أهالي منطقة المنصورية يرفضون مدّ خطوط التوتر العالي فوق منازلهم

أحدهم ناشد نصر الله التدخل لأنه «القوي الوحيد» في الدولة

القوى الأمنية في مواجهة المحتجين في منطقة المنصورية أمس (تصوير: نبيل اسماعيل)
القوى الأمنية في مواجهة المحتجين في منطقة المنصورية أمس (تصوير: نبيل اسماعيل)
TT

أهالي منطقة المنصورية يرفضون مدّ خطوط التوتر العالي فوق منازلهم

القوى الأمنية في مواجهة المحتجين في منطقة المنصورية أمس (تصوير: نبيل اسماعيل)
القوى الأمنية في مواجهة المحتجين في منطقة المنصورية أمس (تصوير: نبيل اسماعيل)

حضرت قضية مد خطوط التوتر العالي في بلدة المنصورية (منطقة المتن الشمالي في جبل لبنان) على طاولة مجلس الوزراء اللبناني، أمس الأربعاء، بعد تصادم القوات الأمنية مع أهالي البلدة المعتصمين رفضاً لمد الخطوط فوق منازلهم، لما تسببه من أمراض سرطانية، كما يؤكدون، مطالبين وزارة الطاقة بمدها تحت الأرض وليس في الهواء.
وأكد وزير الإعلام جمال الجراح على هامش الجلسة أن «الدراسات التي أجريت أثبتت أنه لا ضرر من خطوط التوتر العالي في المنصورية، والمعايير التي التزمنا بها أعلى من المعايير الأوروبية. وقرار مجلس الوزراء بتنفيذ خطة الكهرباء نهائي والقوى الأمنية مكلفة من الحكومة مواكبة التنفيذ، والتهجم على القوى الأمنية يؤدي إلى إشكالات».
وتابع الجراح: «الدولة عرضت في السابق شراء شقق ممن يعتبر نفسه متضررا في المنصورية ولم تتلقّ طلبا واحدا في هذا الإطار». وأضاف: «هذا الخط موجود نفسه في صور وسعد نايل، ولا يوجد تقرير يثبت أنه يسبب أي ضرر».
كذلك صرحت وزيرة الطاقة ندى البستاني أن «خط التوتر العالي ممدود في كل لبنان فوق صور وصيدا وكسروان والمتن وغيرها. وهو يوفر هدراً فنياً يبلغ 20 مليون دولار. ونحن ضد استعمال القوة ضد المتظاهرين، وكذلك ضد قوى الأمن».
«الشرق الأوسط» رافقت المعتصمين الذين يحول دون وصولهم إلى العمال وإيقافهم عن مد الخطوط، سدّ من القوى الأمنية، مجهز بالدروع والعصيّ. أحد المعتصمين ناشد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله التدخل لأنه «القوي الوحيد والفعلي في لبنان». وأشار آخر إلى العمال قائلاً: «كلهم سوريون. وفي حين يطالب وزير الخارجية جبران باسيل بعودتهم إلى بلادهم يستخدمهم اليوم ليقضي علينا بالسرطان».
