«طالبان» تفتح جبهة جديدة ضد عمال الإغاثة أثناء محادثات السلام

تناقض يمثل استمرار المفاوضات في ظل الهجوم على الأهداف المدنية

جبهة جديدة في الحرب الأفغانية من خلال مهاجمة «طالبان» منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال»  إحدى المنظمات الإغاثية في العاصمة كابل (إ.ب.أ)
جبهة جديدة في الحرب الأفغانية من خلال مهاجمة «طالبان» منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال» إحدى المنظمات الإغاثية في العاصمة كابل (إ.ب.أ)
TT

«طالبان» تفتح جبهة جديدة ضد عمال الإغاثة أثناء محادثات السلام

جبهة جديدة في الحرب الأفغانية من خلال مهاجمة «طالبان» منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال»  إحدى المنظمات الإغاثية في العاصمة كابل (إ.ب.أ)
جبهة جديدة في الحرب الأفغانية من خلال مهاجمة «طالبان» منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال» إحدى المنظمات الإغاثية في العاصمة كابل (إ.ب.أ)

مع فتح حركة «طالبان»، خلال الأسبوع الجاري، لجبهة جديدة في الحرب الأفغانية، من خلال مهاجمة إحدى المنظمات الإغاثية المدعومة من الولايات المتحدة في العاصمة كابل، كان فريق المفاوضين من الحركة يجتمعون مع نظرائهم من الولايات المتحدة في أحدث جولة من جولات محادثات السلام، بشأن إنهاء الحرب في البلاد. ووجهت حركة «طالبان» ضربات حذرة ضد المنظمات الإغاثية العاملة في الماضي، مما يجعل هجوم الأربعاء الماضي على منظمة «كير» ومنظمة «كاونتربارت إنترناشيونال» أكثر مفاجأة وغرابة.
ولقي ما لا يقل عن 9 أشخاص مصرعهم، وأصيب 20 في الهجوم الذي أكده المسؤولون الأفغان، غير أن إجمالي عدد الوفيات يقترب من ضعف التقارير الأولية عن الحادث.
وسرعان ما أعلنت حركة «طالبان»، عبر الناطق الرسمي باسمها، ذبيح الله مجاهد، مسؤوليتها عن الهجوم، وقدمت تفسيراً له عبر حساب الحركة على «تويتر»، إذ قالت: «تعمل منظمة (كاونتربارت إنترناشيونال)، التي تشرف على كثير من المشروعات ذات الطبيعة المدنية، تحت قيادة الولايات المتحدة، وتتلقى التمويل مباشرة من وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية». بيد أن الحادث لم يلقَ تعليقاً قط من جانب مفاوضي «طالبان» أو الولايات المتحدة، رغم حالة التناقض الصارخة التي يمثلها، من حيث استمرار محادثات السلام في ظل الهجوم على الأهداف المدنية.
وكانت حركة «طالبان» قد رفضت، في غير مرة، مناشدات الحكومتين الأفغانية والأميركية بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان الجاري، ولكن الحركة تعهدت بتجنب توجيه الهجمات ضد الأهداف المدنية خلال الشهر الكريم.
وجاء هجوم الأربعاء الماضي جراء انفجار سيارة مفخخة معبأة بالمواد المتفجرة، والتي انطلقت متجاوزة البوابة الخارجية لمجمع منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال» داخل الكتلة السكنية بالعاصمة. ومن بين ضحايا الهجوم كان ثلاثة مواطنين أفغان، ممن يعملون في المكاتب المجاورة لمنظمة الإغاثة الإنسانية الأميركية «كير»، التي كانت أولى المنظمات التي أسست لجهود الإغاثة في البلاد عام 1961، وتعد واحدة من أقدم منظمات الإغاثة الإنسانية في أفغانستان.
ودانت المنظمات الإغاثية، والحكومة الأفغانية، والسفير الأميركي لدى أفغانستان جون باس، الهجوم الأخير؛ لكن هناك حالة من الصمت المطبق لازمت زلماي خليل زاد، كبير مفاوضي الجانب الأميركي في محادثات السلام الجارية. وكانت آخر تغريدة على حساب السيد خليل زاد يوم الثلاثاء، يصف فيها الطعام الذي تناوله في رحلته الأخيرة إلى الهند. ولم يذكر أي شيء البتة عن محادثات السلام أو التفجيرات.
