رحلة في شبكة سجون الأسد السرية

المعتقل منصور عمري يعرض قطعة قماش كتب عليها معتقلون أسماءهم بالدم وهربوها من السجن (خدمة نيويورك تايمز)
المعتقل منصور عمري يعرض قطعة قماش كتب عليها معتقلون أسماءهم بالدم وهربوها من السجن (خدمة نيويورك تايمز)
TT

رحلة في شبكة سجون الأسد السرية

المعتقل منصور عمري يعرض قطعة قماش كتب عليها معتقلون أسماءهم بالدم وهربوها من السجن (خدمة نيويورك تايمز)
المعتقل منصور عمري يعرض قطعة قماش كتب عليها معتقلون أسماءهم بالدم وهربوها من السجن (خدمة نيويورك تايمز)

قام ضباط من جهاز الأمن السوري بتعليق مهند غباش من رسغيه لساعات وضربوه ضرباً مبرحاً حتى نزفت الدماء من جسده وصعقوه بالكهرباء ووضعوا سلاحاً نارياً في فمه.
واعترف غباش، وهو طالب بكلية الحقوق من حلب، مراراً بالجرم الذي اقترفه بالفعل: {تنظيم مظاهرات سلمية معارضة للحكومة}. ومع هذا، استمر التعذيب لمدة 12 يوماً حتى كتب على نفسه اعترافاً من محض خياله أقر فيه بتخطيطه لتنفيذ تفجير.
وقال غباش إن هذه كانت مجرد البداية. بعد ذلك، جرى نقله جواً إلى سجن مكدس في مطار المزة العسكري جنوب دمشق، حيث قال إن الحراس علقوه هو وعدد من السجناء عراة على حاجز ورشوا عليهم الماء في ليال من البرد القارس.
وأشار هو وناجون آخرون إلى أن أحد الحراس كان يطلق على نفسه {هتلر}، وكان يجبر المسجونين على تمثيل أدوار الكلاب والحمير والقطط، بهدف تسلية زملائه أثناء تناول العشاء، وكان يعتدي بالضرب على من يفشل في تقليد أصوات الحيوانات. وأضاف غباش أنه شاهد داخل مستشفى عسكري ممرضاً يركل وجه مريض تعرض لبتر أحد أطرافه كان يتوسل طلباً للحصول على مسكنات.
وفي وقت يقترب الرئيس السوري بشار الأسد من القضاء على ثورة استمرت ثماني سنوات، شكّل نظام سري يقوم على عمليات إلقاء اعتقال عشوائية وسجون تجري بها عمليات تعذيب، عنصراً محورياً في هذا النجاح. حتى هذه اللحظة، لم يظهر أثر لقرابة 128 ألف شخص، وجرى اعتبارهم من {الشبكة السورية لحقوق الإنسان} إما موتى أو قيد الاحتجاز.
جدير بالذكر أن {الشبكة السورية} منظمة مستقلة رقابية تتولى الاحتفاظ بأكثر البيانات دقة على هذا الصعيد. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 14 ألف شخص قتلوا أثناء التعذيب، بينما يلقى سجناء حتفهم بسبب ظروف مروعة وصفها تحقيق أجرته الأمم المتحدة بأنها {عملية إبادة}.
اليوم، وحتى مع انحسار الحرب، وتضاؤل اهتمام العالم وشروع بعض الدول في تطبيع علاقاتها مع سوريا، تتزايد وتيرة إجراءات جديدة من الاعتقال والتعذيب والإعدام. وسجلت {الشبكة السورية} 5607 حالة اعتقال جديدة صنفتها باعتبارها عشوائية ما يعني أكثر من 100 في الأسبوع بزيادة حوالي 25% عن العام الماضي.
ونجح محتجزون في السجون أخيراً في تسريب تحذيرات تفيد بأن المئات يجري إرسالهم إلى موقع لتنفيذ الإعدام داخل سجن الصيدانية. وأفاد سجناء مفرج عنهم حديثاً بأن وتيرة أعمال القتل تتسارع.
