لماذا لا تبدي الأسواق قلقاً كبيراً إزاء الحرب التجارية بين أميركا والصين؟

لماذا لا تبدي الأسواق قلقاً كبيراً إزاء الحرب التجارية بين أميركا والصين؟
TT

لماذا لا تبدي الأسواق قلقاً كبيراً إزاء الحرب التجارية بين أميركا والصين؟

لماذا لا تبدي الأسواق قلقاً كبيراً إزاء الحرب التجارية بين أميركا والصين؟

السؤال الحقيقي الواجب طرحه اليوم ليس: لماذا تراجعت سوق الأسهم الأسبوع الماضي؟! وإنما لماذا تراجعت بهذه النسبة شديدة الضآلة؟! لقد بدا أن أكبر اقتصادين في العالم يتحركان بخطى متسارعة نحو تصعيد خطير للحرب التجارية المشتعلة بينهما. من جانبهم، اشتكى مسؤولون أميركيون من أن المفاوضين الصينيين يمارسون الخداع وأنهم يتراجعون عن تنازلات سبق أن وافقوا عليها.
وأعلن الرئيس ترمب، أمس (الجمعة)، عزم الولايات المتحدة زيادة التعريفات التي تفرضها على الواردات الصينية البالغ قيمتها 200 مليار دولار إلى 25 في المائة، بدلاً من 10 في المائة، مع الشروع في فرض ضرائب على السلع المتبقية البالغ قيمتها 325 مليار دولار «في غضون وقت قصير». ولفترة من الوقت، لم يكن واضحاً ما إذا كان سيجري استئناف المفاوضات بين الجانبين هذا الأسبوع.
وحال انهيار المفاوضات بين الجانبين، حتى مع قدوم مسؤولين صينيين رفيعي المستوى إلى واشنطن، سيواجه الاقتصاد خطر التعرض لتراجع خطير، وربما ركود. على سبيل المثال، توقع خبراء اقتصاديين لدى وكالة «موديز أناليتيكس» انكماش نمو إجمالي الناتج المحلي جراء ذلك بنسبة 1.8 في المائة، علاوةً على ارتفاع معدلات البطالة.
إضافة لذلك، سيضرّ هذا التطور في الأحداث بالنتائج المالية لبعض الشركات الأميركية البارزة التي إما تستورد سلعاً صينية أو تعتمد على الصين كسوق استيراد مهمة.
ومع هذا، نجد أن مؤشر «ستاندرد أند بورز»، انخفض بنسبة 2.2 في المائة فقط خلال الأيام الثلاثة الأولى للتداول من الأسبوع. وخسر المؤشر فقط ما يعادل أرباح شهر واحد فقط، وبذلك تراجعت الأسواق لما كانت عليه في مطلع أبريل (نيسان).
أما حل هذا اللغز، فيكمن في كلمات قليلة: «خيار ترمب».
هناك نمط من إجراءات التأمين يطلق عليه «put» يسمح للناس بوضع حد أقصى لخسائرهم - بمعنى أنك إذا اشتريت سهماً مقابل 50 دولاراً وكذلك خيار «put» بسعر 40 دولاراً، فإنك بذلك تصبح محمياً من خسارة أكثر عن 10 دولارات في السهم.
على امتداد الشهور الـ28 له داخل البيت الأبيض، خلق ترمب شعوراً داخل الأسواق بأنه سيضطلع بهذا الدور بالنسبة للاقتصاد ككل. وقد مضت إدارته قدماً بالفعل في تنفيذ بعض التهديدات التي أطلقتها، مثل فرض تعريفات على كثير من واردات الصلب والألمونيوم، وكذلك التعريفات القائمة حالياً ضد الواردات الصينية، التي هدد ترمب، الأحد، بتوسيع نطاقها، لكن الإدارة تراجعت في الوقت ذاته في أي لحظة كانت تشعر بأن الأسواق أو الاقتصاد تبدو عليهما حالة من الهشاشة.
من بين الأمثلة على ذلك ما حدث في وقت متأخر من العام الماضي، عندما انهارت الأسواق المالية وتفاقمت مخاطرة الركود. وجاء عقد مفاوضات بنّاءة بين مسؤولين أميركيين وصينيين - تحديداً بعد اجتماع المكتب البيضاوي في 22 فبراير (شباط) - ليشكل أحد العوامل التي دفعت الأسهم للارتفاع بنسبة 15 في المائة حتى الآن خلال عام 2019. ومن بين العوامل الكبرى وراء ذلك قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بالتراجع عن خطط لرفع أسعار الفائدة، علاوة على الجهود الصينية الناجحة في تحفيز الاقتصاد الوطني.
وإذا كنت تحاول المراهنة على المسار الذي ستتخذه الأسواق في غضون الفترة ما بين ستة شهور وعام من الآن، فثمة بعض الأمور ينبغي أن تؤخذها في الاعتبار. يولي رئيس الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً بما يحدث داخل سوق الأسهم، الأمر الذي يبدو واضحاً من التغريدات التي يطلقها عبر «تويتر». ومن المقرر أن يخوض انتخابات الرئاسة سعياً وراء الفوز بإعادة انتخابه في غضون 18 شهراً من الآن. بجانب ذلك، يبدو أنه شخصياً يستمتع بفكرة إطلاق وعود كبيرة وجريئة للغاية، لا يرى كثير منها النور.
أضف ذلك إلى الشعور السائد بأن شيئاً سيئاً لن يحدث حقاً - وأن الإدارة ستنجح نهاية الأمر من إبرام اتفاق ما، حتى وإن كان الاتفاق لا يعالج بشكل كبير التوترات الاقتصادية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والصين.
أما المشكلة الوحيدة فتكمن في دور سياسات ترمب الأشبه بنظام «put» الذي يخلق نظاماً دائرياً هزلياً.
ويبدو الرئيس ترمب أكثر ثقة تجاه اتخاذ موقف تفاوضي قوي لإيمانه بأن سوق الأسهم ارتفعت كثيراً هذا العام والاقتصاد الأميركي في حالة متينة. إدراك أن سياسات ترمب تعمل بنظام «put» يعني أن الأسواق لن تهبط بدرجة بالغة حتى في ظل اتخاذ موقف تفاوضي أكثر تشدداً. بيد أنه يعني كذلك في المقابل وجود مؤشرات أضعف أمام الرئيس والدائرة المقربة منه إزاء حدوث عواقب سلبية إذا ما مضوا قدماً في تنفيذ التهديدات التي أطلقها الرئيس عبر «تويتر»، بفرض تعريفات على جميع الواردات الصينية.
وبالنظر إلى زيارة رئيس الوزراء الصيني، ليو هي، المقررة لواشنطن لمدة يومين لعقد محادثات، فإن هناك الكثير من المحفزات التي تدفع الجانبين نحو التوصل لاتفاق.
إلا أن النظر لدور سياسات ترمب على أنها تلعب دور «put» يعزز على ما يبدو احتمالات الوقوع في حسابات خاطئة. وسيكون الخطر أفدح إذا ما تسبب رد الفعل الطفيف من جانب الأسواق تجاه تصاعد نغمة التهديدات، في دفع مفاوضي إدارة ترمب نحو الاعتقاد بصحة ما يروج له ترمب حول أن الاقتصاد الأميركي يبلي بلاءً حسناً بسبب التعريفات (مثلما ذكر في تغريدة له)، وليس على الرغم من وجودها (الأمر الذي يجمع عليه تقريباً جميع الخبراء الاقتصاديين البارزين).
وإذا حدثت هذه الحسابات الخاطئة واتضح أن ترمب أقلّ استحقاقاً للثقة مما يبدو عليه، فمن المحتمل للغاية أن نجد جميعنا أنفسنا في خضم حرب تجارية عالمية أشد وطأة عما عايناه حتى الآن.

