صراع «القاعدة» و«داعش» ينتقل للإصدارات المرئية

«حديث العائدين» يُكذب «البادئ أظلم» ووكالة «أعماق»

«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
TT

صراع «القاعدة» و«داعش» ينتقل للإصدارات المرئية

«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)
«حديث العائدين» الذي بثه «القاعدة» عن «داعش» (الشرق الأوسط)

انتقل الصراع بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» من الأرض إلى الإصدارات المرئية؛ إذ بث «القاعدة» إصداراً صوتياً لـ«منشقين» عن «داعش» تحدثوا عن خداع التنظيم، في حين يواصل «داعش» بث إصدارات ومقاطع لتأكيد أنه «باق» رغم الهزائم، وأنه الأقوى بين التنظيمات الإرهابية. يقول خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إن «حرب الإصدارات إفلاس، ومحاولة لإثبات الوجود في ظل فشل كبير».
صدر أخيراً إصدار مرئي بعنوان «حديث العائدين» مدته 12 دقيقة، ضم رواية لأحد عناصر «داعش»، ضمن 3 عناصر ظهروا في الإصدار. قالت عنهم «القاعدة» إنهم «انشقوا عن (داعش)، وتحدثوا عن الإعلام الكاذب للتنظيم»، أصدرته مؤسسة «هداية» للإنتاج الإعلامي التابعة لـ«القاعدة». وبدأ الإصدار المرئي الذي حمل أسماء حركية هي «قربان، وحارث، وأسامة» بنشيد احتوى على كلمات، تُذكر بالموت، وضرورة التوبة إلى الله، في تقليد لإصدارات «داعش» التي اعتاد عليها.
يأتي هذا في وقت لا تزال مشكلة «العائدين» من «داعش» تمثل إشكالية كبيرة، وتنشر القلق في أوروبا بعد انحسار التنظيم وفرار معظمه من العراق وسوريا. وقال مراقبون إن «مشكلة الدول تكمن في وجود تخوفات من إقدام الفارين من (داعش) على ممارسة العنف والإرهاب داخل حدودها، وبخاصة مع عدم وجود بيانات تفصيلية لهؤلاء (العائدين)».
وأكد المراقبون «عادة ما تبدأ شهادة (العائدين) من التنظيمات الإرهابية في أي إصدار صوتي بتسجيل موقف الندم، والحسرة على الاختيارات التي دفعتهم إلى ذاك الطريق، وأحياناً يتهمون أنفسهم بالسذاجة والسطحية».

- أكاذيب «داعش»
بدأ الحركي «قربان» حديثه، بأن «(داعش) تلاعب بالإعلام خلال حربه مع (القاعدة) في قيفة بالقريشية، إحدى مديريات محافظة البيضاء اليمنية، واستخدموا سلاح (بي كي) وهو سلاح رشاش متوسط يجمع صفات كل من الكلاشينكوف والغرينوجوف، وقتلوا عناصر (القاعدة) وأسروهم»، مستشهداً بإصدار «داعش» «البادئ أظلم» الذي كشف كذب التنظيم؛ إذ خطف 13 من «القاعدة»، وعندما ردت «القاعدة» اشتكى التنظيم بأنه مظلوم، مؤكداً أن «(داعش) يدعي زيفاً بأن التنظيم لا يزال ثابتاً في مواقعه للزج بعناصره في حرب لا يعرف أحد مداها، وقد انسحب من أكثر المواقع التي كان فيها، ويدعي أنه يسطر الملاحم... والحقيقة أنه يقتل الأطفال، ويقوم بإطلاق النار على عامة الناس، فقد قام التنظيم بقنص طفلة في قيفة لا تتجاوز العاشرة من عمرها في رأسها».
وواصل الحركي «قربان» حديثه قائلاً: «حتى نعلم مدى تلاعب الدواعش بالإعلام وكذبهم، لا بد من مشاهدة مقطع لوكالة (أعماق) التابعة للتنظيم، والذي ظهر فيه شخص يقال عنه أن اسمه الحركي أبو مسلم الهاشمي، وأظهرت الوكالة أنه منشق عن (القاعدة)»، مضيفاً: «أبو مسلم هذا حينما حضر إلى (داعش) كنت معهم وقتها، وعقب وصوله بأيام قليلة نشروا بيننا المقطع، وحاولوا ترسيخ أنه قاعدي منشق... وعندما هربت إلى (القاعدة) بدأت أبحث عن حقيقة ما قاله أبو مسلم، فلم أجد شيئاً، وعندما سألت عن أبو مسلم، علمت أنه لم يبقَ في قيفة سوى 48 ساعة، وأنه لم يمكث مع (القاعدة) أكثر من 10 أيام وهرب إلى (داعش)، فكيف أنه مكث 12 يوماً ويحكي ما يقوم به (القاعدة) بين الناس؟».
ودعا الحركي «قربان» في نهاية حديثه عناصر «داعش» أن يفيقوا بعدما غيبوهم عن الواقع، وأن يعلموا أن ما يقوم به القادة ظُلم. ودعاهم للمغادرة؛ حتى لا يندموا. كما دعا المناصرين المتعصبين مثله أن «يسمعوا من كل الأطراف».

