تباين دوافع الانضمام للتنظيمات المتطرفة

أقواها الحرمان والتهميش والفقر

عناصر من «داعش» في الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته النهائية في سوريا (أ.ب)
عناصر من «داعش» في الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته النهائية في سوريا (أ.ب)
TT

تباين دوافع الانضمام للتنظيمات المتطرفة

عناصر من «داعش» في الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته النهائية في سوريا (أ.ب)
عناصر من «داعش» في الرقة قبل اندحار التنظيم وهزيمته النهائية في سوريا (أ.ب)

رغم أن تفكك «الخلافة» المزعومة التي أسسها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق دفع قادة التنظيم إلى التركيز من خلال رسائلهم الدعائية الإلكترونية على استقطاب «الذئاب المنفردة» ممن لديهم قابلية للتأثر والانضمام، وحثهم على تنفيذ عمليات ليست بحاجة إلى تدريب مثل عمليات الدهس والطعن، إلا أنه في الآونة الأخيرة تظهر لديهم محاولات للعودة للطرق التقليدية لتكوين خلايا إرهابية تتجمع وتخطط لعملياتها الإرهابية.
وأبرز مثال على ذلك الهجوم الإرهابي الذي حدث في سريلانكا عشية عيد الفصح. وكذلك إحباط محاولة الهجوم على مبنى المباحث الجنائية في محافظة الزلفي بالمملكة العربية للسعودية.

هذه العمليات الإرهابية كشفت عن محاولات لتكوين خلايا إرهابية وتجنيد بالطرق التقليدية وليست عبر وسائل التواصل الإلكتروني. ويؤكد على ذلك من جهة أخرى الظهور الإعلامي الأخير لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي لأول مرة منذ خمس سنوات، إذا ظهر مؤخراً في تسجيل مرئي من إصدار مؤسسة الفرقان الدعائية التابعة لتنظيم داعش بعنوان: «في ضيافة أمير المؤمنين» عبر قنواته الإعلامية ومن خلال تطبيق تيليغرام، وقد ظهرت على البغدادي علامات التقدم في السن بلحية بيضاء، وهو الذي لم يظهر منذ عام 2014 منذ إعلانه تأسيس تنظيم داعش في المسجد النوري بالموصل.
وأشار البغدادي في التسجيل إلى معركة الباغوز التي تعد آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، وتوعد بأن التنظيم سيثأر لقتلاه وأسراه.
وإذا ما كان السبب الرئيسي حول الظهور الإعلامي لزعيم «داعش» هو دحض الشائعات التي نشرت حول مقتله، فإن ظهوره جاء كذلك محاولة لتجييش المناصرين والتأثير عليهم بمعقل الباغوز في سوريا، وذلك على خطى تنظيم «القاعدة» الذي استند بشكل كبير على الظهور الإعلامي لزعمائه مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
كذلك هناك محاولة من التنظيم لإيجاد مناطق نفوذ أخرى نتيجة لتغير أوضاعه السياسية مثل تطرقه إلى سريلانكا والسودان والجزائر.
وقد نسب البغدادي هجمات سريلانكا في عيد الفصح لتنظيم داعش معتبرا أنها بمثابة ثأر للباغوز. هذا الظهور الإعلامي يثير هنا التساؤلات حول نوعية المتطرفين الذين تجذبهم مثل هذه الرسائل الدعائية ودوافع انضمامهم للتنظيمات المتطرفة.

- مسببات الانضمام للتنظيمات الإرهابية
تعددت الدراسات التي تعالج مسببات الانضمام للجماعات المتطرفة، ولكن رغم ذلك فإنه يصعب تكهن الأسباب المباشرة التي تدفع بالأفراد القادمين من دول مختلفة إلى الانضمام إلى أحضان مثل هذه التنظيمات الإجرامية. إذ يظهر اختلاف كبير حول المسببات حسب المناطق التي يأتي منها المتطرفون، فأولئك القادمون من دول غربية، مثل الدول الأوروبية حيث يعد المسلمون أقلية، غالباً ما يبرز لديهم الشعور بالنبذ والتهميش، الأمر الذي يدفعهم بالرغبة في الانتماء إلى جماعة ما أو تحقيق إنجاز أو الرغبة في أن يتم تسليط الضوء عليه. أما المقاتلون القادمون من منطقة الشرق الأوسط فإن مسببات انضمامهم إلى التنظيمات المتطرفة تنقسم ما بين التعاطف نتيجة ما يحدث في مناطق النزاع والرغبة في مساعدتهم أو لأسباب دينية. وأخيرا يظهر أن من أهم مسببات الانضمام لتنظيمات متطرفة في أفريقيا المسببات الاقتصادية ذلك أن غالبية المنضمين يعانون من الفقر والحاجة إلى المال.