ورغم استحواذ {داعش} على اهتمام أكبر من جانب الغرب، فإن منظومة السجون السورية ابتلعت أضعاف من احتجزهم التنظيم داخل سوريا. وتشكل إجراءات الاحتجاز من جانب الحكومة قرابة 90% من مجمل حالات الاختفاء، طبقاً لتقديرات الشبكة.
وتوصل محققون معنيون بجرائم الحرب يتبعون مفوضية العدالة والمحاسبة الدولية المستقلة، إلى أن مذكرات حكومية احتوت أوامر بشن حملات قاسية وناقشت وقوع وفيات بين المحتجزين. وحملت المذكرات توقيع مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، بينهم أعضاء في اللجنة المركزية لإدارة الأزمة، والتي ترفع تقاريرها إلى الأسد مباشرة.
وأقرت مذكرة صادرة عن الاستخبارات العسكرية بوقوع وفيات جراء أعمال تعذيب والظروف المريعة داخل أماكن الاحتجاز. وأشارت مذكرات أخرى إلى وقوع وفيات بين محتجزين، جرى التعرف على هوية بعضهم لاحقاً من بين صور آلاف الجثث لسجناء جرى تهريبها من جانب منشق عن الشرطة العسكرية.
وأجازت مذكرتان توجيه {معاملة قاسية} لمحتجزين بعينهم. وأوحت مذكرة صادرة عن رئيس الاستخبارات العسكرية رفيق شحادة بوجود مخاوف في صفوف المسؤولين من التعرض لمحاكمات مستقبلية، وتحمل المذكرة أمراً بإبلاغه بجميع الوفيات التي تقع لمحتجزين.
على امتداد سبع سنوات، أجرت {نيويورك تايمز} مقابلات مع عشرات الناجين وأقارب متوفين ومحتجزين مفقودين، وراجعت وثائق حكومية تحوي تفاصيل حول الوفيات داخل السجون والحملات القاسية ضد معارضين، إلى جانب تفحصها لمئات الصفحات من شهادات شهود في تقارير حقوقية وقضايا منظورة أمام القضاء. وتتماشى شهادات الناجين الواردة هنا مع شهادات أدلى بها سجناء آخرين كانوا محتجزين داخل السجون ذاتها، وتدعمها مذكرات حكومية وصور جرى تهريبها من داخل السجون السورية.
في الشهور الأخيرة، اعترفت الحكومة السورية ضمناً بوفاة المئات في المعتقلات. وتحت ضغط من موسكو، أكدت دمشق مقتل بضع مئات من الأشخاص على الأقل عبر إصدار شهادات وفاة لهم أو تسجيلهم كمتوفيين في السجلات العائلية. وقال مؤسس {الشبكة السورية} فاضل عبد الغني، إن هذه الخطوة بعثت للمواطنين برسالة واضحة مفادها: {نحن انتصرنا، ونحن فعلنا ذلك ولن يعاقبنا أحد}.
ومازال الأسد ومعاونوه في السلطة بمأمن من إلقاء القبض عليهم وينعمون بحماية روسيا لهم من خلال قوتها العسكرية وحق النقض (فيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. في الوقت ذاته، بدأت دول عربية تعيد علاقاتها مع دمشق وتدرس دول أوروبية الأمر. ويأتي قرار الرئيس دونالد ترمب بسحب معظم الجنود الأميركيين من شرق سوريا، ليقلص من نفوذ أميركي ضئيل للغاية بالفعل في إطار الصراع الدائر بالبلاد والذي دخل الآن عامه التاسع.
جدير بالذكر أن منظومة الاحتجاز السورية الحالية تشكل صورة متضخمة من المنظومة التي بناها حافظ الأسد. في العام 1982، سحق الأسد الأب انتفاضة مسلحة لجماعة {الإخوان المسلمين} في حماة ودمر في خضم ذلك جزءاً كبيراً من المدينة وألقى القبض على عشرات الآلاف من الإسلاميين والمعارضين اليساريين والمدنيين غير المسيسين الذين اعتقلوا عشوائياً.
وعلى مدار عقدين، اختفى حوالي 17 ألف محتجز داخل هذه المنظومة المعتمدة على مخزون من أساليب التعذيب يعود إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، بل والأساليب النازية.
