الخلاص بالطبيعة... شعرياً

محمود سباق في ديوانه «محاولة لاستصلاح العالم»

الخلاص بالطبيعة... شعرياً
TT

الخلاص بالطبيعة... شعرياً

الخلاص بالطبيعة... شعرياً

تبرز الطبيعة رحماً شعرياً ودالاً مركزياً له حضوره الخاص في ديوان «محاولة لاستصلاح العالم» للشاعر محمود سباق، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفاز بجائزتها لأفضل ديوان شعر في معرض القاهرة الدولي للكتاب. فمن براح الطبيعة تنفتح نصوص الديوان على المكان، ليس كجغرافيا محددة الأبعاد، وإنما كمشهدية بصرية مفتوحة بحيوية على أشواق البشر وذكرياتهم وأحلامهم عبر أصوات من الماضي والحاضر والمستقبل. بينما يتحول الحلم بالطبيعة إلى شكل من أشكال الخلاص، تتناثر صوره ورموزه وحالاته في الديوان، فرغم أنها رمز للحنو والعطف والجمال فهي مع ذلك لا تخلو من قسوة، خصوصاً حين تصبح الأجواء ملبدة بالحروب والكوارث، كما في (ص 40)، حيث يتساءل الشاعر مسكوناً بحس المرثية: «ما يدفع الأمم الكبيرة/ كي تجاملنا/ لزرع سمائنا بالطائرات/ ما يجعل الصحراءَ تنمو هكذا/ إن مات عنها الأصدقاء/ وما يعذبني كثيراً أنَّ هذا غامض/ أنَّ الطبيعة سوف تعمل في تحيزها/ وتنسى أننا أبناؤها». كما أن الموت في حضن الطبيعة آمن لا يكلف شيئاً، حسب تعبير الديوان أيضاً (ص43). في مقابل هذه القسوة العابرة، يبرز عفو الطبيعة مشكلاً ذروة هذا الخلاص، وكأنه رحم أمومي يحتضن الروح والجسد، بعيداً عن قبح العالم وفساده... يطالعنا هذا المعني (ص 51) في قصيدة بعنوان «تداعٍ» يقول فيها الشاعر:
«إذن...
سوف أملأ عيني
بما تعرض الأرضُ من صورٍ للنبات المشاعِ
وما تعرض الأسطحُ المنزلية من فلسفات (؟!)
وما يعرض البحرُ للنازحين:
عناوينَ غامضة،
وبواخرَ مربوطة في يد الموج،
مثلَ قطار تعطّلَ قبل بلوغ المحطة
أملأ عيني بعفو الطبيعة،
- ستمطرُ هذا الصباحَ؟
ستمطر»
هذا الخلاص بالطبيعة، وهذه المشهدية، يشكلان خيطاً للوصل والقطع مع سيرتين يعمل الديوان على إنضاجهما، والتقاط المشترك والمهمّش والمسكوت عنه في ظلالهما، أعني بهما سيرة الجنوب والشمال، فعلاوة على الإهداء الذي يحتفي به الشاعر بوالديه وشريكة حياته، وخمس نجمات يضئن ليل الجنوب، تطالعنا القصيدة الأولى بعنوان «من سيرة الجنوب والشمال»، منحازاً من خلالها إلى ما يمكن أن أسميه تبعيض الكل، أو تجزئته، الكامن في حرف الجر بالعنوان، والذي يفيد التقليل، ما يعني ضمنياً أننا أمام ذات شعرية لا تدعي معرفة ما تجهله، وإنما تكتب ما عاشته وما تعيشه، ما أحبته وتحبه... ذات مسالمة، تريد إصلاح العالم بالشعر والحب، أو على الأقل يكونان عتبة في سبيل ذلك.
ورغم نفحة الرومانسية في هذا العنوان، إلا أنه ربما يكون ملائماً لمناخ ديوان يعتمد في بنيته على إيقاع التفعيلة حجر أساس، في زمن شاعت فيه قصيدة النثر، حتى أصبحت التفعيلة من «التابوهات»، وهذه جرأة تحسب لشاعر متمكن من أدواته ولغته، حريص على أن يكون لمفرداته صوت، تحسه العين والأذن معاً.
تمتد هذه القصيدة على مدار 20 صفحة من (ص 9 إلى 29)، وهي مقسمة إلى 6 مقاطع مرقمة، ما يشكل تقريباً أكثر من ثلث الديوان الواقع في (77 صفحة).
لكن هذا الاتساع الذي لم نصادفه في قصائد أخرى، هل له ما يبرره فنياً وشعرياً؟ فنياً: أتصور أن هذه القصيدة تشكل الكتلة - المتن، التي ينبثق منها اللحن الأساس في الديوان، وتبرز فيها طاقة السرد وشعرية التفاصيل، بينما ما يأتي بعد ذلك بمثابة تنويع على هذا اللحن وصدى له... وشعرياً: نلاحظ أن حركة الذات في هذه القصيدة، لم تكترث كثيراً بفرديتها، بقدر ما كان جل همها هو التماهي مع الكتلة، وما تحتويه من أحلام وأشواق، لا تزال تومض في عباءة المكان، وذلك على عكس إيقاع بقية القصائد، حيث تنفلت الذات من أسر الكتلة، والتي تتحول إلى رجع صدى، بينما تتسع مساحة الاستناد على فرديتها وأشيائها الشخصية، وربما يكون من اللافت هنا أن نصنع نوعاً من المفارقة بين هذين العالمين... يقول الشاعر في القصيدة الأولى المتن:
«وفي الجنوب
صحبتُ أبناء الجنوب
سكبت أحلامي على أحلامهم
وخبزت ليلاً طازجاً
وفتحت قلبي كالحديقة للجميع:
أنا الشمالي ابن أمي
كنتُ أركض في الشوارع والحقول وراءها
أمشي كما تمشي
وأحفظ خطوها من أن تشيِّبه السنين
وكنت أقفز كالطيور المنزلية حولها
لكن خطوي كان أصغر
كنت أجمع ما تناثر خلفها من ذكرياتٍ
عن أبي وعن الجنوب
أول المدن التي انكسرت على شطآنها أحزاننا».
لا تتحرك الذات الشاعرة هنا بمعزل عن المجموع؛ العائلة والبيت والطبيعة، ويشكل اللعب في ظلالها إحساساً بالونس والأمان، يقفز عبر صوت الماضي (كنتُ أركض - كنت أقفز - كنت أجمع). لكن حين تستند الذات على فرديتها تجتر مشاعر من الإحباط والغربة والخوف، بل يصبح الماضي والإحساس به محنة مغلفة بتضاد منهك، بين زمانين افترقا إلى غير رجعة، ولا شيء يوحدهما، أو يقرِّب المسافة بينهما، وهو ما يشير إليه الشاعر في ختام قصيدته «القصيدة والبحر» (ص 70) قائلاً: «شياطين تأتي لتقطع وحي القريحة عني/ وفقدٌ يشير إلى ما أراه فينأى/ إذن كيف ينجو المحاصر بالضد/ كيف ينام؟».
تربك نبرة التعليل هنا أسئلة الشاعر، وتحد من أفق التأويل، وتسيَّجه بإشارات عابرة تقريرية، بينما تغيب طاقة الأسئلة الكاشفة المكوِّنة المضيئة التي تفتح الكينونة والمخيلة على المعنى الأبعد والأعمق للوجود والحياة، وقبل كل شيء المعنى الأعمق للشعر.
في محاولة لردم هذه الفجوة، يلجأ الشاعر إلى القلق، يخاطبه كمحرك وحافز على المعرفة والتمرد، وذلك في قصيدته التالية «يخصني هذا القلق» معولاً على الذكريات حلقة وصل بين الأشياء المفتقدة المنسية، وفي الوقت نفسه، تفعيل دور القلق محفزاً لإعادة القراءة والتأمل... فيستهل هذه القصيدة قائلاً (ص 71):
«سأفعل ذكرياتي
وأدير وجهي حيث ترشدني الحواسُ
وحيث أفتنُ بالغرابة والتشظي بالخيال
وبالعيال الهاربين من القرى لمصائر مجهولة
وأمارس الأشياء كي تدنو وتصبح واقعاً يختصني
وأقود ذاكرتي لأبعد من هنا
أحتاج تذكرة إذن لبعيدة تبتلُّ بي...»
بيد أن هذه القلق يبدو عابراً، في الأغلب، لا يصنع موقفاً وجودياً، لا من الذات أو العالم، إنه مجرد قشرة على السطح، تظل كما هي، حتى لو تغيرت دفة الضمائر في القصائد، من الأنا المتكلم إلى الآخر، وتغيرت الإشارات والرموز، واكتسى بعضها مسحة سياسية عن الميدان والثورة والجنرال. لا تسلم بعض القصائد من الوقوع في النظم أحياناً، وشيوع مجاز الصور المتضادة المستهلكة، من قبيل «حين يخرج من نفسه للعراء/ تاركاً ظله في البيوت/ لها كم يضيء ولكنه لا يضاء»، وفي ختام القصيدة نفسها (ص 77): «والعيون التي أحيت طفولتها من دماه/ لم تكن غير ما شكلته يداه/ حين غادر من نفسه، لم يكن أحدٌ غيره/ إنما ظله وخطاه». أو تأتي لطشة النهاية في قصيدة «حكايات القرى الأولى» على هذا النحو: «وأنا انتزعت ملامحي مني/ وألبسني المكان ملامحاً أقوى/ وأنزلني عن السِّير القُعود».
إن الطبيعة، التي تشكل مداراً للرؤية في الديوان، تتسم في ظل هذه السلبيات الطفيفة بحضور ضعيف وفاتر، وتتحول من مجاز للوجود بالفعل إلى مجاز للوجود بالقوة شعرياً، على عكس الكثير من القصائد، التي قدمت موقفاً راقياً تنوعت فيها أشكال الخلاص بالطبيعة من قسوة العالم وجهامته... وعلى سبيل المثال قصيدة «غزالات مولعة بالركض»، فعلى مدار صفحتين فقط، وبلغة سلسلة شفيفة، وإيقاع خالص لنفسه، يبني الشاعر موقفه عاطفياً من الحبيبة والعالم والأشياء، في مشهدية شيقة، يمتزج فيها الحلم بالطبيعة، بالحرية والعدل والأمان... يقول الشاعر في هذه القصيدة (ص 53):
«أشعلُ خمسَ مجرَّاتٍ
وأسميها باسمكِ،
أرتاح قليلاً وأغني كثيراً عنك،
أضع أمامك كل الأشياء جميعاً:
أضع ملائكة وشياطين صغاراً،
وغزالاتٍ مولعة بالركض،
ونباتاتٍ يتزوَّجها الغيم»
هكذا، من دون فواصل تضع كل عنصر من عناصر هذه المشهدية بمعزل عن الآخر، يتنامى الولع بالطبيعة، ويصبح سؤالاً ممتداً في جسد الشعر والزمان والمكان.