- إصدارات قديمة
سبق إصدار «القاعدة»، إصدارات مرئية كثيرة لـ«داعش» لتأكيد البقاء، وأنه ما زال الأقوى على الأرض من «القاعدة» وتنظيمات الإرهاب الأخرى، إذ بث تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لـ«داعش» إصداراً مرئياً، عرض فيه لقطات مصورة، قال عنها: «إنها حديثة لاستهداف عربات ومدرعات وكمائن أمنية في شمال سيناء»... كما بث الفرع اليمني لـ«داعش» إصداراً مرئياً بعنوان «اثاقلتم إلى الأرض»، ضم عدداً من اللقطات القديمة، التي نشرتها المكاتب الإعلامية للتنظيم في سوريا والعراق، لما أسمته تطبيق الأحكام الشرعية داخل معاقل التنظيم... وسبق ذلك إصدار مرئي حمل اسم «صولات الموحدين 2» عن ما يسمى بالمكتب الإعلامي للبركة التابع لـ«داعش» كشف عن سعى التنظيم لتصدير صورة مشاركة عناصر نسائية مكشوفة الوجه في القتال ضد عناصر الجيش السوري؛ وذلك في محاولة من التنظيم لكسب وتجنيد عناصر جديدة من المتعاطفات معه.
تعليقاً، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية: إن «(حرب الإصدارات) ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل من كلا التنظيمين». بينما أكد رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، أن «(داعش) و(القاعدة) يحاولان إثبات وجودهما في ظل فشل كبير، والتنظيمان يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وغيرهما من الدول».
وما زال «القاعدة» يُقدم نفسه على أنه في طليعة «القتال» ضد أميركا وروسيا وبريطانيا، وأصحاب منهج صحيح، على خلاف «داعش» الذي يصفه بـ«الغلاة».
ويرى مراقبون أن «كثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تلقت تدريبات على يد عناصر (القاعدة)، انفصلت عن التنظيم خلال السنوات الماضية وانضمت إلى تنظيمات أخرى مثل (داعش)... ويسعى (القاعدة) لضم هؤلاء (الدواعش) عقب الهزائم التي لحقت بهم في سوريا والعراق خلال الأشهر الأخيرة.

- ما بين البغدادي والظواهري
الصراع بين «داعش» و«القاعدة» ليس فقط في الإصدارات؛ بل تلاسن غير ظاهر من وقت إلى آخر بين قيادات التنظيمين، ففي أغسطس (آب) الماضي، بث زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي إصداراً مرئياً عبر «أعماق» حث فيه أتباعه على العنف والقتل... وبعده ظهر أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» في إصدار مرئي آخر محاولاً إثبات وجود تنظيمه على الساحة، بدعوته المسلمين بالتوحد معه لمواجهة الإرهاب – على حد زعمه.
كما ظهر الظواهري في أبريل (نيسان) 2018 في إصدار «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، حاول من خلاله استمالة شباب تنظيم «الإخوان»، والأحزاب الإسلامية للانضمام إلى التنظيم... وسبقه إصدار بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة» شن هجوماً على الأحزاب الإسلامية في مصر؛ لكنه داعب حينها شباب «الإخوان».
وقال عجلان: إن «طبيعة التيارات والجماعات المتشددة حدوث تشظٍ وصراعات داخلية بينها تحت لافتات التكفير المُتبادل؛ فـ(داعش) كان تطوراً طبيعياً لـ(القاعدة)».
وأكد المراقبون، أن «مصطلح (العائدين) من (داعش) شهد تغيراً كبيراً بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق؛ فقد كان يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم؛ لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم... وبعد هزيمة التنظيم أصبح المصطلح يحمل معنى مغايرا تماماً؛ إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء (العائدون) لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟، وقد أعربت الكثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء».

- مواقع التواصل
من جهته، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الافتاء المصرية: إن «هناك تخوُفاً آخر يظهر في الأفق، وهو احتمالية الانتقال لهؤلاء (العائدين) بين التنظيمات التكفيرية والإرهابية، كما هو الحال بين (القاعدة) و(داعش)، وبخاصة مع أفول نجم (داعش)، وبروز تنظيم (القاعدة) وإعادة لملمة صفوفه وتنظيم قوته».
ويستغل «داعش» و«القاعدة» شبكات الإنترنت لبث ونشر الإصدارات المختلفة على نطاق أوسع. وفي دراسة لدار الافتاء المصرية أشارت إلى أن «التنظيمات المتطرفة توسعت في استخدام شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي باعتبارها ملاذاً آمناً، لبث أفكارهم المتطرفة ولتنفيذ مشروعها الآيديولوجي».
الدراسة، التي جاءت بعنوان «استراتيجيات وآيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت»، أعدها مرصد الفتاوى، أكدت أن «شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد (الذئاب المنفردة) أو (الانفراديين)، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة، حيث تقوم تلك التيارات بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامه المناسب».
وصنفت دراسة الإفتاء مواقع التواصل وفق استغلال «داعش»، حيث أكدت أن «(فيسبوك) يساعد التنظيم في تجنيد (الذئاب المنفردة) بسهولة عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة... أما (تويتر) فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة... و(تليغرام) للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال... في حين يستغل التنظيم قنوات (يوتيوب) لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف».


مقالات ذات صلة

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

أفريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نزاعات منسية خلال عام 2024

إلى جانب الحربين اللتين تصدَّرتا عناوين الأخبار خلال عام 2024، في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تستمر نزاعات لا تحظى بالقدر نفسه من التغطية الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».