وتقول منى حرب لـ«الشرق الأوسط» إننا «قدمنا للوزارة دراسات تؤكد خطر تمديد الخطوط، لكننا لا نعرف إن كانوا قرأوا أياً منها. ويتحججون بأن الوصلة تحت الأرض تكلف أربعة ملايين دولار زيادة على كلفة مدها في الهواء، وينسون المليارات التي أهدروها على البواخر، والملايين التي ستصرفها وزارة الصحة لمعالجة الأمراض التي ستصيبنا إن هم أكملوا جريمتهم. هذا بالإضافة إلى الأموال التي عرضوها مقابل منازلنا والتي لا تستوفي نصف أسعارها. فليجمعوا كل هذا الهدر ونحن حاضرون للتبرع لهم بالفرق ويمدوا الخطوط تحت الأرض». وتشير حرب إلى أن «المخطط الأساسي كان يقضي بمد الخطوط في أرض لا سكن فيها، لكنها ملك لأحد النافذين، لذا تغير المشروع وسلطوا علينا خطوط توترهم العالي».
وتحرك الأهالي ليس جديداً، لأن الرفض بدأ قبل 18 عاماً. والمفارقة أن «التيار الوطني الحر» كان من أشد الرافضين لمد خطوط التوتر العالي في المنطقة، وكان يشارك الأهالي في اعتصاماتهم ويدعمهم، لكن الدعم انتهى ما إن تولى وزير الخارجية جبران باسيل حقيبة الطاقة، ومن ثم أورثها إلى النائب الحالي والوزير السابق سيزار أبو خليل، لتتولاها حالياً ندى البستاني.
أما المفارقة الثانية فهي في موقف أصدره، أمس، النائب إبراهيم كنعان من «التيار الوطني الحر» فقد رفض استعمال العنف ضد الأهالي. مشيرا إلى أن «قرار مد خطوط الكهرباء فوق الأرض في المنصورية ليس حزبيا بل هو قرار وزاري». وكشف أنه قدّم حلا «باقتراح قانون لتمديد خطوط الكهرباء تحت الأرض»، منوها إلى «دراسات أظهرت أن كلفة الخطة لا تتعدى 5 ملايين دولار وهي كلفة معقولة بالنسبة لكلفة الاستملاكات»، مبدياً استعداده للعب دور الوسيط بين الأهالي والحكومة.
وعلى خلفية الاعتصام، أوقفت السلطات الأمنية المواطن داود مخيبر، بعد انتشار فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يشتم رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل وغيرهما من السياسيين، رافضاً مد خطوط التوتر العالي في منطقته.
ويقول أحد المعتصمين الأب طوني صدي لـ«الشرق الأوسط»: «حاولنا بالحوار مع المسؤولين إقناعهم بمد الخطوط تحت الأرض، فكان الجواب أنهم لن يتراجعوا، وعندما تقدمنا لوقف العمال عن تمديد الكابلات، تعرضنا للضرب من القوى الأمنية. والبطريرك بشارة الراعي ناشد أول من أمس المسؤولين إيقاف العمل، لكنهم لا يردون على أحد».
وتقول دنيا حسون التي تسكن في المنطقة منذ 12 عاماً: «لا نريد أن نربي أولادنا في حقل كهرومغناطيسي». وتضيف: «أول من ناصرنا في قضيتنا كان التيار الوطني الحر وأعلنوا أن الأمر ضار. ولا نفهم كيف أصبح آمناً بنظرهم؟ يريدون إرغامنا إما على الموت أو المرض أو تهجيرنا من منازلنا».
وتستغرب غلاديس صعب: «كيف يمكن مد هذه الخطوط إلى جانب مدرسة ودار للعبادة، هذا فضلا عن المنازل وسكانها».



مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
TT

مصر تتحدث عن «تجربة مريرة» عمرها 13 عاماً في ملف السد الإثيوبي

سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)
سد «النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

جدّدت مصر الحديث عن صعوبات مسار التفاوض مع إثيوبيا بشأن قضية «سد النهضة»، مؤكدة أنها «خاضت تجربة مريرة لمدة 13 عاماً»، ورهنت حدوث انفراجة في الملف بـ«توافر إرادة سياسية لدى أديس أبابا».

وجدَّد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء تلفزيوني، مساء السبت، تأكيده «محورية حقوقها المائية من مياه النيل»، وقال إن بلاده «ترفض الممارسات الأحادية، من الجانب الإثيوبي، بشأن مشروع (السد)».

وتقيم إثيوبيا مشروع سد النهضة على رافد نهر النيل الرئيسي، منذ 2011، ويواجَه مشروع السد باعتراضات من دولتَي المصب مصر والسودان؛ للمطالبة باتفاق قانوني ينظم عمليات «تشغيل السد».

وشدد وزير الخارجية المصري على «ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن السد الإثيوبي»، وقال إن «بلاده لها تجربة مريرة امتدت إلى 13 عاماً دون التوصل إلى أي نتيجة بشأن (سد النهضة)»، مشيراً إلى أن «أديس أبابا ليست لديها الإرادة السياسية للوصول لاتفاق قانوني».

وعدّ عبد العاطي ملف المياه «قضية وجودية لمصر والسودان»، وقال إن «موقف الدولتين متطابق بشأن السد الإثيوبي».

وتنظر القاهرة لأمنها المائي بوصفه «قضية وجودية»، حيث تعاني مصر عجزاً مائياً يبلغ 55 في المائة، وتعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بواقع 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتقع حالياً تحت خط الفقر المائي العالمي، بواقع 500 متر مكعب للفرد سنوياً، وفق بيانات وزارة الري المصرية.

ورهن عبد العاطي الوصول لاتفاق بين الدول الثلاث بشأن السد بـ«ضرورة توافر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا؛ من أجل التوصل لاتفاق قانوني». وقال إن «ممارسات أديس أبابا الأحادية بملء بحيرة السد وتشغيله انتهاك لمبادئ القانون الدولي، باعتبار نهر النيل نهراً دولياً مشتركاً عابراً للحدود».

وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قرب «اكتمال بناء مشروع السد»، وقال، في شهر أغسطس (آب) الماضي، إن «إجمالي المياه في بحيرة السد ستصل إلى 70 مليار متر مكعب، نهاية عام 2024».

ويرى الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، أن «الحكومة الإثيوبية لم تلتزم باتفاقيات التعاون المبرَمة بينها وبين مصر والسودان، خصوصاً إعلان المبادئ الذي جرى توقيعه عام 2015، بين الدول الثلاث»، إلى جانب «مخالفة الاتفاقيات الدولية، المتعلقة بالأنهار العابرة للحدود، والتي تقضي بعدم إقامة أي مشروعات مائية، في دول المنابع، دون موافقة دول المصب»، منوهاً بأن «أديس أبابا لم تستشِر القاهرة والخرطوم بخصوص مشروع السد».

ووقَّعت مصر وإثيوبيا والسودان، في مارس (آذار) 2015، اتفاق «إعلان مبادئ» بشأن سد النهضة، تضمَّن ورقة تشمل 10 مبادئ وتعهدات تلتزم بها الدول الثلاث، من بينها التزام إثيوبيا «بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب».

وفي تقدير حجاج، فإن «الجانب الإثيوبي لم يشارك في مسارات التفاوض بشأن السد، بحسن نية». وقال إن «أديس أبابا أفشلت المفاوضات بسبب التعنت وغياب الإرادة السياسية لإبرام اتفاق قانوني بشأن السد»، ودلل على ذلك بـ«عدم التجاوب الإثيوبي مع توصيات مجلس الأمن بضرورة الوصول لاتفاق نهائي بشأن السد».

كان مجلس الأمن قد أصدر بياناً، في سبتمبر (أيلول) 2021، حثّ فيه مصر وإثيوبيا والسودان على «استئناف المفاوضات؛ بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزِم للأطراف بشأن ملء (السد) وتشغيله ضمن إطار زمني معقول».

بدوره، يعتقد خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، أن «القاهرة واجهت صعوبات عدة في مسار مفاوضات سد النهضة؛ بسبب تعنت الجانب الإثيوبي». وقال إن «أديس أبابا لم تُثبت جديتها في جولات التفاوض على مدار 13 عاماً»، معتبراً أن ما يحرك الجانب الإثيوبي «المكايدة السياسية ضد القاهرة، وممارسة ضغوط جيوسياسية عليها».

وحذّرت وزارة الخارجية المصرية، في خطاب إلى مجلس الأمن، نهاية أغسطس الماضي، من «تأثيرات خطيرة للسد على حصتي مصر والسودان المائيتين». وأشارت إلى «انتهاء مسارات المفاوضات بشأن سد النهضة بعد 13 عاماً من التفاوض بنيّاتٍ صادقة». وأرجعت ذلك إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل إلى حل».