- خدمة «نيويورك تايمز»خاص بـ«الشرق الأوسط»



الجنيه الإسترليني يسجل أكبر تراجع في 3 أيام منذ عامين

أوراق نقدية من فئة خمسة جنيهات إسترلينية (رويترز)
أوراق نقدية من فئة خمسة جنيهات إسترلينية (رويترز)
TT

الجنيه الإسترليني يسجل أكبر تراجع في 3 أيام منذ عامين

أوراق نقدية من فئة خمسة جنيهات إسترلينية (رويترز)
أوراق نقدية من فئة خمسة جنيهات إسترلينية (رويترز)

توجه الجنيه الإسترليني نحو أكبر انخفاض له في ثلاثة أيام منذ نحو عامين، الخميس، تحت ضغط من موجة بيع عميقة في السندات العالمية التي أضرت بشكل خاص بالسندات الحكومية البريطانية، مما دفع عائداتها إلى أعلى مستوياتها في 16 عاماً ونصف العام. وأدى ذلك إلى زيادة المخاوف بشأن الوضع المالي لبريطانيا.

وانخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.9 في المائة في أحدث تعاملاته ليصل إلى 1.226 دولار، بعد أن لامس أدنى مستوى له منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 في وقت سابق من اليوم. وكان الجنيه على وشك تسجيل ثالث انخفاض يومي متتالٍ، مما يرفع خسائره إلى 2 في المائة خلال هذه الفترة، وهي أكبر خسائر منذ فبراير (شباط) 2023، وفق «رويترز».

ومقابل اليورو، انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.6 في المائة ليصل إلى 83.93 بنس، وهو أدنى مستوى له منذ شهرين.

