إسطنبول... دجاجة تبيض ذهباً لحزب إردوغان

إسطنبول توفر فرص عمل لـ20 في المائة من الأيدي العاملة في البلاد (رويترز)
إسطنبول توفر فرص عمل لـ20 في المائة من الأيدي العاملة في البلاد (رويترز)
TT

إسطنبول... دجاجة تبيض ذهباً لحزب إردوغان

إسطنبول توفر فرص عمل لـ20 في المائة من الأيدي العاملة في البلاد (رويترز)
إسطنبول توفر فرص عمل لـ20 في المائة من الأيدي العاملة في البلاد (رويترز)

يتساءل المراقبون عن الأسباب التي تدفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى القتال حتى النفس الأخير، وممارسة كل أشكال الطعن والاعتراض والتشكيك في نتائج الانتخابات المحلية لإبقاء مدينة إسطنبول تحت سيطرة حزبه الإسلامي.
وبعيداً عن المقولة الأثيرة التي صارت إحدى أدبيات السياسة في تركيا، بعدما كرّرها إردوغان في كل مناسبة: «مَن يفُز بإسطنبول يفُز بتركيا»، فإن أهم ما يميز إسطنبول ليس ثقلها السياسي، بل ثقلها الاقتصادي والتجاري وحجم ميزانيتها ورؤوس الأموال التي تعيش فيها. هذه هي الأمور التي يؤكد مراقبون أنها السبب في رفض إردوغان تقبل فكرة ضياع إسطنبول منه.
أضف إلى ما سبق أن لإسطنبول قيمةً رمزيةً كبيرة، فهي تعد أكبر المدن في تركيا وإحدى أكبر مدن في العالم من حيث عدد السكان، ثم إنها عاصمة اقتصادية وسياحية وثقافية وتاريخية تقع في إقليم مرمرة (شمال غربي البلاد)... وعُرفت تاريخيا بأسماء بيزنطة (أو بيزنطية) والقسطنطينية والآستانة وإسلامبول... وطبعاً إسطنبول. وكانت عاصمة لعدد من الدول والإمبراطوريات عبر تاريخها الطويل، بحكم موقعها الجغرافي المركزي المميّز، فكانت عاصمة للإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية واللاتينية والدولة العثمانية.
يبلغ إجمالي مساحة إسطنبول 5461 كيلومتراً مربعاً، وتبلغ مساحة اليابسة منها 5343 كيلومتراً مربعاً، بينما تبلغ مساحة المدينة المركزية 1830 كيلومتراً مربعاً. وراهناً، تنقسم المدينة إدارياً إلى 39 بلدية منها 27 بلدية تشكل المدينة المركزية.
وتعد إسطنبول المركز الاقتصادي الأهم في تركيا، إذ توفر فرص عمل لـ20 في المائة من الأيدي العاملة في البلاد، وتسهم بـ22 في المائة من الناتج القومي التركي، ويؤخذ منها 40 في المائة من مجموع الضرائب في الدولة، وتنتج 55 في المائة من الصادرات التركية. إمره إردوغان، الأستاذ في جامعة بيلجي في إسطنبول، فإن بلدية العاصمة الاقتصادية والديموغرافية للبلاد تسيطر على «موارد مالية مهمة يُعاد توزيعها» لدعم حزب العدالة والتنمية. وبالتالي، فإن خسارة إسطنبول ستؤدي إلى خسارة كبرى في حجم الأموال الموزّعة على شبكات حزب العدالة والتنمية ما قد يضعف ماكينته.
وفي هذا السياق، اعتبر النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري باريش ياركاداش أن رغبة العدالة والتنمية في التستر على ما وصفه بـ«فضيحة الاستيلاء على ملايين الدولارات التي قدمتها البلدية كمساعدات للأوقاف المقرّبة من الحزب الحاكم هي السبب الحقيقي لإعادة الانتخابات. فالحزب حريص على مواصلة السيطرة على العاصمة الاقتصادية لتركيا التي كانت المصدر الرئيسي لدخل الحزب الحاكم وتمويل أنشطته منذ ظهوره». وتابع أن بلدية إسطنبول قدمت تحت إدارة حزب العدالة والتنمية مساعدات بقيمة 847 مليون ليرة تركية للأوقاف التابعة للحزب الحاكم خلال عام 2018 فقط، حسب تقارير تبرعات البلدية.
هذا، وبلغت ميزانية بلدية إسطنبول 42.6 مليار ليرة تركية (نحو 7.3 مليار دولار أميركي) عام 2018. وهذا الرقم أكبر من ميزانية معظم الوزارات التركية، وجزء كبير من هذه الأموال يذهب إلى الشركات الخاصة التي تستعين بها البلدية لتوفير الخدمات أو مشاريع البنية التحتية، ما يعني أن رئيس بلدية إسطنبول يسيطر على شبكة ضخمة من العلاقات... التي يستثمرها حزب العدالة والتنمية.
وبالتوازي، كشفت تقارير اقتصادية أن الحزب الحاكم في تركيا حوّل في الفترة ما بين 2006 و2018 نحو 6 مليارات ليرة (مليار دولار)، من أموال البلديات لأوقاف مقربة منه، وعلى رأسها وقف الشباب للخدمات التعليمية و«الأنصار» و«رماة الأسهم» و«شباب تركيا». كما أشارت التقارير إلى أن ميزانية الأوقاف خلال 2006 كانت 16 مليون و530 ألف ليرة، لكنها وصلت إلى 848 مليون و385 ألف ليرة في نهاية 2018، ما يمثل زيادة 50 ضعفاً. ومنذ خسارة الحزب الحاكم المدن الكبرى في الانتخابات المحلية نهاية مارس الماضي، كشف كثير من رؤساء البلديات الجدد حجم البذخ وهدر الأموال، بجانب وقائع الفساد لرؤساء البلديات التي كان يسيطر عليها أعضاء في الحزب الحاكم.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»