رياض المالكي: المليارات لن تغرينا للتخلي عن القدس الشرقية عاصمة

أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الإدارة الأميركية وجهت رسائل للحديث مع السلطة قبل إعلان «صفقة القرن»

رياض المالكي
رياض المالكي
TT

رياض المالكي: المليارات لن تغرينا للتخلي عن القدس الشرقية عاصمة

رياض المالكي
رياض المالكي

أكد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتصالات لا تزال مقطوعة تماماً» مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، قبل أسابيع قليلة من موعد إعلانه «صفقة القرن» التي «لن يجدوا فلسطينياً واحداً يقبل بها»، إلا إذا تضمنت القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967. كاشفاً أن مسؤولين أميركيين يوجهون «رسائل» للتحدث مجدداً مع القيادة الفلسطينية. وأفاد المالكي الذي يزور نيويورك حالياً للمشاركة في اجتماع غير رسمي لأعضاء مجلس الأمن في شأن القضية الفلسطينية ولا سيما الاستيطان، أن «ما يشاع في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن صفقة القرن التي يرتقب أن يعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هو مجرد كلام. ونحن ليس لدينا علم بطبيعة هذه الخطة وتفاصيلها. منذ أشهر نسمع ونقرأ عن تسريبات أو ادعاءات عما تشمله الخطة»، مضيفاً: «نحن لا نأخذ من هذه التسريبات أي شيء، وهي لا تهمنا لأنها قد تكون مجرد بالونات اختبار أو سوى ذلك».
وأكد أنه بناء على ما ينشر «لن يجدوا فلسطينياً واحداً يقبل بأي خطة لا توجد فيها القدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين». ونبّه إلى أنه «إذا كان الأميركيون يعتقدون أنه بالشق الاقتصادي يمكن أغراء الفلسطينيين من أجل أن يتنازلوا عن القدس أو عن الدولة الفلسطينية، فهم يخطئون تماماً»، ولذلك فإن «الفلسطينيين غير مستعدين لمناقشة أي خطة لا تتضمن دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها». واتهم الجانب الأميركي بأنه «يريد القضاء على مبدأ حل الدولتين وفرض أمر واقع جديد». وكرر أن «الاتصالات المباشرة وغير المباشرة مقطوعة تماماً مع الجانب الأميركي» منذ أعلنت إدارة ترمب إغلاق الممثلية الفلسطينية في واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
ورداً على سؤال عن عدم واقعية الجانب الفلسطيني الذي يرفض إغراءات مالية هائلة مقابل الموافقة على «صفقة القرن»، رأى أن الفلسطينيين «ليسوا بحاجة حتى إلى فلس واحد ولا إلى أي دعم مادي ومالي دولي عند قيام دولة فلسطين التي ستستطيع من خلال إمكاناتها الداخلية أن يكون لديها اقتصاد متطور». وشدد على أن «المسألة ليست مالية، بل مبدأ وحق للفلسطينيين برفع الظلم عنهم». وطالب المسؤولين الأميركيين بـ«التراجع عن القرار الذي اتخذوه بخصوص القدس، وعن خطوات أخرى»، وأن يؤكدوا «التزامهم الشرعية الدولية وحل الدولتين»، وإذ ذاك «لن تكون لدينا أي مشكلة للعودة والجلوس معهم».
وسئل عما إذا كان من الواقعي في شيء أن يضع الفلسطينيون شروطاً على الجانب الأميركي، فقال: «لم لا، لم لا. من يبحث عن الآخر الآن؟ الأميركيون يحاولون التحدث مع الفلسطينيين». وأضاف أن الأميركيين «طبعاً» يوجهون «رسائل للتحدث معنا»، علما بأن الفريق الأميركي المفاوض اجتمع مع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) 22 مرة ومع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات 33 مرة قبل «الخطوات الأحادية المخالفة للإجماع الدولي ولمواقفهم السابقة، ومن ثم القطيعة بين الطرفين». وكشف أنه في سبتمبر (أيلول) 2017 وخلال اجتماع ثنائي بينهما «قال الرئيس دونالد ترمب كلاماً فيه الكثير من الإشادة والغزل السياسي بالرئيس محمود عباس». وكشف الوزير أن ترمب تحدث عام ذاك عن «حل الدولتين والقدس والاستيطان ووجود الطرف الثالث، بل سأل (مستشار الأمن القومي آنذاك هيربرت) ماكماستر عن عدد الجنود الأميركيين الذين يمكن تحريكهم الآن، فأجابه ماكماستر: ستة آلاف». وأضاف المالكي: «دخلنا في هذه التفاصيل وسواها، بما في ذلك قول ترمب لعباس إن الدولة الفلسطينية ستحصل على أراض أفضل بعشرات المرات من تلك التي سيجري التنازل عنها لإسرائيل» بموجب مبدأ تبادل الأراضي بالنسبة والمثل في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقال المالكي: «لا نعرف ماذا حصل بعد ذلك، لأن هذا الكلام سبق بأسابيع قليلة فقط قرار إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن»، معتبراً أن «ما حصل هو أن الرئيس ترمب تعرض لضغط من الفريق الثلاثي»، في إشارة إلى كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جايسون غرينبلات والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، معتبراً أن «هؤلاء هم من غيّروا توجه الرئيس الأميركي في اتجاه سياساته المتشددة اللاحقة من موضوع فلسطين». واستدرك أنه «يجب الحديث عن فريق رباعي يعد ما يسمى خطة القرن. الشخص الرابع هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلال السفير الإسرائيلي في واشنطن» رون ديرمر. وتحدث عن «تفاهمات والتزامات» قدمها الرئيس ترمب عملياً للجانب الفلسطيني لكنه «خرق هذه التفاهمات والالتزامات» لاحقاً.
وأكد وزير الخارجية الفلسطيني أن «الدول العربية لا تضغط على الجانب الفلسطيني إطلاقاً»، مضيفاً أن «الدول العربية تحترم موقفنا وتقدره، وهي تنقل مواقفنا الواضحة إلى الإدارة الأميركية». وأوضح أن «كلاً من المملكة العربية السعودية ومصر تتقاسمان معنا المواقف ذاتها. الملك سلمان قال للرئيس عباس: نحن نقبل ما تقبلونه ونرفض ما ترفضونه. هذا هو موقف المملكة العربية السعودية». وكشف أنه «جرى تأكيد هذا الموقف خلال القمة العربية الأخيرة في تونس وقبل ذلك خلال القمة العربية - الأوروبية في شرم الشيخ بمصر، وقبل ذلك خلال قمة الظهران بالسعودية، والتي سماها الملك سلمان: قمة القدس». وقال: «الآن لدينا القمة الإسلامية التي ستعقد في مكة المكرمة في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك»، وتوقع خلالها دعماً سعودياً وعربياً مهماً للقضية الفلسطينية.
واعتبر أن «كل ما يحصل منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي هو محاولة لإزاحة قضايا الحل النهائي الست: وهي اللاجئون والقدس والمستوطنات والحدود والأمن والمياه، وإلغاء حاجة إسرائيل إلى مفاوضات الحل النهائي من خلال شطب كل القضايا العالقة التي تحتاج إلى مفاوضات».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.