهلي» تكمن في النهج الذي اتبعه صاحبه، ومجموعة المقدمات والنتائج التي توصل إليها، وأن «مستقبل الثقافة في مصر» الذي مضى على صدوره أكثر من ثمانين عاماً، يزخر بقيم معرفية مدعومة بقيم أخلاقية، ولا تزال الرؤى التي طرحها عميد الأدب العربي فيه نابضة بالحياة، ومنها ربطه الثقافة والعلم بالحرية، واعتبارهما الدعامة الحقيقية لها، وهو ما يبرز واضحاً في حديثه عن المعنى الحقيقي للثقافة، الذي يتسع ليشمل معرفة الفرد معنى الوطن والإنسانية والحياة، وسعيه لتحقيقه، وشعوره بما له على الأمم الأجنبية من حقوق، وما عليه من واجبات.
وفي فصل عنونته بدر «تجديد الخطاب الثقافي... تاريخنا الذي لا نعرفه إلا عن طريق الأجانب» تحدثت عن علاقة الثقافة الوطنية باللغة العربية، ورؤية طه حسين لها، وتشديده على ضرورة أن تكون مرحلة التعليم الأولى خالصة للثقافة الوطنية، ولغتها، دون أي مساحة للغات الأجنبية؛ لأنها حسب وجهة نظر «العميد» تجعل الأمر يضطرب على «الفرد» في حياته الثقافية حين تتقدم به السن، أو يحتاج إلى أن يعبر عما في نفسه، ويفهم ما يعبر به غيره.
وفي سياق ذلك، لفتت بدر إلى أن طه حسين كان يؤثر أن يبدأ درس الأدب من العصر الحديث، بمؤلفات معدة خصيصاً لهذا الأمر، بحيث تتم إزالة الجهد العنيف الذي يتحمله الطلاب، وهم يدخلون إلى مجاله بدراسة ما أبدعه النابغة وزهير والأعشى وامرؤ القيس، فدرس اللغة وآدابها من وجهة نظر طه حسين يعتبر من أهم مصادر الثقافة العامة، وأعظمها خطراً؛ لأنه بحكم مادته ومعانيه يتصل بالعقول والقلوب والأذواق جميعاً، ويُمَكِّن، بما فيه من جمال وروعة وعمق وتنوع، من تزكية القلوب وتصفية الأذواق، وتثقيف العقول؛ لكنه رغم ذلك يظل غير كافٍ لتحقيق كل تلك الأغراض على أكمل وجه؛ لأن حياة الإنسان تمتلئ بأشياء كثيرة متنوعة لم يبلغها الأدب القديم ولا الحديث، ولا بد من أن يتصل الدارس بها، وهو ما يجدر أن يكون عن طريق اللغة العربية فقط.
وهي تبرز حرص طه حسين على اللغة العربية، ودور آدابها في تهيئة الإنسان المصري والعربي، وصرامته فيما يجب أن يقدم للدارسين في مراحل التعليم المختلفة، تتوازى معه دعوته لتعلم اللغات الأجنبية والاحتياج الشديد لها، فهي الوسيلة للتعرف على الثقافات الكبرى التي تتنازع العالم، وتتعاون في تحضيره وتطوره. من هنا ترى الكاتبة أن هناك أهمية قصوى لتفعيل دعوة «العميد» لتعلم اللغات الأوروبية الحية كما يجب، ومعها الصينية والإسبانية واليابانية، إذا كانت الحكومات تريد أن تنشئ في بلدانها بيئة للعلم الخالص، تشبه أمثالها من البيئات العلمية في بلدان أوروبا المتقدمة.
ومن طه حسين، انتقلت بدر إلى مناقشة آثار الشيخ أمين الخولي، ومؤلفاته التي منها «المجددون في الإسلام»، و«رسالة إلى الأزهر في القرن العشرين»، و«كتاب الخير... دراسة موسعة للفلسفة الأدبية مطبقة على الحياة الشرقية والتفكير الإسلامي»، و«تاريخنا الإسلامي متى يصبح منهجاً»، ولفتت إلى أنه أول من درس الفلسفة في الأزهر، وذلك من خلال محاضرات جمعها عام 1934 في كتاب بعنوان «كناش في الفلسفة وتاريخها» أهداه للشيخ محمد عبده.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل دعا الخولي إلى الإيمان بالسببية، وجعلها شرطاً للدخول في عصر العلم. ولأنه كان صاحب ثقافة متنوعة، وفكر تقدمي مبهر، فضلاً عن إجادته كثيراً من اللغات، فقد قام بالتدريس في عدد من الكليات والمدارس التي قد يستشعر البعض وجود ثمة تناقض بينها، ولكن «سقراط المصري» حسب ما كان يسميه تلاميذه، والمناخ الذي كان سائداً في تلك الأيام، لم يكن يفرق بين المعاهد العلمية المختلفة، ولم يمنعه من التدريس في مدرسة القضاء الشرعي، ومعهد التمثيل، وكليات: أصول الدين، والآداب، والحقوق؛ بل أعطاه كل ذلك دفعة كبيرة في دعوته لتجديد الخطاب الديني، والنظر العقلي في أموره، وضرورة مسايرة حركة العلم المطردة التغير والتقدم، متسلحاً بكثير من العناصر الثقافية التي كان يمتلكها في اللغة والآداب والبلاغة وفن القول، وإعمال العقل في كثير من النظريات العلمية والتراث العربي فكراً وأدباً.
وذكرت بدر أن الخولي ربط مسألة استمرار الأفكار وحياتها بحجم الاستفادة منها، فقد كان يرى أن ظهور فكرة جيدة يشبه في تطور الحي ظهور صفات جديدة في نوع من الأحياء تخالف الصفات القديمة، وقوة يقين أصحابها بصحتها وصلاحيتها تقابل قوة الصفات الجديدة في الحي على الحياة، ولفت إلى أن المعنويات العقلية تتطور من أصل بسيط وتتنافس، والبقاء للأصلح، من هنا كانت دعوته إلى تدين إنساني القلب، نبيل العاطفة، يؤدي للتعاون البشري، ولا يعوق الإخاء الإنساني، ولا يعرف السلطة الغاشمة التي ترهب العقل الطليق وتفت في العزم، وتفسد الذوق، وتتحكم بجبروت لاهوتي في الحياة الدنيا، وتسد الطريق إلى الآخرة.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.