- دراسة البنك الدولي
لقد نشر البنك الدولي تقريراً قام بإجراء دراسة على 3956 «داعشياً» من 61 دولة. ورغم أن معظم المقاتلين قادمون من دول مجاورة لسوريا والعراق، إلا أن ما يشكل نسبة 12 في المائة منهم من المسلمين القادمين من غرب أوروبا. كذلك فإن غالبيتهم يعدون من الطبقة المتعلمة، الأمر الذي ينافي نظرية أن من مسببات التنظيم الفقر وقلة التعليم. وهنا من عناصر خطورة التنظيمات العابرة للحدود تمكنها من استقطاب جنسيات متنوعة مع تعدد دوافع الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة. وبما يتصل بالأوروبي، جاء في تقرير للمعهد الملكي للدراسات الأمنية حول مسببات انضمام الأوروبيين إلى «داعش»، أن من أبرزها الفقر وفقدان الإحساس بالانتماء وإخفاق الحكومات الغربية في دمج هؤلاء من الأقليات في المجتمع.

- أحداث سريلانكا
وإذا ما عدنا إلى الحدث الإرهابي الأكبر مؤخراً، أي في سريلانكا يوم 21 أبريل (نيسان) الفائت والذي تسبب بمقتل المئات من الأشخاص، نجد أن المرتكبين كانوا من قبل جماعة التوحيد الإسلامية وجميعهم من الجنسية السريلانكية، وقد ظهروا في تسجيل مرئي وهم يعلنون بيعتهم لأبي بكر البغدادي.
وأيضا يظهر استهداف جماعة التوحيد المتطرفة لغير المسلمين والتحريض على استخدام العنف لقتلهم وتدمير التماثيل البوذية. من ناحية ثانية، أكد عدد من الخبراء في مجال التطرف بأن التفجيرات في سريلانكا تحمل بصمات مسلحين محليين تم تجنيدهم بواسطة عناصر من تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وأكد ذلك المتحدث باسم مجلس الوزراء السريلانكي راجيثا سيناراتني، حين ذكر أن المتطرفين الذين نفذوا التفجيرات حصلوا على دعم من شبكات أو تنظيمات دولية.
وبالفعل، أظهرت عدة تقارير أن أحد مرتكبي الهجوم، واسمه جميل محمد عبد اللطيف، سافر إلى الرقة في عام 2014. وتلقى تدريباً فيها لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر قبل أن يتجه إلى سريلانكا ويبدأ باستقطاب أعضاء للتنظيم، قد تدرب في السابق وعمل مع «داعشيين» متخصصين بتجنيد الآخرين من أمثال محمد إموازي الملقب بـ«الجهادي جون» الذي تسبب بمقتل الصحافي جايمس فولي. ويظهر هنا أن جميل عبد اللطيف ما كان يعاني من الفقر بل إن وضع عائلته الاجتماعي مكنهما من إرساله لتلقي التعليم في كل من بريطانيا وأستراليا حيث تمت «أدلجته» وتعزز تطرفه. ويتضح هنا أن مسببات انضمامه لجماعة متطرفة لم تكن اقتصادية أو اجتماعية، وإنما لدوافع دينية متطرفة.

- إرهابيو الشرق الأوسط
وعلى شاكلة دوافع الانضمام في سريلانكا لا يظهر بين مسببات الانضمام للتنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط عوامل اقتصادية أو اجتماعية في معظم الحالات، وإنما غالبيتها إما عاطفية كرد فعل لتنامي الاضطرابات السياسية أو حالة الاضطراب في مناطق النزاع في المنطقة، وتصاعد موجة الطائفية في المنطقة.
ومن جانب آخر يأتي المسبب الديني نتيجة التأثر من وجود متطرفين في أسر المرتكبين أو المنضمين، ثم إن عدداً من السوريين إلى التنظيم تحت التهديد. ولعل أقرب مثال على ذلك قصة أحمد درويش، وهو سوري عائلته من حمص، تم القبض عليه من قبل الأكراد ونشرت قصته في وسائل الإعلام، حيث ذكر أنه انضم لـ«داعش» إثر تواصله عبر موقع «فيسبوك» مع قريب له أقنعه من خلال وصفه بأن التنظيم لا يمتهن الكذب أو السرقة وبأنه شعر بالوثوق بهم، وبأن شعوره بالانتماء لمجموعة تقدم له الولاء والصداقة هو من أبرز مسببات انضمامه للتنظيم.