مقالات ذات صلة

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «جدة تقرأ» عنوان معرض الكتاب 2024 (المركز الإعلامي)

الكتاب الورقي ينتصر على الأجهزة الرقمية في معرض جدة

في ظل التطور التقني والاعتماد المتزايد على الكتب الإلكترونية، حسم زوار معرض جدة للكتاب 2024 الجدل لصالح الكتاب الورقي

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق دور النشر شهدت إقبالاً كبيراً من الزوار من مختلف الأعمار (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جدة للكتاب»... مزيج غني بالمعرفة والإبداع بأحدث الإصدارات الأدبية

يعايش الزائر لـ«معرض جدة للكتاب 2024» مزيجاً غنياً من المعرفة والإبداع يستكشف عبره أحدث الإصدارات الأدبية، ويشهد العديد من الندوات وورش العمل والجلسات الحوارية.

إبراهيم القرشي (جدة)

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية
TT

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

حُلي من مدافن البحرين الأثرية

كشفت حملات التنقيب المتواصلة في تلال مدافن البحرين الأثرية عن مجموعات متعددة من اللُّقَى، منها مجموعة كبيرة من الحليّ والمجوهرات دخلت متحف البحرين الوطني في المنامة. تحوي هذه المجموعة البديعة عدداً من العقود المصنوعة من الأحجار المتعدّدة الأنواع، كما تحوي بضع قطع ذهبية تتميّز بأسلوبها الفني الرفيع، أبرزها زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة.

تعود هذه المجموعة المتنوعة من الحليّ إلى الحقبة التي عُرفت فيها البحرين باسم تايلوس، وهو الاسم الذي أطلقه المستكشفون الإغريقيون على هذه الجزيرة في القرن الثالث قبل الميلاد. امتدت هذه الحقبة على مدى ستة قرون، بلغت خلالها البحرين درجة عالية من الصقل الثقافي، كما تشهد اللُّقَى الكثيرة التي خرجت من تلال مقابرها الأثرية. ضمّت هذه اللُّقَى مجموعة هائلة من الأواني الفخارية والزجاجية الجميلة، كما ضمّت مجموعة من الحليّ المتنوعة الأشكال والأنواع. لا تحمل هذه الحليّ في الظاهر أي طابع جنائزي، غير أن موقعها يشير بشكل لا لبس فيه إلى أنهّا شكّلت جزءاً من أساس هذه القبور. رافقت هذه الحليّ أصحابها إلى مثواهم الأخير لكي يتزينوا بها في العالم الآخر، ولم تقتصر هذه الزينة على النساء من علية القوم، بل شملت كذلك الرجال والأطفال، كما تُجمع الدراسات العلمية الخاصة بهذه المقابر المثيرة.