وفي الأسبوع الماضي، ارتفعت عائدات السندات البريطانية في مختلف الأسواق العالمية، مدفوعة بالمخاوف من التضخم المرتفع، مع تراجع احتمالات خفض أسعار الفائدة، بالإضافة إلى حالة من عدم اليقين بشأن كيفية إدارة الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترمب للسياسة الخارجية والاقتصادية، واحتمال بيع تريليونات الدولارات من الديون الإضافية.

وكان سوق المملكة المتحدة الأكثر تضرراً بين الاقتصادات الكبرى، حيث قفزت عائدات السندات البريطانية القياسية لأجل عشر سنوات بمقدار ربع نقطة مئوية هذا الأسبوع وحده، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008، مما يعكس تدهوراً حاداً في الثقة بشأن التوقعات المالية لبريطانيا.

وعادةً ما تدعم عائدات السندات المرتفعة الجنيه الإسترليني، لكن هذه العلاقة انهارت في الوقت الراهن، مما يعكس القلق المتزايد بين المستثمرين بشأن الوضع المالي للبلاد.

وقال جيم ريد، استراتيجي «دويتشه بنك»: «مع ضعف الجنيه الإسترليني، أصبحت هناك أسئلة متزايدة حول ما إذا كان بنك إنجلترا قادراً على خفض أسعار الفائدة بالسرعة المتوقعة». وأضاف: «وبالتالي، فإن الارتفاع في العائدات يزيد من خطر أن تنتهك الحكومة قواعدها المالية، مما يضطرها إلى الإعلان عن المزيد من إجراءات التقشف مثل زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق، في حين أن العملة الأضعف ستزيد من الضغوط التضخمية في الوقت نفسه».

وفي بيان صادر مساء الأربعاء، أكدت وزارة المالية البريطانية التزامها الثابت بالقواعد المالية للحكومة البريطانية، مشيرة إلى أن هذا الالتزام «غير قابل للتفاوض».

وكان الجنيه الإسترليني من أفضل العملات أداءً مقابل الدولار في العامين الماضيين، بفضل سياسة بنك إنجلترا التي حافظت على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول من البنوك المركزية الكبرى الأخرى، ما ساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى الأصول البريطانية.

أما سياسات ترمب المقترحة بشأن التعريفات التجارية والهجرة فهي تحمل خطراً متزايداً لرفع ضغوط الأسعار في الولايات المتحدة، ما قد يحد من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، وهو ما أسهم في تعزيز قيمة الدولار أمام العملات الأخرى.

وتُظهر سوق المشتقات أن المتداولين يتوقعون أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة مرة واحدة هذا العام، ولكنهم لا يعتقدون أن هناك احتمالية كبيرة لخفض آخر. وفي الوقت ذاته، تتوافق التوقعات بشأن سياسة بنك إنجلترا مع تلك الخاصة بـ«الفيدرالي الأميركي».

وفي الوقت الذي تكافح فيه بريطانيا مع تباطؤ النمو الاقتصادي، والتضخم المستمر، وتدهور سوق العمل، فإنها تظل متخلفة عن الولايات المتحدة التي تظهر مرونة واضحة في جميع القطاعات.

وقفزت العلاوات التي يطالب بها المستثمرون مقابل المخاطر الإضافية لاحتفاظهم بديون الحكومة البريطانية لمدة 10 سنوات مقارنةً بسندات الخزانة الأميركية إلى نحو 20 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى لها منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني).

وفي هذا السياق، بلغ العائد على سندات الخزانة البريطانية لمدة 30 عاماً أعلى مستوى له منذ عام 1998 هذا الأسبوع، ما يعكس زيادة العائدات طويلة الأجل على مستوى العالم.

وكانت آخر مرة تعرضت فيها ديون المملكة المتحدة لهذه الضغوط في سبتمبر (أيلول) 2022، عندما كشفت رئيسة الوزراء آنذاك، ليز تروس، عن خطط الموازنة التي شملت تخفيضات ضريبية غير ممولة بمليارات الدولارات، ما أدى إلى انهيار السندات البريطانية وضرب الجنيه الإسترليني، وأجبر بنك إنجلترا على التدخل لدعم استقرار السوق.

ورغم أن التحركات هذا الأسبوع لا تقترب من التحركات الكبيرة التي شهدتها الأسواق في أواخر عام 2022، عندما ارتفعت السندات الحكومية البريطانية لأجل 10 سنوات بمقدار نقطة مئوية كاملة في أسبوع واحد، وبلغ الجنيه الإسترليني أدنى مستوياته القياسية مقابل الدولار، فإن السوق تظل تشهد اضطرابات ملموسة وتوقعات غير مؤكدة حول مسار الاقتصاد البريطاني.