- التطرف في السعودية
أما بما يتعلق بالسعودية، ففي تقرير نشر مؤخراً للدكتور عبد الله بن خالد بن سعود الكبير بعنوان «المقاتلون الأجانب في وثائق «داعش» المسرّبة: دراسة تحليلية للقادمين من المملكة» من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الأمنية، اعتمد الباحث على وثائق سرية جرى تسريبها في مطلع عام 2016 تخص المجندين الجدد الذين سعوا للانضمام إلى تنظيم داعش في سوريا.
ذكر التقرير أن غالبية السعوديين ممن انضموا للقتال في «داعش» من فئة الشباب الذين يمثلون جيلاً جديداً من الجهاديين السعوديين، كما أن الجزء الأكبر ليسوا من المراهقين ثم إنهم لم يكونوا معزولين أو منبوذين اجتماعياً، لكنهم لم يمتلكوا معرفة شرعية واسعة، إلا أنهم متعلمون إلى حد ما 46 في المائة، أما فئة الجامعيين فيشكلون 45 في المائة.
وقسم الباحث أنواع المنخرطين في التنظيم ما بين مقاتل أو استشهادي أو انغماسي - بمعنى أنه يقوم بهجمة إرهابية دون أن يؤدي ذلك إلى موته. وذكر أن الغالبية اختاروا أن يكونوا مقاتلين فيما أن خيار الانتحاري بدأ في التضاؤل. إذ أنه كان بنسبة أعلى في بداية نشأة «داعش» في العراق عامي 2006 - 2007 بنسبة 48 في المائة من المقاتلين السعوديين ممن اختاروا الانخراط في عمليات انتحارية، لكن تناقصت نسبتهم لتصل إلى 16 في المائة ما بين عامي 2013 - 2014، الأمر الذي يعكس نوعاً من التغيير في القناعات لديهم.
من جهة أخرى فإن السلطات السعودية كشفت عن الداعشيين الذين سعوا للهجوم على مبنى المباحث الجنائية في محافظة الزلفي، ومن ضمنهم عبد الله بن حمد الحميدي، وهو ابن أحد منظري تنظيم «القاعدة» حمد الحميدي، الأمر الذي يدل على وجوده في أسرة وبيئة حاضنة للإرهاب. في حين تشكل قصة سلمان وسامر المديد وتعكس مدى تأثير ضعف التعليم والأسر المتطرفة على المجندين. فهما ابنا عبد العزيز المديد الذي سبق سجنه نتيجة تطرفه ولقد رفض إكمال تعليم أبنائه وبناته ومزاولة أي عمل وبالأخص الحكومي، كما أنه مزق أوراقهم الثبوتية قبل سجنه.

- التطرف مختلف في أفريقيا
من جهة أخرى تحمل القارة الأفريقية دوافع أو مسببات مختلفة تماماً للانضمام للتنظيمات المتطرفة، غالبيتها اقتصادية. وتشير العديد من التقارير أن جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا استقطبت المجندين عبر إقناعهم بحصولهم على الكثير من الأموال وكل ما هم بحاجة إليه. كذلك يشير تقرير نشره المعهد الأوروبي للسلام إلى أن أهم مسببات الانضمام لحركة الشباب الإسلامية في الصومال أسباب اقتصادية، حيث إن 27 في المائة انضموا لهذه الأسباب، فيما 15 في المائة منهم انضموا لدوافع دينية، وأجبر 13 في المائة منهم على الانضمام للتنظيم قسرا. فيما أكد 21 في المائة ممن استمروا داخل التنظيم أن شعورهم بالانتماء للتنظيم هو ما دفعهم بالاستمرار فيه.


مقالات ذات صلة

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».