تجدر الإشارة إلى أنه عندما خلف بشار الأسد والده عام 2000، أبقى على منظومة الاحتجاز من دون تغيير. والمعروف أن كل من وكالات الاستخبارات السورية الأربع: العسكرية والسياسية والتابعة للقوات الجوية وأمن الدولة، لها أفرع محلية بمختلف أرجاء البلاد. وتملك معظمها سجوناً خاصة بها. وقد وثقت مفوضية العدالة والمحاسبة الدولية المئات من هذه السجون.
وكان احتجاز العديد من المراهقين وتعذيبهم في مارس (آذار) 2011 لكتابتهم عبارات مناهضة للأسد على الجدران، دفع سوريين للانضمام إلى سلسلة الانتفاضات التي اجتاحت دول عربية. وانتشرت المظاهرات المعترضة على المعاملة التي تعرض لها المراهقون من داخل مدينتهم درعا إلى مناطق أخرى، ما أدى إلى المزيد من عمليات الاعتقال، ما أشعل بدوره مزيداً من المظاهرات.
بمرور الوقت، انضم طوفان من المحتجزين من مختلف أرجاء سوريا إلى المعارضين الموجودين داخل سجن صيدنايا.
رياض أولار، مواطن تركي احتجز لمدة 20 عاماً بعدما ألقي القبض عليه عام 1996، عندما كان طالباً في الـ19 لعقده مقابلات مع سوريين حول مذبحة وقعت بأحد السجون، يقول إن {المحتجزين الجدد تنوعوا ما بين عاملي نظافة ومزارعين ومهندسين وأطباء، جميع فئات السوريين}. وأضاف أن أعمال التعذيب زادت وتعرض المحتجزون الجدد لاعتداءات جنسية والضرب على الأعضاء التناسلية وإجبارهم على ضرب أو قتل بعضهم البعض.
ولا أحد يدري على وجه الدقة عدد السوريين الذين مروا عبر هذه المنظومة منذ ذلك الحين، لكن منظمات حقوقية تقدر أعدادهم بما يتراوح بين مئات الآلاف وملايين. من جانبها، لا تكشف دمشق عن أرقام تتعلق بالسجون، لكن جميع الشهادات تشير إلى أن المنظومة شهدت حركة ضخمة بداخلها. وانتهى الحال ببعض السجناء السياسيين في السجون العادية، بينما احتجزت أجهزة الأمن وميليشيات موالية للحكومة آخرين في أماكن احتجاز داخل مدارس وملاعب ومكاتب وقواعد عسكرية ونقاط تفتيش.
وربما يكون التقدير الحالي الصادر عن {الشبكة السورية} الذي يشير إلى وجود أكثر من 127 ألف شخص حالياً داخل منظومة الاحتجاز السورية، أقل من الواقع. ولا يتضمن هذا العدد الذي يشير إلى حالات الاعتقال التي أبلغ عنها أقارب وشهود آخرين، الأشخاص الذين أطلق سراحهم لاحقاً أو تأكد موتهم.
وتولى ضابط سابق بالشرطة العسكرية أشار لنفسه باسم {قيصر} حفاظاً على سلامته، مهمة تصوير الجثث. وفر من سوريا حاملاً صوراً تخص 6700 جثة على الأقل، صدمت العالم لدى الكشف عنها عام 2014. أيضاً، صوّر {قيصر} مذكرات على مكتب رئيسه بالعمل تخطر مسؤولين أعلى بحالات وفيات.
ومثلما الحال مع شهادات الوفيات الصادرة حديثاً، تشير المذكرات لأسباب الوفاة باعتبارها {أزمة قلبية}. وذكرت إحدى المذكرات اسم محتجز تظهر صورة جثته في إحدى الصور التي فر بها {قيصر}، وقد جرى اقتلاع عينيه.

