اعتكاف القضاة ينعكس سلباً على المتقاضين والخزينة

TT

اعتكاف القضاة ينعكس سلباً على المتقاضين والخزينة

يتخذ تحرّك قضاة لبنان منحى تصاعدياً، ردّاً على إصرار الحكومة على اقتطاع جزء من مكاسبهم المالية والتقديمات الصحية والتعليمية. لكن اعتكافهم المستمرّ منذ عشرة أيام، بدأ ينعكس سلباً على ملفات المتقاضين لجهة الامتناع عن تسجيل دعاوى جديدة، أو البت بالدعاوى العالقة بفعل التزام معظم القضاة بقرار الاعتكاف، وتعليق الجلسات إلى حين إلغاء البنود الواردة في الموازنة والتي تلحق إجحافاً بحقوقهم المادية والاجتماعية وأضراراً كبيرة بإيرادات الخزينة، نتيجة توقف الصناديق التابعة لوزارة المال عن استيفاء رسوم الملفات القضائية، بسبب التوقف عن عقد الجلسات وإصدار الأحكام، فيما يلوّح القضاة بالانتقال إلى معركة إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية بشكل تام.
ومع اعتراف القضاة بالآثار السلبية للاعتكاف على حقوق المتقاضين، أوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الضرر الذي يصيب المتقاضين جراء الاعتكاف محدود جداً». وقال «صحيح أن الجلسات معلّقة إلا أن القضاة يراعون الجانب الإنساني للقضايا التي فيها موقوفون، ويبتونها بسرعة، حتى لا يلحق الظلم بهؤلاء»، لافتاً إلى أن «جميع القضاة يحضرون إلى مكاتبهم يومياً، ويتدخلون في القضايا الحساسة، ويسارعون إلى اتخاذ القرار بشأنها»، معترفاً في الوقت نفسه بأن «نسبة تقديم الشكاوى تراجعت حيث لا تسجّل إلا الدعوى التي تضم موقوفين».
وإلى جانب الضرر اللاحق بالمتقاضين، تتكبّد الخزينة خسائر طائلة، جراء إضراب القضاة، نتيجة التوقف عن إصدار الأحكام، وبالتالي عدم دفع رسوم الغرامات القضائية وخلاصات الأحكام، وهذا الحال يسري أيضاً على توقف استقبال الدعوى التي تحتاج لكفالات مالية مقابل تسجيلها في قيود النيابات العامة.
ولفت المصدر القضائي إلى أن «الضرر المالي كبير، لكن ليس لدينا أرقام محددة عن المبالغ التي حرمت منها الخزينة خلال أيام الاعتكاف»، مؤكداً أن «هذه المبالغ تقدّر بأضعاف مضاعفة عن المبلغ الذي تنوي الحكومة اقتطاعه من مستحقات القضاة».
ولفت المصدر القضائي إلى أن «الضرر الأكبر الذي يلحق بخزينة الدولة، يكمن في توقف عدد من قضاة ديوان المحاسبة عن مزاولة أعمالهم، لأن كل عمليات الصرف تمرّ عبر ديوان المحاسبة»، مؤكداً أن «الاعتكاف مستمرّ إلى أن تنتهي الحكومة من إقرار الموازنة وإحالتها على المجلس النيابي، والتثبت مما إذا كانت ألغت البنود التي تقتطع من مكتسبات القضاة».
وتشكّل قصور العدل والدوائر القضائية ثاني أكبر مورد مالي للخزينة بعد عائدات الجمارك، وهي تتقدّم على إيرادات قطاع الاتصالات، نتيجة الرسوم المرتفعة التي تفرض كغرامات على الدعاوى القضائية، التي ارتفعت نسبتها في السنوات الأخيرة بشكل كبير.
وكان أكثر من 300 قاضٍ تداعوا إلى اجتماع عقد يوم الأربعاء الماضي في قاعة محكمة التمييز في قصر العدل في بيروت، تدارسوا خلاله آخر ما توصلت إليه الاتصالات مع السلطة، وقرروا بنتيجته الاستمرار في الاعتكاف المفتوح.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن رئيس مجلس القضاء القاضي جان فهد الذي انضم إلى القضاة، أطلعهم على نتائج لقاءاته بالمسؤولين، وتبلغ القضاة أن «قرار الحكومة بحسم 10 في المائة من مساهمة الخزينة في صندوق تقاعد القضاة الذي يقدّر بعشرة مليارات ليرة (ما يقارب 7 ملايين دولار) لا عودة عنه، بالإضافة إلى تحويل الـ30 في المائة من نسبة رسوم غرامات السير إلى وزارة المال مباشرة بدل تحويلها إلى صندوق القضاة، فضلاً عن تخفيض نسبة التقديمات الصحية والتعليمية».
ولا يتوقّف مطلب القضاة عند حدود التقديمات المالية والاجتماعية، بل ثمة اتجاه إلى تفعيل التحرّك باتجاه تكريس استقلالية السلطة القضائية ماديا ومعنوياً، بحيث لا يبقى القضاء خاضعاً لسلطة الحكومة، سواء بالتعيينات أو التشكيلات وحتى التقديمات المالية. وأكد المصدر القضائي أن «لا عودة عن إقرار قانون استقلال السلطة القضائية بشكل كامل». وقال «لم يعد جائزاً تعيين القضاة في المراكز الأساسية من قبل السلطة السياسية، بل يجب انتخابهم»، معتبراً أن «تبعية القضاء للسلطة السياسية هي ما يحول دون إطلاق يد القضاة في مكافحة الفساد، بل هي الفساد بعينه». وأضاف المصدر القضائي أن «معركة استقلال القضاء هي معركة رأي عام، تهمّ كلّ اللبنانيين، لأن القضاء المستقل هو القادر على إحقاق الحق، وإصدار الأحكام باسم الشعب اللبناني بعيداً عن الضغوط السياسية».



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.