«مجلس مكافحة الفساد» العراقي يتعرض لحملة انتقادات واسعة

TT

«مجلس مكافحة الفساد» العراقي يتعرض لحملة انتقادات واسعة

تعرض المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في العراق خلال اليومين الأخيرين لحملة انتقادات واسعة من صحافيين ونشطاء مدنيين وخبراء في شؤون القضاء ومحاربة الفساد، بعد تلويحه بمقاضاة الأشخاص الذين يوجهون اتهامات علنية بالفساد إلى بعض المسؤولين.
وطالب المجلس في بيان أصدره عقب الاجتماع الذي عقده أول من أمس، وترأسه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الجهات والأشخاص بغض النظر عن مسمياتهم وصفاتهم الوظيفية بـ«تقديم الأدلة على هذه الاتهامات» التي تُساق بحق المسؤولين الحكوميين في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وشدد على تسليمها إلى «المجلس الأعلى لمكافحة الفساد خلال مدة أسبوعين، وبخلافه يحتفظ المجلس باتخاذ الإجراءات القانونية بحق مُطلِقي الاتهامات».
وكان رئيس الوزراء قد دشن عهد وزارته التي حازت ثقة البرلمان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإصدار أمر ديواني بعد نحو شهرين من ذلك التاريخ أسّس بموجبه المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي يعد التحدي الأكبر الذي يواجه البلاد منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن. ويرأس المجلس المؤلف من 6 أعضاء رئيس الوزراء، ويضم كبار المسؤولين في هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وممثل عن المفتشين العمومين.
ورغم الجهد الذي يسعى المجلس إلى إضفائه على عمله في محاربة الفساد، حيث كشف في بيانه الأخير أنه «ناقش بإسهاب ملف الفساد والتهريب في المجال النفطي والمخدرات والمنافذ الحدودية ووضع معالجات جدية لتطويق هذه العمليات والحد منها والضرب بشدة على شبكاتها» فإن اتجاهات غير قليلة بين أوساط المواطنين والمراقبين لملف الفساد تشكك غالباً في قدرة المجلس على اتخاذ خطوات جدية في اتجاه تقديم كبار الفاسدين إلى العدالة ومحاسبتهم.
وجاء بيان المجلس الأخير، خصوصاً الفقرة المتعلقة بـ«تقديم الأدلة»، ليثير الكثير من علامات الاستفهام حول عمل المجلس ورغبته الفعلية في محاربة الفاسدين بدلاً من «تخويف المخبرين عن الفاسدين والتهديد بمقاضاتهم».
ويقول رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي: «برأيي أنها خطوة غير موفقة تماماً، رغم دعمي للمجلس ولكل خطواته، لكني هذه المرة أقول وبأسف إنه تراجع عما بدأ به من خطوات كانت جيدة بظني». ويرى العكيلي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار المجلس ضد المخبرين وتكليفهم بتقديم الأدلة غير موفق ومخالف للسياسات الصحيحة ولاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد». وتابع أن «مهمة المخبر عن الفساد هو (مطلق صافرة) فقط وعلى الجهات المعنية التحقق من صحة المعلومة وجمع الأدلة، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد منعت اتخاذ إجراءات ضد المخبر عن الفساد إذا ظهر عدم صحة أخباره في حال كان حسن النية».
ويعتقد العكيلي أن «تهديد المجلس باتخاذ الإجراءات ضد المخبرين سيكون مانعاً من تشجيع المخبرين وسوف يعزف الناس عن التحدث وتداول المعلومات التي تصل إليهم عن الفساد وبالتالي تخسر الجهات الرقابية الكثير من المعلومات التي ستكون مفيدة لها، والقرار يحمّل المخبرين ما لا طاقة لهم به». ويضيف أن «جمع الأدلة عن الفساد ليست مهمة المخبرين بل مهمة الجهات الرقابية».
بدوره، اعتبر المرصد العراقي للحريات الصحافية أن «المجلس الأعلى لمكافحة الفساد يمارس سياسة ترهيب ضد الإعلام». وعبر المرصد في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه عن «استغرابه من بيان المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي توعد فيه وسائل الإعلام والإعلاميين في حال نشر معلومات عن المفسدين والفساد، وطالبهم بتقديم الأدلة والوثائق خلال مدة محددة، وإلا فهم عرضة لمساءلة قانونية». وحذر المرصد مما سماها «طريقة غير ملائمة وصادمة في إدارة ملف مكافحة الفساد قد تقضي على فرص مواجهة المفسدين والمافيات المرتبطة بهم حيث الخشية من نشر أخبار ومقالات رأي تدعو إلى إجراءات رادعة ضد المفسدين».
وتعليقاً على قرار مجلس مكافحة الفساد الأخير يرى الصحافي ورئيس تحرير جريدة «الصباح» السابق فلاح المشعل، أنه «إجراء خاطئ، والمفروض أن يهيب المجلس بالمواطنين للتبليغ وتقديم ما يتوفر من أدلة لقاء هدايا تشجيعية». ويضيف المشعل في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الأهم من ذلك، هو الحفاظ على سرية المعلومات وهوية المبلغ عن الفساد، أما بيان المجلس، فهو يقدم الحرص على المسؤول وليس مكافحة فساده».
وهاجم البرلماني السابق والمثير للجدل مشعان الجبوري، أمس، قرار مجلس مكافحة الفساد، وقال في منشور على صفحته الرسمية في «تويتر» إن «القرار لا يخيفه» رداً على ما تردد من أن قرار مجلس مكافحة الفساد يشير إليه ضمناً بعد تصريحاته العلنية واتهامه النائب علي الصجري بالحصول على مليارات الدولارات تعويضاً عن مقتل أبيه في عهد «البعث» دون وجه حق. وأضاف الجبوري في تغريدته، أن القرار «يحوّل مهمة المجلس من مكافحة الفساد إلى منع الحديث عنه! وهذا التهديد لا يخيفنا ولن نسكت عن فضحهم ولن نقدم له أدلتنا قبل أن يضع كبار الفاسدين في السجون».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».