جولة تعذيب
من جانبه، ظل غباش على قيد الحياة رغم تعرضه للتعذيب داخل 12 منشأة على الأقل، ما جعله حسب قوله {أشبه بمرشد سياحي} داخل منظومة الاحتجاز السورية. وبدأت ملحمته عام 2011 عندما كان في الـ22 من عمره. وغباش هو الابن الأكبر لمقاول بنايات حكومية، وقد ألهمته المظاهرات السلمية التي اشتعلت في ضاحية داريا بدمشق لأن ينظم مظاهرات في حلب. وألقي القبض عليه في يونيو (حزيران) 2011، وأخلي سبيله بعد تعهده بعدم التظاهر. وقال: {إلا أنني لم أتوقف عن التظاهر}.
في أغسطس (آب) ألقي القبض عليه مجدداً، في الأسبوع نفسه الذي كشفت مذكرة من مفوضية العدالة والمحاسبة الدولية أن كبار المسؤولين المعاونين للأسد أمروا بشن إجراءات أكثر صرامة وانتقدوا {تراخي} المسؤولين المحليين ودعوا إلى إلقاء القبض على المزيد من {المحرضين على التظاهر}.
داخل الاحتجاز، تعرض غباش لتعليقه وضربه وجلده داخل سلسلة من المنشآت التابعة للاستخبارات العسكرية والعامة، حسب قوله. وفي النهاية، أخلى المسؤولون سبيله بعد أن وجهوا إليه نصيحة عابسة قدموها للكثير من الشباب أمثاله: ارحلوا عن البلاد.
وفي وقت أطلق النظام سراح بعض أكثر السجناء المتطرفين المحتجزين منذ أمد طويل في سجن صيدنايا، وهم إسلاميون متشددون قادوا لاحقاً جماعات متمردة، سعى المسؤولون إلى التخلص من المعارضة المدنية. ويرى نقاد أن الخطوتين كانتا تهدفان إلى نقل الانتفاضة إلى ميدان القتال، حيث تمتع الأسد وحلفاؤه بميزة عسكرية.

عقاب سريالي
في مارس (آذار)، جرى نقل غباش بالطائرة الى قاعدة ميز الجوية التي حملت اسم إحدى البلدات المجاورة لدمشق. أفاد هو والعديد من الناجين بأن المعتقلين كان يجري نقلهم وفق نظام نقل جماعي بين السجون وأن المعتقلين كانوا يلاقون الأمرين خلال تلك الرحلات سواء في الحافلات أو المروحيات أو طائرات الشحن.
ويتذكر البعض أنهم كان يجري نقلهم في شاحنات مخصصة لنقل الماشية المذبوحة وكان يجرى تعليقهم من يد واحدة في السقف باستخدام الخطافات المستخدمة في تثبيت اللحوم. كانت مساحة زنزانة غباش الجديدة أقل من 12 متراً مربعاً وكانت مزدحمة لدرجة أنهم كانوا يتناوبون ساعات النوم.
خارج الزنزانة، كان هناك رجل معصوب العينين ومكبل اليدين. كان السيد مازن درويش محامي حقوق الإنسان الذي اعتقل لجرأته أمام القاضي بحديثه عن حقوق الإنسان والضمانات التي أقرها القانون السوري.
يقول منير فاخر الذي يبلغ من العمر 39 عاماً، إنه اعتقل فيما كان متوجهاً للقاء مجموعة من المعارضة غير المسلحة. الفارق بين الصورتين قبل وبعد الاعتقال يوضح الفارق: رغم إنه كان ضخم البنيان إلا أنه كان بالغ النحافة عندما أطلق سراحه لدرجة أن زوجته لم تتعرف عليه.
في سجن صيدنايا كان البرد هو العقاب لكل من يتكلم أو ينام من دون إذن. يتذكر فاخر فيما كان يحتسي الشاي بمقهى في إسطنبول ان ملابسه هو وجميع زملاءه في الزنزانة قد صودرت وأجبروا على النوم عراة في درجة حرارة متجمدة. أضاف أنهم كانوا أحيانا يحرمون من الماء وأنهم كانوا يفركون أجسادهم بالرمال الموجودة بين المسافات الفاصلة بين بلاط الأرضيات.