وقال المتحدث باسم فريق المفاوضين بحركة «طالبان»، سهيل شاهين، إن السيد خليل زاد عاد يوم الاثنين إلى العاصمة القطرية الدوحة، التي تشهد الجولة السادسة من المحادثات التي اختتمت أول من أمس.
واعتمدت حركة «طالبان» لهجة شديدة القسوة، وغير معتادة، في خطابها بشأن الهدف الرئيسي من الهجوم الأخير، منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال». وقال الناطق الرسمي باسم الحركة، إن المنظمة توظف المستشارين الأجانب في البلاد، الذين يقومون بنشر الأفكار المناهضة، والترويج للثقافة الغربية في أوساط المجتمع الأفغاني المحافظ. كما وجهت الحركة انتقاداتها للمنظمة المذكورة، للسماح بالاختلاط بين الموظفين الرجال والنساء، داخل أماكن العمل. ورغم أن السيارة المفخخة المستخدمة في الهجوم قد اخترقت الجدار الخارجي والبوابة الأمامية للمجمع السكني الذي يضم مكاتب المنظمة، ودخل 4 من المهاجمين إلى مباني المنظمة، فإن أياً من موظفيها لم يتعرض لأذى، كما قالت المنظمة، إذ اتخذ أغلبهم ملجأه في الغرف الآمنة. ولقي المهاجمون مصرعهم على أيدي قوات الأمن الأفغانية، وسقط أحد ضباط القوات الخاصة الأفغانية قتيلاً في الهجوم.
وقال أحد موظفي منظمة «كاونتربارت إنترناشيونال»، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، إن المهاجمين في مرحلة من مراحل الهجوم حاولوا فيما يبدو إقناع الموظفين بفتح باب إحدى الغرف الآمنة، وأضاف الموظف قائلاً: «لم نفعل ذلك بالطبع؛ لأنه لا يمكنك الوثوق بأحد في حالة التعرض للهجوم الكبير، ونحن لا نعلم من العدو من الصديق في تلك الأثناء».
وتعرضت شركة «آر بي تي» اللوجستية، الواقع مقرها على الناحية الأخرى من الشارع، للأضرار جراء الانفجار، كما سقط حارسها قتيلاً أيضاً، وفقاً لشهادة أحد موظفي الشركة، ويدعى مسيح الله مالك زاي. كما أصيب 9 آخرون بجراح، وقال الموظف المذكور: «شعرت باليأس الشديد. والجميع يغادرون أفغانستان لأنهم يشعرون بأن الحكومة لا تستطيع حماية أحد».
وأسفر الانفجار الأول عن مصرع 3 موظفين داخل مكاتبهم، بما في ذلك سيف الله عبادي، حارس الأمن، ومحمد واقف، السائق، ومحمد آصف فروتان، المستشار الفني، كما أفادت منظمة «كير» في بيانها الصادر في وقت متأخر من مساء الأربعاء، من مقرها في مدينة أتلانتا، عاصمة ولاية جورجيا الأميركية. وكان السيد عبادي قد ابتاع أرضاً جديدة لأجل أسرته، على أمل أن يتمكن من بناء منزل جديد لهم. وكان السيد واقف يعمل لدى منظمة «كير» منذ 22 عاماً. أما السيد فروتان فقد ترك وراءه 6 من الأطفال كان يعولهم. وأضافت المنظمة في بيانها: «يعكس هذا الهجوم الأخطار المتزايدة التي تحيط بأعمال الإغاثة الإنسانية، في البلدان الممزقة بسبب الصراعات الداخلية، مثل أفغانستان، كما يعكس الواقع اليومي المؤسف لأعمال العنف التي يعاني منها كثير من الأسر في البلاد».
هذا وقد توصل المفاوضون الأميركيون مع مفاوضي حركة «طالبان» إلى اتفاق مبدئي بشأن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، في مقابل تعهد حركة «طالبان» بإنهاء تحالفها مع المنظمات الإرهابية المتطرفة، مثل تنظيم «القاعدة». لكن السيد خليل زاد لم يتمكن من إقناع فريق حركة «طالبان» بقبول وقف إطلاق النار، أو بدء المحادثات المباشرة مع الحكومة الأفغانية.

* خدمة «نيويورك تايمز»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».