حضرت الأدوات المنزلية بقوة في هذا الأثاث الجنائزي، كما حضر بعض القطع النقدية، ممّا يوحي بأن العقائد السائدة في هذا المجتمع كانت تُقرّ بأنّ الحياة تستمر وتتواصل في العالم الآخر. كان دفن الميت يتمّ بعد إلباسه أفضل وأثمن رداء، كما يُستدل من الأكفان التي تمثّلت في عدد هائل من الملابس والإبر والدبابيس، وكان الميت يُزيّن بالحليّ التي تعدّدت أنواعها، مما يوحي بأن هذه الحليّ شكّلت جزءاً من هذا الرداء، وتمثّلت في العقود والأساور والخواتم والأقراط التي جمعت بين الأشكال والخامات المعروفة كافة. حوى هذا الأساس كذلك مجموعة من المراهم وأدوات التجميل، وذلك كي يستمر ساكن القبر في الاعتناء بمحياه بعد أن يتمّ تزيينه قبل الدفن، وحوت هذه الأدوات الخاصة بالزينة مجموعة من أنابيب الكحل والأمشاط النسائية. تضمّ هذه المجموعة الكبيرة من الحليّ في الدرجة الأولى عدداً كبيراً من العقود المكونة من أحجار متعددة، منها ما تُعرف بالكريمة، ومنها ما تُعرف بشبه الكريمة. من الأحجار الكريمة، يحضر الجَمَشْت الذي يُعرف بالعربية بالحجر المعشوق، ويمتاز بلونه البنفسجي السماوي، والبِجَادِيّ الشبيه بالرمّان، والعقيق بأنواعه متعددة الألوان، والجَزْع الشهير بالأونيكس. ومصدر هذه الأحجار بلاد ما بين النهرين، ووادي النيل، ونواحي باختر التي تُعرف اليوم بالبلخ. في المقابل، تحضر اللآلئ من تايلوس، وهي الجزيرة الغنية بهذه الأحجار، كما أشار بلينيوس الأكبر في الكتاب السادس من موسوعته «التاريخ الطبيعي». من الأحجار شبه الكريمة، تحضر الأحجار الزجاجية والصابونية والخزفية، إلى جانب الأصفاد المتنوعة، بشكل مستقل في بعض القطع، وتحضر إلى جانب الأحجار الكريمة في البعض الآخر.

تشكّل هذه الأحجار المختلفة مادة لحليّ متنوعة، منها ما هو مستورد، ومنها ما هو محليّ، ومنها ما يصعب تصنيفه. يغلب الطابع التجريدي على الجزء الأكبر من هذه الحليّ، ويحضر الطابع التصويري في عدد محدود منها، كما في مجموعة من الحِرْز المصوغة على شكل عناقيد العنب. خرج عدد من هذه الحِرْز من مقبرة «كرانة»، وخرج البعض الآخر من مقبرة «سار»، وتتبنّى طرازاً معروفاً يرمز كما يبدو إلى الخصوبة، وهذا الطراز معروف في الشرق الأدنى، وقد بلغ كما يبدو شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، كما تشهد مجموعة مشابهة من الحِرْز عُثر عليها في موقع الدُّور التابع لإمارة أم القيوين.

مجموعة متنوعة من الحليّ تعود إلى حقبة تايلوس

إلى جانب هذه القطع المتنوعة، يحضر الذهب في مجموعة من القطع، خرج القسم الأكبر منها من مقبرة «الشاخورة» في المحافظة الشمالية. أشهر هذه القطع زوج من أقراط الأذن المرصّعة بالأحجار الكريمة، يتميّز بطابعه التصويري المجسّم. يتكوّن كل قطر من ثلاثة عناصر مترابطة كسلسلة، ويبلغ طول هذه السلسلة 8 سنتمترات. يأخذ العنصر الأول شكل طفل مجنّح يمتطي جدياً، وهذه الصورة معروفة في العالم الهلنستي المتعدد الأقطاب، وتمثّل إيروس، سيّد الرغبة المتّقدة في الميراث الإغريقي، ممتطياً جدياً يثب في الفضاء. تحلّ هذه الصورة في طرف حلقة قرط الأذن، وتبدو أشبه بمنحوتة ذهبية منمنمة صيغت بمهنية عالية، وفقاً لناموس الجمالية اليونانية الكلاسيكية التي تحاكي الواقع الحسي بشكل مطلق. من هذه الحلقة، يتدلّى العنصر الثاني، وهو على شكل دائرة ذهبية مرصّعة بحجر نفيس مجرّد. ومن هذه الدائرة، يتدلّى العنصر الثالث، وهو على شكل إناء يوناني تقليدي، عنقه وقاعدته من الذهب، وقالبه الأوسط من حجر لازوردي.

يبرز كذلك خاتم يحمل في وسطه حجراً نفيساً نُحت على شكل وجه آدمي في وضعية جانبية، وفقاً لطراز يُعرف باسم «قميو». شاع هذا الطراز في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور، وتكرّر ظهوره بشكل مشابه على رقائق من الذهب، خرج بعضها من مقبرة «الشاخورة»، والبعض الآخر من مقبرة «أبو صيبع» المجاورة لها. مثل صورة إيروس ممتطياً الجدي، المنقوش على حجر ناعم بطابعها الكلاسيكي الصرف، وتمثّل رجلاً حليق الذقن مكللّاً برباط معقود حول هامته.