صادف يوم لقائي بفاخر ذكرى وفاة زميله في الزنزانة الذي توفي نتيجة لعدوى بكتيرية أصابت أحد أسنانه ولم يتلق علاجاً لها لدرجة أن فكه تورّم ليبلغ حجم رأس أخر. لكن أحياناً يكون العلاج مميتاً أيضاً، حيث يجري التعذيب والقتل في المستشفيات، فيما يقوم ذوو الموالين للسلطة بزيارات للضباط المصابين في نفس المستشفى.
فقد حدث أن اصطحب فاخر إلى مستشفى 601 العسكري في حي المزة مرتين. المكان يعود إلى زمن الاستعمار حيث السقوف العالية والمشهد المطل على دمشق. كان كل ستة مساجين يجرى تكبيلهم عرايا بكل سرير، {وأحياناً يموت أحدهم فيقل العدد}، بحسب فاخر. وأحياناً نتمنى له الموت إن كان يرتدي ثياباً لنحصل عليها. أضاف: {ذات مرة شاهدنا الممرضين يعمدون إلى قطع الأنسولين عن فتى (نادل) في عمر العشرين مريض بداء السكري حتى مات}.

أسماء مكتوبة بالدماء
كان المعتقلون والمنشقون يخاطرون بحياتهم ليبلغوا عائلاتهم والعالم بمأساتهم. في زنزانة بالطابق الرابع تحت الأرض، قرر المعتقلون تهريب الأسماء المدونة على الجدران خارج السجن، بحسب منصور عمري، الذي اعتقل بسبب عمله بمجال حقوق الإنسان.
كان نبيل شربجي، صحافي، هو من أوحي لغباش بالعمل في مجال حقوق الإنسان عام 2011، وكانت المصادفة أنهما باتا زميلين في الزنزانة ذاتها لاحقاً بسجن المزة، وحاول نبيل كتابة اسمه على قطعة قماش رثة مستخدماً صلصة الطماطم لإيصالها خارج السجن، لكنه في النهاية قرر كتابتها بدمه، وقام معتقل يعمل خياطاً بحياكتها بقميص عمري وبالفعل وجدت طريقها خارج السجن.
وصلت الرسالة إلى العواصم الغربية وعرضت قصاصة القميص بمتحف الهولوكوست في واشنطن، لكن شربجي كان لا يزال قابعاً في سجنه.
في رسالة إلى خطيبته تمكن من كتابتها في سجن سمح بكتابة الرسائل، كتب شربجي يقول: {منهك ومنكفئ على وجهي. أحاول أن أضحك لكن ضحكات كلها أسى. لا أملك سوى الصبر وذكراك}. وبعد عامين أفاد معتقل بعد إطلاق سراحه بأن شربجي تعرض للضرب حتى الموت.
تمارس العائلات والناجون في سوريا ولبنان وتركيا والأردن وألمانيا وفرنسا والسويد وغيرها، الكثير من الضغوط لإنقاذ الضحايا. فبعد إطراق سراحه عام 2013، وصل غباش إلى مدينة غازي عنتاب التركية حيث يدير حالياً منظمة معنية بحقوق المرأة وتوفير الإعانات للاجئين في آخر معاقل المقاومة السورية.
التهديد بالمقاضاة هو آخر ما تبقى، بحسب درويش، من أمل لإنقاذ المعتقلين، {فهذا ما يمنحنا الطاقة، لكنها مسؤولية كبيرة. ربما ينقذ هذا روحاً. بعضهم أصدقائي. عندما أطلق سراحي، قالوا لي: نرجوك لا تنسانا}.
عائلات المعتقلين المفقودين أصبحت في متاهة بعد أن عجزت عن تحديد مصائر ذويها أو استخراج شهادات وفاة لهم. فمثلا فدوى محمود التي تعيش في برلين حالياً لا تعلم إن كان زوجها عبد العزيز الخير لا يزال على قيد الحياة أم لا. فمنذ ست سنوات عاد من الخارج إلى دمشق بضمانات أمنية للتحدث مع الحكومة والمعارضة غير المسلحة والتوسط بينهما، وتوجه ابنه محمود لاستقباله في مطار دمشق، ولم يبين لهما أثر بعد ذلك في المطار الذي كان خاضعاً لسيطرة الاستخبارات الجوية السورية.
* خدمة {نيويورك تايمز}



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.